كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهدت أسعار الذهب تراجعًا ملحوظًا اليوم الثلاثاء حيث انخفضت إلى ما دون مستوى 2,640 دولارًا للأونصة، ما يعكس حالة من الترقب في الأسواق المالية قبيل صدور بيانات التوظيف الأمريكية المنتظرة. وهذا الانخفاض برأيي جاء رغم بقائه ضمن نطاق التداول العرضي الأخير، ويؤكد أن المتداولين في حالة انتظار لمزيد من الإشارات من بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن مستقبل السياسة النقدية، خصوصًا مع اقتراب إعلان بيانات الوظائف الشاغرة في الولايات المتحدة (JOLTS) التي قد تشكل مفتاحًا هامًا لفهم التوجه المستقبلي للبنك المركزي.
كما يتعافى الدولار الأمريكي تدريجيًا من آثار الضغوط التي نتجت عن التصريحات الأخيرة لصناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما أثر على أداء الذهب، الذي يتسم عادةً بعلاقة عكسية مع الدولار. فتصريحات محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر التي أشار فيها إلى أن السياسة النقدية لا تزال تقييدية بما يكفي، ألقت الضوء على إمكانية تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة مستقبلاً، مما أدى إلى انعكاسات متباينة في الأسواق. كما قللت هذه التصريحات من جاذبية الذهب كملاذ آمن، لكنها في الوقت ذاته أشارت إلى احتمالية استمرار ضغوط التضخم، وهو عامل يدعم أسعار الذهب على المدى الطويل.
ومن وجهة نظري تبقى التوترات العالمية تسهم بدورها في تراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين. خاصة تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على دول مجموعة “بريكس” الذي زاد من حدة القلق، حيث يبدو أن الدولار الأمريكي قد استفاد جزئيًا من دوره كملاذ آمن، بينما أثرت هذه المخاوف على أسعار الذهب بشكل سلبي. ومن ناحية أخرى، المخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الصيني تبقى عاملًا مؤثرًا رئيسيًا، مما يضعف الثقة في الأسواق المالية العالمية ويدفع المستثمرين إلى الحذر في تداولاتهم.
وبالنسبة لي، تشير المؤشرات الحالية إلى مزيد من الضعف في أسعار الذهب. كونه يتداول أدنى من المتوسط المتحرك البسيط لـ 21 يومًا عند مستوى 2,641 دولارًا، وهذا يعكس هذا ضغطًا هبوطيًا على السعر. كما أن مؤشر القوة النسبية اليومي (RSI) يظهر ميلًا نحو الاتجاه الهبوطي، مما يشير إلى احتمالية استمرار التراجع على المدى القصير. ومع ذلك، فإن هذا الوضع يمكن أن يتغير بسرعة إذا جاءت بيانات الوظائف الأمريكية مخيبة للآمال أو إذا زادت التوترات الجيوسياسية، مما قد يعيد الذهب إلى الارتفاع كأصل آمن.
ومع اقتراب بيانات الوظائف غير الزراعية (NFP) يوم الجمعة، تبدو لي الأسواق في حالة تأهب. فالتوقعات بتخفيض إضافي في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي تغذي حالة من التردد بين المستثمرين. ومع ارتفاع التوقعات بخفض بمقدار 25 نقطة أساس بنسبة 75%، يتضح أن توجهات بنك الاحتياطي الفيدرالي المتساهلة قد تكون في صالح الذهب على المدى القريب. إلا أن التحدي يكمن في موازنة هذه التوقعات مع أي إشارات قد تحملها بيانات التوظيف حول قوة سوق العمل الأمريكي.
وأعتقد أيضاً أن التوترات الجيوسياسية المستمرة، لا سيما بين روسيا وأوكرانيا وفي الشرق الاوسط، تضيف بُعدًا آخر لحالة عدم اليقين. فهذه الصراعات، إذا تصاعدت، قد تدفع المستثمرين إلى تعزيز مراكزهم في الذهب كملاذ آمن، وهو ما قد يعكس الاتجاه الحالي نحو الارتفاع. وبرأيي في ظل هذا المشهد، يبقى الذهب مستعدًا للاستفادة من أي تصعيد جيوسياسي أو ضعف في الدولار الأمريكي.
وبوجه عام، يظهر سوق الذهب مزيجًا من العوامل المؤثرة التي تجعل تحديد اتجاه واضح أمرًا معقدًا. فبينما يدفع الترقب لبيانات التوظيف الأمريكية والمخاوف بشأن السياسة النقدية المستثمرين إلى الحذر، تبقى التوترات الجيوسياسية والقلق بشأن الاقتصاد العالمي عوامل تدعم احتمالية تحول الذهب إلى صعود جديد في المستقبل القريب. وفي ظل هذه الظروف، أعتقد أنه يجب على المستثمرين مراقبة البيانات الرئيسية بعناية، حيث يمكن أن تغير نتائجها اتجاهات حركة السوق بشكل كبير وتعيد تشكيل توقعات الأسعار.