تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤
تتماسك أسعار الداو جونز أقل بقليل من أعلى مستوى لها على الاطلاق عند 42124.50 دولار خلال تعاملات اليوم الخميس، وأعتقد أن أسعار الداو جونز وأسواق الأسهم الأمريكية تستند إلى مجموعة من العوامل التي تتداخل فيها المؤشرات الاقتصادية، والتطورات الجيوسياسية، والسياسات النقدية. ففي الأيام الأخيرة، شهدنا قفزة في العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، بما في ذلك مؤشر داو جونز الصناعي، نتيجة لأرباح شركة ميكرون الإيجابية وتعهدات الصين بزيادة التحفيز الاقتصادي. وهذه التطورات أعطت دفعة قوية للتفاؤل في الأسواق، خاصة في قطاع التكنولوجيا الذي يشهد طلبًا كبيرًا على شرائح الذكاء الاصطناعي.
ومن الواضح أن تفاؤل المستثمرين تجاه تحفيزات الصين وتوقعاتهم بزيادة الدعم المالي يعزز المزاج الإيجابي في الأسواق الأمريكية. ومع ذلك، فإن هذا التفاؤل قد يكون محفوفًا بالمخاطر. ومن وجهة نظري، يبدو أن المؤشرات الفنية تشير إلى أن الأسواق الأمريكية قد تدخل مرحلة تصحيح قريبًا. حيث شهد مؤشر داو جونز تراجعًا طفيفًا بعد وصوله لمستويات قياسية، مما قد يكون إشارة إلى أن الأسعار بدأت تتجه نحو منطقة ذروة الشراء.
كما أن التحركات الأخيرة في الأسواق لم تقتصر فقط على قطاع التكنولوجيا، بل امتدت إلى سندات الخزانة الأمريكية. حيث ارتفعت العائدات بشكل ملحوظ، مما أثر سلبًا على أداء الأسهم، وخاصة المؤشرات الأمريكية الكبرى مثل داو جونز. وهذه الارتفاعات في عائدات السندات تشير برأيي إلى أن المستثمرين بدأوا ينظرون بحذر إلى الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، فإن تأثير ذلك لم يكن بالشكل المتوقع على ثقة المستهلكين الأمريكيين، والتي انخفضت بشكل كبير إلى أدنى مستوياتها في ثلاث سنوات. وهذا التناقض بين استجابة الأسواق وواقع الاقتصاد الذي يثير العديد من التساؤلات حول مدى استدامة هذا الزخم الإيجابي.
ومن وجهة نظري، في الوقت الذي تبدو فيه أسواق الأسهم مدفوعة بتوقعات خفض إضافي لأسعار الفائدة، يبقى هناك حالة من الترقب الحذر بين المستثمرين بانتظار تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول. وأعتقد أن هذه التصريحات قد تكون حاسمة في تحديد الاتجاه القادم للأسواق. فإذا أشار باول إلى مزيد من التيسير النقدي، فقد يستمر التفاؤل في الأسواق لفترة أطول، ولكن إذا جاءت تصريحاته أقل تفاؤلاً مما يتوقعه المتداولون، قد يؤدي ذلك إلى تصحيح حاد في الأسعار.
وفيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية، فإن قراءة الناتج المحلي الإجمالي والبيانات المتعلقة بالتضخم، مثل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ستكون عوامل رئيسية في تحديد حركة الأسواق خلال الفترة المقبلة. ومن المتوقع أن يبقى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ثابتًا عند 3%، ولكن إذا جاءت البيانات الاقتصادية أعلى من المتوقع، فقد نشهد زيادة في العائدات وانخفاض في الأسهم نتيجة القلق المتزايد بشأن التضخم.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني سوق العقارات في الولايات المتحدة من تراجع في مبيعات المساكن الجديدة، وهو ما يعكس تباطؤًا في الطلب على الرغم من خفض أسعار الفائدة. وهذا التراجع يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، حيث لا يزال هناك تفاوت بين التفاؤل في أسواق الأسهم وحقيقة الأداء الاقتصادي.
والتحدي الأكبر برأيي الذي يواجهه المستثمرون حاليًا هو كيفية التعامل مع هذا التفاوت بين التفاؤل المفرط في أسواق الأسهم والبيانات الاقتصادية التي تشير إلى تباطؤ محتمل. من وجهة نظر التحليل الفني، فإن مؤشر داو جونز يظهر إشارات تدل على احتمال دخول الأسواق في مرحلة تصحيحية، خاصة مع زيادة العائدات وضغوط التضخم المتوقعة.
وفي النهاية، لا يمكن تجاهل أن الأسواق تعتمد بشكل كبير على السياسات النقدية للبنوك المركزية. التوقعات بخفض أسعار الفائدة تدعم الاستثمارات في الأسهم، ولكن في حال جاءت البيانات الاقتصادية أقوى من المتوقع أو كانت هناك إشارة من الاحتياطي الفيدرالي لتغيير في السياسة، قد تشهد الأسواق تراجعًا كبيرًا. من وجهة نظري، ويبدو لي أن داو جونز قد دخل منطقة خطر، حيث يمكن لأي صدمة اقتصادية أو تغيير في سياسات الاحتياطي الفيدرالي أن تدفع الأسواق إلى تصحيح حاد.
لذلك، يبقى الحذر هو النهج الأفضل للمستثمرين في هذه المرحلة، حيث يواجهون مزيجًا من التفاؤل والتحذيرات بشأن الوضع الاقتصادي. والأسواق قد تشهد حركة تصحيحية خلال الفترة القادمة، ولكن ذلك يعتمد بشكل كبير على البيانات الاقتصادية القادمة وتصريحات جيروم باول.