يُجمع المؤرخون على أن أول نوع معروف من الورق استُخدم في التاريخ كان ورق البردى الذي استخرجه المصريون القدماء من لحاء نبات البردى منذ نحو 5 آلاف عام، أي قبل نحو 3 آلاف عام من ابتكار الصين للورق. وشكل ورق البردى بالنسبة للمصريين القدماء أداة لتدوين معارف حضارتهم، وقد حفّزهم هذا الاكتشاف على ابتكار العديد من مستلزمات الكتابة وأدواتها. ومهّد هذا الاكتشاف الطريق أمام المصريين لابتكار المناديل الورقية التي صُنعت من لبّ الخشب، وكانت تُستخدم من جانب الطبقة الثرية، قبل أن ينتقل استخدامها إلى الإغريق والرومان. وبالفعل كشفت الحفريات الأثرية عن مناديل كتانية مشغولة بأسلاك من الذهب في مقبرة الملك تحتمس، وقطعا مطرّزة بالإبرة في مقبرة الملك توت عنخ آمون.
ولمعرفة المزيد عن تاريخ صناعة الورق والمناديل الورقية التقينا رئيس مجموعة أماكو علي محمود العبد الله، وهو عضو مجلس إدارة نقابة الصناعات الورقية والتغليف في لبنان وعضو الاتحاد العربي للصناعات الورقية والطباعة والتغليف. ويقول العبد الله عن ابتكار صناعة الورق والمناديل الورقية وبداياتها: “ثمة روايات تاريخية عدة عن بدايات صناعة الورق والمناديل التي نعرفها في يومنا الحالي. البعض يرجعها إلى موظف في البلاط الإمبراطوري الصيني اسمه تساي لون الذي طوّر في بداية القرن الثاني الميلادي طريقة جديدة لصناعة الورق تتمثّل بتقطيع المواد النباتية ولحاء الأشجار وخيوط القنب والخرق البالية وشباك الصيد القديمة إلى قطع صغيرة للحصول في النهاية على طبقة رقيقة يتم تجفيفها قبل تحويلها إلى الورق”.
ويضيف: ” لكن صناعة الورق تاريخيا لم تبدأ في الصين، إذ وبحسب دراسات مصرية حديثة، انطلقت هذه الصناعة في عهد الفراعنة مع ورق البردى. واعتمد تصنيع ورق البردى على لب نبات البردى من خلال عدة خطوات، تبدأ بتقطيع اللب إلى قطع طولية رقيقة، توضع متعارضة مع بعضها البعض في طبقتين أو ثلاث، ثم تُبلّل بعد ذلك بالماء حتى تلين فيتم الضغط عليها بشدة لتشكيل شريحة رقيقة من الورق يمكن الكتابة عليها. وإذا كانت النصوص المكتوبة كبيرة كان يتم وصل هذه الرقائق ببعضها البعض لتصبح ما أُطلق عليه اسم لفافة البردى”.
وبحسب العبد الله، تطوّرت صناعة الورق والمناديل الورقية عبر العصور ونقلها العرب من الصين ومصر إلى أوروبا وبعدها إلى الولايات المتحدة. ويقول إن استخدامات المناديل الورقية انتشرت بين الطبقات الأرستقراطية. ويضيف: “نوعية المناديل كانت تختلف بين الطبقات الاجتماعية سواء من حيث النوعية أو جودة المادة المصنوعة منه. ويذكر إيراموس الذي كان فيلسوفا هولنديا من رواد الحركة الإنسانية في أوروبا في أحد كتبه عام 1530، أن النساء الرومانيات صنعن المنديل منذ القرن الثالث لمسح الوجه. وثمة إجماع على أن اليابانيون اخترعوا المنديل الورقي في العام 1185 للميلاد، وكان شكله مختلفا جدا عن الذي نعرفه حاليا، وقد تمت صناعته من لب الخشب وكان قاسياً جدا مثل الورق في يومنا الحالي، واستخدمه الجنود بشكل خاص لمسح السيوف”.
أما في الصين فيستدل الباحثون على بداية تصنيع الورق من خلال اكتشاف قطعة ورق قديمة في مدينة دونهوانغ. ويُعتقد أن هذه الورقة التي يبلغ حجمها عشرة سنتيمترات مربعة، كانت عبارة عن جزء من رسالة ربما صُنعت في العام الثامن قبل الميلاد. إلا أن بعض الدراسات تؤكد أن صناعة الورق الحديثة التي نعرفها، بدأت عمليا في الصين في العام 105 قبل الميلاد خلال فترة حكم الإمبراطور هو دي.
