كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
سجل سعر الذهب تراجعًا طفيفًا بعد أن لامس أعلى مستوى له في أسبوع ونصف خلال التعاملات الصباحية اليوم الاربعاء، حيث يتداول حاليًا حول منطقة 2631 و2636 دولارًا. ورغم هذا التراجع، لا يزال الذهب يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن، متماسكًا في اتجاه صعودي لليوم الثالث على التوالي. وبرأيي تبقى التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا عاملًا حاسمًا في دعم سعر الذهب، مما يعكس المخاوف المستمرة من التصعيد. ومع ذلك، يشهد السوق حالة من التردد والترقب في ظل تغيرات متعددة قد تؤثر على مسار الذهب في الأسابيع المقبلة، وهو ما يجعل التحليل الفني والاقتصادي للذهب أكثر تعقيدًا.
ومن وجهة نظري يتأثر الذهب بشكل مباشر بالصراع المتفاقم بين روسيا وأوكرانيا، حيث شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في التصريحات والتكتيكات العسكرية. فمن جهة، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اجراءات عسكرية جديدة في حالات محددة. ومن جهة أخرى، أقدمت أوكرانيا على ضرب أهداف عسكرية روسية ، مما يرفع من حدة المخاوف العالمية بشأن التصعيد العسكري. وفي وقت تعلن فيه روسيا أنها تسعى لتجنب حرب نووية، تبقى أسواق الذهب متأثرة بشكل كبير بهذه المخاوف، مع تدفق المستثمرين نحو الذهب هربًا من عدم اليقين.
وفي المقابل، تبدأ الأسواق في النظر إلى العوامل الاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة على أنها قد تحد من مكاسب الذهب. وهناك تزايد في الاعتقاد بأن سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، قد تكون محفزًا لنمو الاقتصاد الأمريكي، وهو ما قد يعزز التضخم أيضًا. وبرأيي هذه التوقعات تشير إلى احتمال أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتقليص خطة خفض أسعار الفائدة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على توجهات الذهب، كونه معدنًا غير مدر للعائد. ومع ظهور هذه التوقعات، أصبحت أسواق السندات الأمريكية أكثر جذبًا للمستثمرين، مما يساعد على رفع عائدات سندات الخزانة الأمريكية ويزيد من الطلب على الدولار الأمريكي.
بالاضافة إلى أن الذهب يواجه ضغوطًا من ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، والتي بدورها تدفع الدولار الأمريكي للصعود. وبرأيي مع أن المعدن الأصفر لا يزال يحقق مكاسب لليوم الثالث على التوالي، إلا أن التراجع البسيط في سعره يشير إلى أن هناك قوى اقتصادية تؤثر عليه بشكل أكبر مما كانت عليه في فترات سابقة.
فالدولار الأمريكي بارتفاع طفيف قد يؤدي إلى تقليل جاذبية الذهب بالنسبة للمستثمرين، خاصة مع ارتفاع العوائد على السندات التي تقدم بدائل ذات مردود مالي. هذه التحركات تظهر بوضوح في السوق الحالي حيث يبقى المستثمرون في حالة ترقب لمزيد من التفاصيل حول السياسة النقدية القادمة للبنك الفيدرالي الأمريكي.
ومع اقتراب موعد اجتماع السياسة النقدية المقبل في ديسمبر، يبدو أن الأسواق تتجه إلى وضع استراتيجية الانتظار والتريث قبل اتخاذ قرارات جديدة بشأن الذهب. فالتوقعات المتعلقة بالخطوات التي قد يتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي هي التي ستشكل الاتجاه المستقبلي للأسواق. في حين أن المخاوف الجيوسياسية قد تقدم بعض الدعم للذهب على المدى القصير، إلا أن العوامل الاقتصادية الأمريكية قد تهيمن على حركة الأسعار في المدى القريب. حيث سجلت توقعات المتداولين لقرارات البنك الفيدرالي، احتمالات منخفضة لخفض أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، ما يعكس زيادة في التفاؤل حيال قوة الاقتصاد الأمريكي.
ومن جانب آخر، أعتقد أن الذهب يعتبر أحد الأصول غير المدرة للعائد، ولذلك فإن استمرار ارتفاع عائدات السندات الأمريكية يمثل ضغطًا مستمرًا على جاذبيته. حيث يشهد السوق توجهاً نحو الأصول التي تقدم عوائد مباشرة، مثل السندات والأسهم، بينما قد يتأثر الذهب بانخفاض الطلب عليه. ورغم هذا، يبقى الذهب أحد الأصول التي يعتمد عليها المستثمرون في حالات التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل الأحداث الجيوسياسية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
ومن وجهة نظري، سيبقى سعر الذهب في حالة من الحذر والترقب، حيث تحكمه العوامل الجيوسياسية والاقتصادية في الوقت نفسه. وعلى الرغم من تدفقات الأموال نحو الذهب كملاذ آمن في ظل التوترات بين روسيا وأوكرانيا، فإن المعطيات الاقتصادية داخل الولايات المتحدة، وتحديدًا سياسة البنك الفيدرالي، تبقى العامل الأهم الذي يحدد حركة الذهب في المستقبل.
كما أن الارتفاع في عائدات السندات الأمريكية وعودة قوة الدولار قد تشكل تحديات حقيقية للذهب في الأسابيع القادمة. وفي ظل هذه المعطيات، سيبقى الذهب في مسار معقد يتطلب متابعة دقيقة للمتغيرات الاقتصادية والسياسية على حد سواء