كُتب بواسطة: رانيا جول ، محلل أول لأسواق المال في XS.com
أسعار النفط الخام تواصل تأرجحها وسط تقلبات كبيرة في المشهد السياسي والاقتصادي الدولي وتتداول اليوم الأربعاء عند 67.80 دولار، حيث تتقاطع العوامل الاقتصادية والجيوسياسية لتحدد مسار السوق. ومع انطلاقة الأسبوع بانخفاض في الأسعار، عاد السوق للارتفاع المتواضع مع ظهور بعض المؤشرات الداعمة. من أبرزها كان تقرير معهد البترول الأمريكي الذي أظهر انخفاضًا غير متوقع في مخزونات النفط الأمريكية. حيث جاءت الأرقام لتكشف عن تراجع قدره 0.573 مليون برميل، مقارنة بتوقعات بزيادة 2.3 مليون برميل، وبرأيي هذا أشار إلى توازن بين العرض والطلب بشكل قد يمنح السوق دفعًا مؤقتًا للتعافي. وعلى الرغم من هذا الدعم، لا تزال الضغوط قائمة بفعل الأخبار الجيوسياسية المتعلقة بالأحداث في الشرق الأوسط، مما يجعل السوق عرضة لتقلبات مستقبلية.
ومن وجهة نظري، الدعم الذي وفرته بيانات المخزونات ترافق مع عامل آخر يتمثل في قرار الولايات المتحدة شراء ثلاثة ملايين برميل لاحتياطياتها البترولية الاستراتيجية. وهذه الخطوة تعكس استجابة من واشنطن لمحاولة الحفاظ على استقرار سوق النفط في وجه التقلبات الحالية وتكمن أهميتها في ضمان توفر المخزون الاستراتيجي لأية أزمات مستقبلية محتملة. غير أن هذا الإجراء قد يكون له تأثير محدود بالنظر إلى الحجم الصغير نسبيًا مقارنة بالاستهلاك اليومي للولايات المتحدة، مما يعني أن تأثيره سيكون على الأرجح قصير الأجل. علاوة على ذلك، فإن احتمالية استنفاد الأموال المتاحة لعمليات الشراء المستقبلية حتى يتم تخصيص ميزانية إضافية من الكونغرس، يضع حدودًا على القدرة الأمريكية في استخدام الاحتياطيات كأداة لدعم السوق على المدى الطويل.
ومن الناحية الجيوسياسية، تأتي الأحداث الأخيرة المتعلقة بإسرائيل والتوترات في لبنان كعامل مهم في التأثير على أسعار النفط. إذ أدى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول احتمال اللجوء إلى حل دبلوماسي إلى تخفيف حدة التوترات بشكل مؤقت، مما انعكس بشكل إيجابي على توقعات السوق بعودة الاستقرار إلى المنطقة. ومع ذلك، فإن الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط تبقى غير مستقرة، مما يجعل أسعار النفط برايي عرضة لتقلبات جديدة في حال تصاعدت الأزمة مجددًا. وبالنظر إلى أن السوق يعتمد بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي لضمان استمرار تدفق النفط، فإن أية اضطرابات جديدة قد تتسبب في ارتفاعات حادة وغير متوقعة للأسعار.
وأعتقد أيضاً، أن خطط أوبك+ لتخفيف تخفيضات الإنتاج تُعد عاملًا مؤثرًا قد يثقل كاهل الأسعار على المدى القريب. والتحالف الذي يضم روسيا والدول الأعضاء في أوبك يسعى لزيادة الإنتاج بنحو 180 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من ديسمبر القادم، وهو ما يمكن أن يخلق ضغطًا هبوطيًا على الأسعار، خاصةً إذا لم يترافق هذا التخفيف مع نمو ملحوظ في الطلب العالمي. ومع تعافي الإنتاج الروسي جزئيًا بفضل استئناف نقل النفط عبر خط أنابيب دروجبا إلى أوروبا، تظهر معادلة جديدة قد تجعل سوق النفط أكثر تشبعًا وتضيف مزيدًا من التحديات في وجه الأسعار.
ومن المهم الإشارة إلى الدور المستمر لروسيا كمورد رئيسي للنفط إلى أوروبا، وتحديدًا إلى دول مثل المجر وسلوفاكيا اللتين تعتمدان بشكل كبير على النفط الروسي. ورغم الحظر الأوروبي المفروض على النفط الروسي، فإن هناك استثناءات تم منحها لبعض الدول الأوروبية التي تفتقر إلى بدائل قوية، مما يسهم في استمرار تدفق النفط الروسي عبر الأراضي الأوكرانية. وتبرز المرونة الروسية في إيجاد حلول لتحديات العقوبات عبر المفاوضات مع أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية، وهو ما يسمح لها بمواصلة تصدير النفط وضمان تواجدها في السوق الأوروبية، على الرغم من الضغوط السياسية والعقوبات الغربية.
وعليه أرى أن زيادة الاعتماد على الواردات الروسية يمثل خطوة مهمة لهذه الدول، التي لا تزال تواجه تحديات لوجستية ناتجة عن توترات العلاقات مع أوكرانيا. ومن المتوقع أن تستمر هذه التحديات، لكنها توضح في الوقت نفسه مرونة الدول الأوروبية وروسيا في التعامل مع الأزمات، وذلك لضمان استقرار إمدادات الطاقة، رغم التكاليف المرتفعة والمخاطر المرتبطة.