أما عن صناعة الورقيات في العالم العربي، فقال العبد الله: “نقل العرب صناعة الورق إلى مناطق حكمهم، وكانت تلك من أعظم وأهم أحداث التاريخ خلال الفتوحات الإسلامية. وفي آسيا الصغرى وبعد معركة نهر طلاس التي وقعت بين العباسيين والصينين في العام 751 للميلاد، تمكن المسلمون من أخذ أسرار صناعة الورق من الأسرى الصينيين. وأول مصنع للورق أسسه الفضل بن يحيى في العصر العباسي في بغداد في العام 794 للميلاد. ثم انتقلت هذه الصناعة من العراق إلى بلاد الشام وانفردت مدينة حلب عن بقية بلاد الشام بصناعة الورق، وسمّي حي من أحيائها باسم حي الوراقة حيث أُقيمت معامل الورق فيها”.
وتابع العبد الله قائلا: “مع مرور الوقت انتشرت مصانع الورق في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وتطوّرت صناعته وباتت وساما على صدر الحضارة الإسلامية ومفخرة تستحق الإشادة والإعجاب”.
وعن أنواع الورقيات، قال العبد الله: نجح العرب في إنتاج أنواع جديدة من الورق مثل ورق الحرير وورق الكتابة والورق المقوّى وغيرها من الأنواع، وكان العرب يطلقون على هذا النوع من الورق المصنوع من الكتان والقنّب اسم “كاغد” وهو لفظ صيني معرّب دخل عن طريق بلاد فارس”.
ويذكر العبد الله اسم كتاب عربي اسمه “غريب الحديث” لأبي عبيد القاسم بن سلام وهو مؤرخ بعام 866 للميلاد، وموجود في مكتبة جامعة ليدن في هولندا. ويضيف: “من المرجّح أن هذا الكتاب هو من أقدم المؤلفات المكتوبة على الورق العربي، ونظرا لوصول الحضارة الإسلامية إلى حدود شرق أوروبا في القرن الثاني عشر للميلاد، أثناء حكم المسلمين لجزيرة صقلية، من المرجّح أن يكون إنتاج الورق قد وصل إلى أوروبا عبر الدول الإسلامية المطلة على البحر الأبيض المتوسط التي كانت حلقة الوصل في نقل العلوم والمعارف الشرقية إلى الغرب”.
ويضيف العبد الله: “بحسب بعض المراجع، كانت شركة كيمبرلي – كلارك في الولايات المتحدة أول من طرح المنديل الورقي المخصص للوجه بشكله الحالي في العام 1924، وحمل الاسم التجاري “كلينكس”Kleenex . الجزء الأول من الكلمة كان يدلّ على مفردة “كلين” Clean أي نظيف باللغة الإنكليزية. وفي بداية الأمر، تم تسويق المنتج باعتباره مساعدا على إزالة مواد التجميل “المكياج” عن الوجه وربطته الشركة بصناعة الأفلام في هوليوود وقسم المكياج الخاص بصناعة الأفلام. وقد تمت الاستعانة بنجمات هوليوود مثل جين هارلو للتسويق لهذا المنديل. وكانت أول حملة إعلانية لشركة كلينكس بعنوان “لا تحمل البرد (الزكام) في جيبك” في إشارة منها إلى وجود جراثيم وفيروسات وأوساخ على المناديل القماشية”.
ويختم العبد الله قائلا: “في عصرنا الحديث احتل لبنان دورا رائدا في صناعة الورق بين الدول العربية، إذ عُرف بصناعة أكياس الورق مع شركة تذكرجي في العام 1923، ثم انتشرت صناعة تدوير الورق مع شركة جميّل إخوان في العام 1929، وصناعة الكرتون المضلّع أيضا مع شركة جميّل اخوان في العام 1956 قبل أن تبدأ صناعة دفاتر الورق مع الشركة الشرقية لصناعة الورق OPP في العام 1955.و تلاها شركة باسيل إخوان كما اشتهرت شركات أخرى في لبنان خلال ستينيات القرن الماضي مثل سوليكار في وادي شحرور لصناعة ورق الكرتون ، فيما اشتهرت شركات أخرى مثل سيديما لصناعة علب الكرتون و سنة 1961 و شركة عائلة رباط بصناعة ورق اللعب وورق السجائر. كذلك في الستينات، اشتهر الراحل يوسف تنوري في هذه الصناعة، إذ تعلّم مهنة صناعة وطبخ وعجن الورق الخام في البرازيل. وأسسّ تنوري في قاع الريم البقاعية شركة الأوراق الصحيّة ميموزا في العام 1966 لصناعة الورق الصحي المناديل و الكرتون وأتبعها . بعد ذلك تم تأسيس مصنع سيكومو البقاع للكرتون المقوى وشركة سيبكو غندور للكرتون في كفرشيما و شركة لونا برس لصناعة علب الكرتون وفي منتصف التسعينيات تم تأسيس مصنع يونيباك تيشوميل التابع لمجموعة إندفكو الصناعيّة و ذلك لصناعة لفائف ورق المناديل.