كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
يشهد مؤشر الدولار الأمريكي حالة من التراجع ويتداول أدنى مستويات 104.00 نقطة عند 103.72 اليوم الثلاثاء، على خلفية التوترات السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث أظهر استطلاع رأي مؤخراً تقدم نائبة الرئيس كامالا هاريس بنسبة 49% مقابل 46% للرئيس السابق دونالد ترامب. ومن وجهة نظري هذا التقدم قد يزعزع استقرار الدولار، خاصة مع اقتراب الانتخابات واشتداد المنافسة بين المرشحين في الولايات المتأرجحة. كما أن هناك بيانات صدرت أمس تشير إلى تقدم هاريس في خمس من الولايات السبع المتأرجحة، مما يزيد من الضغط على الدولار وسط حالة من عدم اليقين السياسي في الأسواق.
ومع هذا التراجع في مؤشر الدولار إلى ما دون مستوى 104.00، من الواضح برأيي أن السعر يسعى إلى البحث عن مناطق دعم جديدة، خاصة وأن التوترات الانتخابية قد تخلق المزيد من التقلبات في أسواق المال. ومن المعروف أن الأسواق لا تتأثر فقط بالبيانات الاقتصادية، بل أيضًا بالتوترات السياسية والانتخابات، حيث تعتبر حالة عدم اليقين السياسي عاملاً رئيسياً يؤثر على استقرار العملات العالمية. ولذلك، نجد أن الأسواق قد تتعرض لتقلبات حادة خلال الفترة القادمة، حيث أتوقع أن تزداد مخاوف المستثمرين من عدم استقرار الدولار في حال فوز هاريس، وهو ما يعزز من الاتجاه البيعي للدولار على المدى القصير.
وإلى جانب التوترات السياسية، يشكل التقرير القادم لاستطلاع رأي كبار مسؤولي الإقراض (SLOOS) عنصراً إضافياً يمكن أن يؤثر على توقعات الدولار الأمريكي. وسيصدر هذا الاستطلاع يوم الاثنين القادم، وسيوفر نظرة عميقة حول ظروف الإقراض، بما يشمل الطلب على القروض وشروطها في الولايات المتحدة، وهو ما يعتبر مؤشراً هاماً على صحة الاقتصاد الأمريكي في الأشهر القادمة. فإذا أظهر الاستطلاع تشدداً في الشروط أو انخفاضاً في الطلب، فقد يؤكد ذلك وجود تباطؤ اقتصادي، مما يدفع الفيدرالي نحو سياسات نقدية أكثر تيسيراً، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من الضغط على الدولار.
وهنا تجدر بي الإشارة إلى أن التوقعات تشير أيضاً إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يقرر خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل، وذلك بنسبة احتمال تقارب 99.7% وهذا التوجه نحو خفض الفائدة قد يزيد من الضغوط البيعية على الدولار، حيث يعتبر خفض الفائدة أحد العوامل التي تجعل العملة أقل جاذبية للمستثمرين.
بالإضافة إلى ذلك، تراجع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.29%، وهو ما يعكس انخفاضاً عن مستواها السابق البالغ 4.38%، مما يؤكد رغبة المستثمرين في التحول نحو أصول أخرى أقل تعرضاً للتقلبات المرتبطة بالدولار.
وباعتبار هذه المعطيات، يظهر لي أن الدولار الأمريكي يواجه ضغوطاً متزايدة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية المتوقعة. إذ أنه في حال استمرت التوقعات بفوز هاريس في الانتخابات، قد يتواصل الضغط البيعي على الدولار، خاصة مع التوجه المتزايد نحو تخفيف السياسات النقدية للحد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد. كما أن حالة عدم اليقين المرتبطة بالدعاوى القضائية التي رفعها ترامب قد تزيد من صعوبة استقرار الدولار، خاصة في حال استمرت المعركة الانتخابية لفترة طويلة بعد يوم الانتخابات.
وبالعودة إلى أداء الأسواق الأخرى، وجدت أن تأثير استطلاعات الرأي الإيجابية لهاريس قد انعكس بشكل إيجابي على الأسهم الصينية التي أغلقت على ارتفاع يوم الاثنين. ورغم ذلك، ما زالت الأسهم الأوروبية والعقود الآجلة للأسهم الأمريكية تبحث عن اتجاه، مما يعكس حالة الحذر والترقب التي يعيشها المستثمرون في الأسواق العالمية. وإذا استمر تراجع الدولار، فقد يشهد الذهب، الذي يعتبر ملاذاً آمناً، زخماً أكبر في ظل تزايد تقلبات السوق، حيث قد يلجأ المستثمرون إلى تحويل جزء من استثماراتهم نحو الأصول الآمنة.
ومن وجهة نظر أساسية، يبدو لي أن الدولار في طريقه لمزيد من الانخفاض إذا استمر التقدم السياسي لصالح هاريس، وتم خفض الفائدة كما هو متوقع. ومع حالة عدم اليقين بشأن نتيجة الانتخابات، وارتفاع احتمالات التقلبات على المدى القصير، قد يضطر المستثمرون إلى اعتماد استراتيجيات دفاعية أكثر، تشمل التحول نحو العملات الأكثر استقراراً مثل اليورو أو الين الياباني، وأيضاً التركيز على الأصول الآمنة.
وفي النهاية، قد يكون مستقبل الدولار محكوماً بعدة عوامل، أهمها نتائج الانتخابات وتوجهات السياسة النقدية الأمريكية. وفي حال استمر الضغط السياسي على الدولار، ومع توجه الفيدرالي نحو تيسير السياسات النقدية، فأتوقع أن يواجه الدولار صعوبة في الحفاظ على مستوياته الحالية.