ومع ذلك، يبقى المستقبل محاطًا بالكثير من الشكوك. حيث أن تغير السياسات الأميركية، مع اقتراب الانتخابات واحتمالية فوز دونالد ترامب، قد يضيف أبعادًا جديدة للمعادلة. فالتاريخ يعكس أن رئاسة ترامب السابقة تزامنت مع تقلبات كبيرة في أسعار النفط. في حين قد يقود صعوده المحتمل إلى السلطة من جديد إلى زيادة الضغوط على أسعار النفط، خاصة في ظل توجيهه نحو سياسات من شأنها تعزيز الإنتاج الأميركي وربما تقليل الاعتماد على الواردات. ولعل التخوف من تكرار سيناريو 2016 يعيد للأذهان انخفاض أسعار النفط بعد فوزه، مع وجود احتمالية لزيادة الإنتاج وإمدادات السوق بما يكفي لتغيير المعادلة مرة أخرى.
وفي الختام، يمكنني القول إن أسعار النفط الخام تستمر في التأرجح بين عوامل عديدة، منها الاقتصادية والسياسية، إلى جانب التوترات الجيوسياسية. ورغم وجود مؤشرات مؤقتة على الدعم، فإن الشكوك لا تزال تخيم على السوق، حيث يعتمد الاتجاه المستقبلي على تطورات الأحداث الجيوسياسية وسياسات الدول الكبرى.
التحليل الفني لـ أسعار النفط الخام (USOIL – WTI):
تشير حركة أسعار النفط الخام الأخيرة إلى تراجع حاد في الأسعار بعد الأحداث الجيوسياسية الأخيرة، ولكن يبقى التأثير العام على السوق معتمدًا على عدة عوامل مستقبلية، منها السياسات النقدية التيسيرية التي تتبناها البنوك المركزية حول العالم، والتي تعزز النمو الاقتصادي العالمي وتحفز الطلب على النفط.
ومن منظور استراتيجي، قد يبقى سوق النفط الخام مدعومًا بفعل السياسات النقدية التيسيرية، والتي من المتوقع أن تحفز دورة التصنيع وتنعش النشاط الاقتصادي العالمي. لكن هناك مخاطر محددة قد تؤثر سلباً، من بينها الانتخابات الأميركية القادمة، حيث يُعد فوز ترامب مثار قلق للأسواق نظرًا لاحتمال زيادة الإنتاج النفطي الأمريكي، مما قد يؤدي إلى ضغط هبوطي على الأسعار. وتجدر الإشارة إلى أن فترة ولاية ترامب الأولى شهدت في بدايتها انخفاضًا في أسعار النفط بعد فوزه عام 2016، ولكن السوق تفاعل لاحقاً بارتفاع الأسعار مع توقعات بزيادة النمو العالمي.
الرسم البياني لأسعار النفط الخام – USOIL – WTI –MT4 XS.com
وفنياً على الرسم البياني اليومي يظهر الرسم البياني اليومي عدم قدرة النفط الخام على اختراق مستوى المقاومة الحاسم عند 71.67، حيث واجه عمليات بيع كبيرة عند هذا المستوى. في ضوء هذا الاتجاه، من المحتمل أن يكون الهدف الرئيسي للبائعين عند مستوى الدعم حول 65.00 دولار، وهو مستوى من المتوقع أن يشهد تدخل المشترين لتعزيز مركزهم ولخلق فرص للعودة إلى قمة النطاق السنوي. وقد يكون هذا المستوى نقطة جذب مشتركة للمشترين الذين يتطلعون لاستعادة الزخم الصعودي.
أما على الرسم البياني للأربع ساعات نجد مستوى دعم ثانوي تم تحديده عند أدنى مستوى في أكتوبر عند 66.70 دولار، وهو مرتبط بالتوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران. من المتوقع أن يجذب هذا المستوى بعض عمليات الشراء مع وجود مخاطرة محددة، حيث يمكن للمشترين البحث عن فرص للارتداد من هذا المستوى صعودًا نحو خط الاتجاه الهبوطي. في المقابل، سيحاول البائعون الضغط لزيادة الرهانات الهبوطية وصولاً إلى مستوى 65، الذي يُعتبر هدفاً جذاباً في حال استمرت حركة البيع.
وعلى الرسم البياني للساعة، بعد الأخبار الأخيرة، شهدنا فجوة سعرية هبوطية حادة، مما يعكس استجابة الأسواق للأخبار المتعلقة بعدم وقوع هجمات مباشرة على منشآت الطاقة. وهما يتطلع المشترون في هذا الإطار الزمني إلى ارتداد عند مستوى 66.50، حيث يمثل مستوى تأرجح محوري قد يشكل دعمًا مناسبًا لاستعادة بعض الزخم، بينما يستهدف البائعون اختبار مستوى الدعم عند 65 دولار.
وستلعب البيانات الاقتصادية الأميركية القادمة دوراً هاماً في تشكيل توقعات أسعار النفط الخام خلال الأسبوع الجاري. فبدءًا من تقرير الوظائف الشاغرة وتقرير ثقة المستهلك غداً، تليها بيانات مؤشر ADP والناتج المحلي الإجمالي يوم الأربعاء، ثم بيانات مؤشر الاستهلاك الشخصي وطلبات إعانة البطالة ومؤشر تكاليف التوظيف يوم الخميس، وصولاً إلى تقرير الوظائف غير الزراعية ومؤشر مديري المشتريات الصناعي ISM يوم الجمعة. قد تؤثر هذه البيانات مجتمعة على توقعات النمو الاقتصادي الأميركي، وهو ما قد ينعكس بالتالي على الطلب على النفط وعلى حركة الأسعار في السوق العالمية.
مستويات الدعم: 67.75 – 66.28 – 65.46
مستويات المقاومة: 68.24 – 69.79 – 71.83