كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) تراجعًا ملحوظًا اليوم الخميس ليتداول بالقرب من 106.20 نقطة، وهو انعكاس طفيف بعد الارتفاعات القوية التي سجلها أمام العديد من عملات مجموعة العشرين هذا الأسبوع. ومن وجهة نظري يعكس هذا التراجع عمليات جني الأرباح من قبل المستثمرين الذين رأوا في المستويات المرتفعة فرصة لتأمين المكاسب، وسط إشارات متباينة من البيانات الاقتصادية الأمريكية وتصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أمس.
وبرأيي يمكن اعتبار الانخفاض في مؤشر الدولار نتيجة مباشرة للبيانات السلبية التي صدرت مؤخرًا، لا سيما مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات من معهد إدارة التوريدات(ISM) حيث تراجع المؤشر إلى 52.1 نقطة في نوفمبر، مما يشير إلى تباطؤ واضح في نمو قطاع الخدمات بالولايات المتحدة. وجاءت هذه القراءة أقل من التوقعات البالغة 55.5، ما أضاف ضغطًا هبوطيًا على الدولار، إذ يعكس هذا الضعف الاقتصادي تزايد المخاوف بشأن قدرة الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على زخم نموه القوي.
أما تصريحات جيروم باول لم تضف أي وضوح جديد بشأن توجهات السياسة النقدية. فعلى الرغم من تأكيده على قوة الاقتصاد الأمريكي وانخفاض معدلات البطالة، إلا أن تأكيده بأن قرارات الفيدرالي ستظل تعتمد على البيانات، أبقى الأسواق في حالة ترقب وحذر. ويبدو لي أن الأسواق تبحث عن إشارات أكثر حسمًا حول مستقبل أسعار الفائدة، لا سيما في ظل التوقعات المتزايدة بخفضها في ديسمبر. وهذا التردد من قبل باول دفع المتداولين للتعامل بحذر مع الدولار، مما أسهم في الضغط عليه.
ومن ناحية أخرى، جاءت أرقام التوظيف التي أصدرتها ADP دون التوقعات، حيث سجلت 146 ألف وظيفة جديدة فقط في نوفمبر مقارنة بـ150 ألفًا متوقعة و233 ألفًا في أكتوبر. وبرأيي تعكس هذه البيانات تباطؤًا في سوق العمل، ما يزيد من التحديات أمام الاحتياطي الفيدرالي في تحقيق توازن بين السيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار سوق العمل. كما أن ضعف البيانات الاقتصادية، بما في ذلك قراءة مؤشر الخدمات من ستاندرد آند بورز، عزز الشعور بأن الاقتصاد الأمريكي يواجه تحديات متزايدة.
أيضاً تزامنت بيانات مديري المشتريات الضعيفة مع استجابات من السوق تشير إلى قلق بشأن تباطؤ زخم النمو العالمي. ويأتي ذلك في وقت تستمر فيه البنوك المركزية حول العالم في التعامل مع ارتفاعات أسعار الفائدة السابقة، ما يجعل المستثمرين أكثر حذرًا بشأن الاستثمار في أصول مرتفعة المخاطر، بما في ذلك الدولار.
وبناء عليه، يمكن النظر إلى انخفاض مؤشر الدولار كفرصة لإعادة تقييم الأصول من قبل المستثمرين. واستقرار أسعار الفائدة الأمريكية الحالية، مع زيادة احتمالات خفضها، قد يدفع بالدولار إلى المزيد من التراجع. ومع ذلك، يعتمد هذا السيناريو بشكل كبير على البيانات المقبلة، خاصة تقرير الوظائف المرتقب يوم غد الجمعة. فإذا جاءت البيانات ضعيفة كما هو الحال مع مؤشرات الخدمات، فقد نشهد انخفاضًا إضافيًا في الدولار مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة.
وهذه البيانات السلبية أثرت أيضًا على العوائد على سندات الخزانة الأمريكية، حيث ارتفع العائد على السندات لأجل 10 سنوات بشكل طفيف إلى 4.23%، لكنه يبقى قريبًا من أدنى مستوياته الأخيرة. ويشير ذلك إلى توقع المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي سيعتمد نهجًا أكثر حذرًا في المستقبل القريب.
وبناءً على هذه المعطيات، يمكنني القول إن النظرة المستقبلية لمؤشر الدولار تبقى مرتبطة بشكل وثيق بمسار البيانات الاقتصادية. فإذا استمر ضعف البيانات، فقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى التخفيف من سياسته النقدية المتشددة، مما سيضعف الدولار أكثر. ومع ذلك، فإن أي إشارات إيجابية أو تحسن غير متوقع في البيانات قد يعيد بعض الزخم للدولار، خاصة إذا تعززت التوقعات بأن الفيدرالي لن يكون بحاجة إلى تخفيف سياسته.
وفي النهاية، يبدو لي أن الأسواق تعكس حالة من الترقب والحيطة، في انتظار وضوح أكبر من مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبيانات الاقتصادية. وتراجع الدولار لا يعكس فقط عمليات جني الأرباح، بل يعكس أيضًا شكوكًا متزايدة بشأن قدرة الاقتصاد الأمريكي على الحفاظ على أدائه القوي في ظل هذه التحديات.