كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهد زوج اليورو/الدولار الأمريكي ارتفاعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الجمعة، ليصل إلى ما يقرب من 1.0500، مدفوعًا بتخلي الدولار الأمريكي عن مكاسبه اليومية. وبرأيي يأتي هذا التحرك في ظل انخفاض مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، بعد تعرضه لضغوط بيع فوق مستوى 107.00. واللافت للنظر أن الدولار الأمريكي فقد زخمه رغم التوقعات التي تشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في تقديم إشارات متشددة حول أسعار الفائدة، خاصة بعد خفض متوقع بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع الأخير.
هذا التحول في مسار الدولار يعكس التباين بين توقعات السوق وتوجهات بنك الاحتياطي الفيدرالي. حيث يتوقع المتداولون خفضًا آخر في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع تثبيتها عند مستويات 4.25%-4.50% في اجتماع يناير المقبل.
ورغم ذلك، هناك من يرى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى إعادة النظر في نهجه في ظل تباطؤ الانكماش الاقتصادي واستمرار قوة سوق العمل الأمريكية. فمثلاً أشارت تقارير إلى أن معدل البطالة ما زال أقل من توقعات الاحتياطي الفيدرالي، مما يعكس استمرار النشاط الاقتصادي. إضافة إلى ذلك، تسارع مؤشر أسعار المنتجين في الولايات المتحدة لشهر نوفمبر بوتيرة تجاوزت التوقعات، مما يدعم فكرة أن الضغوط التضخمية لم تنحسر بالكامل.
ومن ناحية أخرى، تبدو السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي أكثر ميلاً إلى التيسير، وهو ما يضغط على اليورو. فتصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي، مثل فرانسوا فيليروي دي جالهاو ومارتينس كازاكس، أكدت الحاجة إلى تخفيض إضافي في أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد المتباطئ. كما شددت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، على أن تدهور آفاق النمو في منطقة اليورو يتطلب تخفيفًا إضافيًا للسياسات النقدية. وهذا التوجه برأيي يعكس قلق المسؤولين الأوروبيين من تأثير تباطؤ الصادرات وضعف الاستثمار التجاري على النشاط الاقتصادي.
ويبدو لي أن البنك المركزي الأوروبي يواجه تحديات متعددة، حيث تشير التوقعات الجديدة إلى أن اقتصاد منطقة اليورو سينمو بنسبة أقل من المتوقع سابقًا خلال العامين المقبلين. وفي هذا السياق، أبدت لاجارد تفاؤلاً حذرًا بشأن عودة التضخم إلى المستهدف البالغ 2% بحلول عام 2025، لكنها لم تخفِ قلقها من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة على التضخم في الأمد القريب. وهذا التوجه المتشائم بشأن آفاق النمو في منطقة اليورو يجعل من الصعب على اليورو تحقيق مكاسب مستدامة أمام الدولار الأمريكي.
غير أن، البيانات الاقتصادية الأخيرة تعكس استقرارًا نسبيًا في الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو خلال شهر أكتوبر، بعد انكماش حاد في سبتمبر. ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار لا يخفي التباطؤ المستمر في النشاط الصناعي، حيث انخفض الإنتاج الصناعي على أساس سنوي بنسبة 1.2%، وهو انخفاض أقل حدة من التوقعات ولكنه لا يزال يثير القلق بشأن ديناميكية التعافي الاقتصادي.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو لي أن الأسواق تتأرجح بين سياسات نقدية متباينة في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. وفي الولايات المتحدة، يبقى الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط لتحقيق توازن بين السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي، وهو ما قد يدفعه إلى اعتماد سياسات أكثر تشددًا في المستقبل القريب. أما في منطقة اليورو، فإن البنك المركزي الأوروبي يبدو ملتزمًا بخفض الفائدة لدعم الاقتصاد المتعثر، مما يضعف موقف اليورو مقابل الدولار.
ومن وجهة نظري أرى أن الوضع الحالي لزوج اليورو/الدولار يعكس حالة من الحذر في الأسواق، حيث تتفاعل مع إشارات متباينة من البنوك المركزية. في حين أن الدولار الأمريكي قد يواجه ضغوط بيع إضافية إذا ما خفف الاحتياطي الفيدرالي من وتيرة رفع الفائدة، فإن اليورو يظل تحت رحمة السياسات التيسيرية للبنك المركزي الأوروبي. وبالتالي، أتوقع أن يبقى الزوج ضمن نطاقات تداول ضيقة حتى تتضح الرؤية بشأن توجهات السياسة النقدية في كلا الجانبين.
وفي الختام، يبقى زوج اليورو/الدولار في وضع حساس بين قوتين متعارضتين. وعلى المدى القصير، قد تكون حركة السعر مرتبطة أكثر بالتطورات الاقتصادية والتصريحات من مسؤولي البنوك المركزية، لكن على المدى الطويل، ستبقى حركات النمو والتضخم العامل الأساسي الذي يحدد الاتجاه. مما يبين ضرورة مراقبة أي إشارات جديدة من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي لفهم المسار المستقبلي لهذا الزوج في أسواق العملات.