تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
١٨ سبتمبر ٢٠٢٤
شهد مؤشر الدولار الأمريكي(DXY) تراجعاً عن مكاسبه الأخيرة، حيث وصل إلى مستوى 100.86 خلال ساعات التداول الأخيرة قبيل اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية(FOMC) المرتقب اليوم الأربعاء. وهذا التراجع الأخير من وجهة نظري يعكس تحسنًا في معنويات المخاطرة وسط توقعات متزايدة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيقدم على خفض أسعار الفائدة بشكل كبير في اجتماعه اليوم، مما يعزز احتمال تراجع الدولار على المدى القصير.
وقد تزايدت التوقعات بخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، مما أدى إلى ضغوط على الدولار. فمثل هذه التوقعات برأيي تضع الدولار تحت ضغوط بيع، حيث يعيد المستثمرون تقييم العملة في ظل انخفاض العوائد المحتملة.
ومع ذلك، فإن قرار الفيدرالي المنتظر سواء بخفض الفائدة بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس سيشكل نقطة تحول للأسواق. وأعتقد أنه إذا قرر الفيدرالي خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط، قد يخفف الضغوط قصيرة الأجل على الدولار، إذ أن الأسواق قامت بالفعل بتسعير خفض أكبر بنسبة 70%. وعلى الرغم من أن الخفض الفعلي للفائدة يمكن أن يؤثر على تحركات الدولار على المدى القريب، فإن تأثير تصريحات الفيدرالي وتوجيهاته المستقبلية سيبقى العامل الحاسم في تحديد اتجاه الدولار على المدى الطويل.
ومن وجهة نظري سواء كان الفيدرالي سيخفض الفائدة بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس، فهو من المسلم به قريبًا. كما شهد الدولار الأمريكي انتعاشًا متواضعًا، إلى جانب عائدات سندات الخزانة الأمريكية بعد أن جاءت مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي أفضل من المتوقع.
حيث صدرت بيانات اقتصادية أمريكية أظهرت قوة نسبية للاقتصاد. مبيعات التجزئة الأمريكية في أغسطس ارتفعت بنسبة 0.1% على أساس شهري، مما يعكس مرونة إنفاق المستهلكين في مواجهة التحديات الاقتصادية. كما ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 0.8%، متجاوزًا التوقعات، مما يدل على استمرار النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة. هذه البيانات تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يسير نحو “هبوط ناعم”، بعيداً عن سيناريو الركود العميق، وهو ما يمنح الدولار بعض الدعم في مواجهة التوقعات بخفض الفائدة.
وقد ارتفعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس ارتفعت إلى 63%، بينما تراجعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 37%. هذه التوقعات برأيي تعكس رغبة السوق في رؤية تحرك قوي من الفيدرالي لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، فإن قرارًا بخفض الفائدة بشكل أكبر قد يؤدي إلى ضعف الدولار، وهو ما قد ينعكس على أداء الأسواق المالية العالمية.
فتراجع الدولار أو ارتفاعه بناءً على قرار الفيدرالي سيكون له تأثير مباشر على الأصول الأخرى. إذا انخفض الدولار بشكل ملحوظ نتيجة خفض كبير للفائدة، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع المقومة بالدولار مثل الذهب والنفط. أما انخفاض قيمة الدولار يجعل هذه الأصول أرخص بالنسبة للمستثمرين الأجانب، مما يعزز الطلب عليها. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى ارتفاع في أسعار الذهب، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. كذلك، يمكن أن يؤدي تراجع الدولار إلى تعزيز أسعار النفط، خاصة مع استمرار الطلب القوي من الأسواق الناشئة وتراجع العرض من قبل أوبك.
وفيما يتعلق بالأسهم، فإن تأثير خفض الفائدة على الدولار قد يكون ذو وجهين. من جهة، يؤدي خفض الفائدة إلى تقليل تكلفة الاقتراض، مما يعزز من قدرة الشركات على الاستثمار والتوسع، وهو ما يدعم أسواق الأسهم. ومن جهة أخرى، إذا ارتفعت أسعار السلع مثل النفط نتيجة ضعف الدولار، فقد تتأثر الشركات التي تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الخام، مما يؤدي إلى ضغط على هوامش الربحية.
وأعتقد أن خفض الفائدة بمقدار 25 أو 50 نقطة أساس لن يكون له تأثير مدمر على الاقتصاد، بدعم من فكرة أن الاقتصاد الأمريكي ما زال قوياً بما يكفي لتحمل هذه التغييرات الطفيفة في السياسة النقدية. وهذا يعطي إشارات إيجابية للأسواق المالية، حيث من المتوقع أن تكون التعديلات المرتقبة في أسعار الفائدة جزءًا من عملية أكبر للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأمريكي.
ومع ذلك، فإن الأسواق العالمية قد تشهد تبايناً في ردود أفعالها تجاه قرارات الفيدرالي. ففي حال خفض الفائدة بشكل أكبر، قد نشهد ضغوطاً على أسواق العملات الأخرى، خصوصاً تلك التي تعتمد على الدولار بشكل كبير. في المقابل، الأسواق الناشئة قد تستفيد من ضعف الدولار، حيث يمكنها جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحقيق نمو اقتصادي أكبر.
وبالمحصلة، فإن السيناريوهات المحتملة لحركة الدولار في الفترة القادمة ستعتمد بشكل كبير على كيفية استجابة الفيدرالي لتحديات الاقتصاد العالمي والمحلي. وفي حال قرر الفيدرالي خفض الفائدة بشكل أكبر مما هو متوقع، قد يؤدي ذلك إلى تراجع الدولار على المدى القصير، مما يعزز من قوة الأصول الأخرى مثل الذهب والنفط، ويدعم الأسواق الناشئة. لكن على المدى الطويل، سيعتمد مستقبل الدولار على البيانات الاقتصادية الأمريكية وكيفية استجابة الاقتصاد العالمي لقرارات الفيدرالي.