بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com
يعكس الذهب مساره الهابط المستمر منذ أوائل نوفمبر ويرتفع بأكثر من 1.5% مستعيداً 2600 دولاراً للأونصة، وذلك بعد أن بلغ الأسبوع الفائت أدنى مستوى له منذ قرابة منتصف سبتمبر.
أعتقد أن القوة التي يظهرها الذهب عندما يحاول تقليص خسائره تعكس مدى تأثير العوامل الدافعة للمعدن الأصفر. حيث أن عدم اليقين الاقتصاد وتجاه الحروب التجارية والتفاقم المحتمل الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط من شأنها أن تحفظ للذهب بريقه كأحد أهم الملاذات الآمنة.
فعلى الرغم من وعود دونالد ترامب السابقة أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحروب المشتعلة في وقت قصير للغاية بعد توليه لمنصبه، إلا أننا نجد تشكيكاً متزايداً في هذه الرواية والتي لم يفصح الرئيس الجمهوري اطلاقاً عن تفاصيلها. كما أن كما تصاعد التوتر مؤخراً في جبهتي أوكرانيا والشرق الأوسط يزيد من تعقيد المشهد ويعزز من تلك الشكوك – التي بدأ يتحدث عنها الخبراء وكتاب الرأي على نحو متزايد مؤخراً.
في أوكرانيا، فبعد الهجوم الصاروخي الروسي الواسع يوم الأحد، ردت الإدارة الامريكية بالسماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي بصواريخ ATACMS المتطورة. عادة ما يُقابل رفع سقف تفويض الولايات المتحدة لأوكرانيا في هذه الحرب بالمزيد من التصعيد الروسي.
على الرغم من أن هذا التصعيد قد يأتي في إطار تعزيز الموقف التفاوضي، إلا أنني أعتقد أن المزيد والمزيد من التصعيد قد يرفع من احتمالية حدوث خطأ في التقدير بما قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع على نحو غير مسبوق بدلاً من الدفع نحو التفاوض.
أما في الشرق الأوسط، تسود المخاوف حول إمكانية تفاقم الصراع ما بين إيران وإسرائيل في المرحلة الانتقالية التي ستمتد إلى ما العشرين من يناير المقبل. حيث قد تقوم إيران بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير على أراضيها في أكتوبر الفائت. هذا ما قد ينطوي عليه رد إسرائيلي مضاد ويعيد بذلك إلى أذهان المستثمرين الاضطراب المحتمل الذي قد يطال الاقتصاد العالمي مع إمكانية عرقلة تدفق امدادا النفط والتجارة العالمية في الإقليم.
مع فوز ترامب، فقد يتجه الجانب الإسرائيلي إلى أن يتخذ موقف أكثر تشدداً في الإقليم وذلك رهاناً من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على إطلاق يده في الإقليم من قبل الإدارة الجمهوري المقبلة. هذا التصعيد قد يصل إلى حد استهداف المنشآت النووية الإيرانية، حيث قد دعا النائب الجمهوري ليندسي غراهام نتنياهو لضرب تلك المنشآت، وفق Axios.
في حين أن هذا الاستهداف لمنشآت شديدة الأهمية، يضاف إليها أيضاً المنشآت النفطية، في إيران قد يدفع الجمهورية الإسلامية إلى الضغط على الولايات المتحدة عبر الأثر الاقتصادي المحتمل المترتب على قيامها بعرقلة تدفق التجارة من مضيق هرمز.
مع هذا كله، فأعتقد أن العوامل الجيوسياسية قد تبقى من بين العوامل الدافعة لأسعار الذهب العام المقبل مع عدم وجود أفق قريب لتسوية الصراعات.
أما على جانب الحروب التجارية، فلا نعلم على وجه اليقين كيف ستكون العلاقات التجارية ما بين الصين والولايات المتحدة مع عودة ترامب، الذي يهدد بتصعيد الحرب عبر الرسوم الجمركية الضخمة. إلا أنه لطالما ما تم التحذير من عواقب الحروب التجارية في نمو الاقتصاد العالم وفي رفع حالة عدم اليقين.
في حين أن العواقب الاقتصادية لن تقتصر فقط على الصين. حيث يرى العالم الاقتصادي بول كروغمان في مقال للرأي في نيويورك تايمز بأن دونالد ترامب قد يكون السبب في خسارة الولايات المتحدة في هذه الحرب، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب ومن بينها “جهل” الرئيس بكيفية عمل التجارة العالمية وذلك عبر اصراره على عدم وجود ضرر للتعرفات على المستهلك.
على ضوء تلك العوامل المختلفة، فقد أكد غولدمان ساكس على مستهدفه لسعر الذهب عند 3000 دولاراً للأونصة في ديسمبر من العام المقبل.
في المقابل، فإن العوامل الضاغطة على الذهب للتراجع يبدو أنها المسيطرة مؤخراً وقد تدفع المعدن الأصفر إلى المزيد من التراجع على المدى القصير. فبعد اعلان فوز ترامب وتسارع التضخم في الولايات المتحدة والتصريحات الحذرة من رئيس الاحتياطي الفيدرالي لم تعد الأسواق تتوقع خفضاً لأسعار الفائدة خلال أول اجتماع للفيدرالي في يناير المقبل. حيث لم تعد تتحاوز احتمالية الخفض بمقدار 25 نقطة أساس في يناير أكثر من 20% فيما لا يزال الخفض في ديسمبر مرجحاً إلى الأن، وفق CME FedWatch Tool.