تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
١٧ ديسمبر ٢٠٢٤
يتداول النفط الخام(WTI) اليوم الثلاثاء عند مستوى مستقر بالقرب من 70.74 دولار. وبرأيي هذا الثبات في الأسعار يأتي في وقت حساس، حيث يترقب المتداولون القرار الأخير لهذا العام من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة، والذي سيؤثر بشكل كبير على الأسواق العالمية، بما في ذلك أسواق النفط. خاصة وأن هناك مجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي تؤثر على سعر النفط، مما يجعل هذه الفترة محورية بالنسبة للمستقبل القريب للسوق .
ومن وجهة نظري، أهم العوامل التي قد تساهم في تقليص المكاسب المحتملة للنفط الخام هي المخاوف المتعلقة بنمو الطلب العالمي على النفط، وخاصة في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم. فقد أظهرت البيانات الأخيرة أن مبيعات التجزئة في الصين في نوفمبر قد جاءت أبطأ من المتوقع، مما أثار قلق المستثمرين بشأن تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي في الصين. إذ ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 3% على أساس سنوي فقط، وهو ما يقل عن التوقعات السابقة التي كانت 4.6%. وهذه البيانات تأتي في وقت حساس بالنسبة للأسواق، إذ تدفع المتداولين إلى التساؤل حول القدرة المستقبلية للصين على رفع الطلب على النفط الخام.
كما قد يلعب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي دوراً مهماً في تحديد اتجاه سعر النفط في المستقبل القريب. فمن المتوقع أن يعلن البنك عن خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو ما يمكن أن يعزز قوة الدولار الأمريكي. وبالنظر إلى أن النفط مقوم بالدولار الأمريكي، فإن أي تحركات قوية للعملة الأمريكية قد تؤدي إلى تقليص جاذبية النفط كاستثمار، مما يضع مزيداً من الضغوط على أسعاره. ومن هنا، يبدو لي أن المتداولين قد يتجهون إلى الحذر في ظل انتظار القرار، ما قد يؤدي إلى تجنب المخاطر والابتعاد عن فتح مراكز شراء جديدة في النفط، مما يزيد من احتمالية استمرار الأسعار في الاستقرار أو الهبوط.
ولا يمكنني تجاهل العوامل الجيوسياسية التي قد تكون لها تأثيرات موازية، بل وربما أكبر في بعض الأحيان. فالعقوبات المفروضة على منتجي النفط مثل روسيا وإيران قد تساعد في دعم أسعار النفط، من خلال الحد من إمدادات الخام في الأسواق العالمية. خاصة مع التصريحات التي صدرت مؤخراً عن وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بشأن فرض مزيد من العقوبات على البنوك الصينية وناقلات النفط التي تساعد في تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا. وهذه المخاطر الجيوسياسية قد تكون العامل الذي يمنع النفط الخام من الهبوط إلى مستويات أدنى، حيث أن أي تقييد في الإمدادات يمكن أن يحفز الارتفاع المؤقت للأسعار، خاصة في ظل مخاوف السوق من نقص الإمدادات العالمية.
ويأتي هذا في الوقت الذي تظهر فيه سياسة أوبك+ كعنصر حاسم في دعم السوق. فقد عملت منظمة أوبك+ على تأجيل زيادة الإنتاج الطوعي من قبل الأعضاء الرئيسيين إلى ربع آخر، وهو ما يعكس مساعي المنظمة للحفاظ على استقرار الأسعار. وهذه الخطوة، رغم أنها قد تبدو كإجراء مؤقت، تحمل في طياتها رسالة واضحة من أوبك+ مفادها أن استقرار أسعار النفط هو أولويتها الرئيسية في هذه المرحلة. وقد يكون من الصعب على أوبك+ الحفاظ على وحدة الكارتل على المدى الطويل، ولكن في الوقت الراهن، يعد هذا التأجيل بمثابة إجراء دفاعي ضد تقلبات السوق.
أما بالنسبة للإنتاج الأمريكي، فإنه يظهر بشكل واضح كعامل رئيسي في تشكيل ملامح سوق النفط العالمية. فقد بلغ الإنتاج الأمريكي مستوى قياسي بلغ 13.63 مليون برميل يومياً، مما يعكس قدرة الولايات المتحدة على تلبية الطلب الداخلي والعالمي.
ورغم أن عدد منصات النفط العاملة في الولايات المتحدة يبلغ 482 منصة فقط، وهو أقل بكثير من ذروات الدورات السابقة، فإن الإنتاج لا يزال في مستويات مرتفعة، مما يضع مزيداً من الضغوط على أوبك+ والمنتجين الآخرين للحفاظ على أسعار مستقرة. ولا شك أن استعادة حصص السوق الأمريكية قد تكون أكثر تعقيداً من استعادتها في أسواق أخرى مثل أمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا، مما يعني أن أمريكا قد تكون في وضع تنافسي مع باقي دول الأوبك، مما يضيف المزيد من التحديات للعلاقات بين المنتجين.
وعندما ننظر إلى التحركات الأخيرة في الأسعار، يتبين لي أن النفط الخام قد اختبر في عدة مرات مستوى 70 دولاراً على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، دون أن يتمكن من اختراقه بشكل مستدام. وهذا يعكس اتجاهاً هبوطياً لا يزال قائماً، حيث لم يتمكن السوق من العودة فوق مستويات المتوسطات المتحركة طويلة الأجل مثل 50 و200 أسبوع. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الاتجاه الهبوطي مستمر، حيث إن الأسواق تتأثر بالعديد من العوامل المتغيرة، وقد تشهد الأسعار انعكاساً صعودياً إذا ما تم تجاوز ت العقبات الحالية.
في الختام، أرى أن أسواق النفط تتعامل مع مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي تساهم في تشكيل المسار المستقبلي لأسعار النفط الخام. ومع ترقب قرار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، فإن المدى القصير قد يشهد تذبذباً في الأسعار بسبب هذه العوامل. وعلى الرغم من وجود بعض المخاطر الهبوطية، فإن العوامل الجيوسياسية مثل العقوبات على روسيا وإيران، فضلاً عن الدعم الذي توفره أوبك+، قد تحد من هبوط الأسعار بشكل حاد. وفي النهاية، قد يكون النفط في انتظار استقرار أكبر خلال العام المقبل، خاصة إذا ما تمكنت الأسواق من تخطي هذه التحديات.
التحليل الفني لـ النفط الخام (USOIL – WTI ):
تواجه أسعار النفط الخام تحديات كبيرة بعد توقف الارتفاع الذي حققته مؤخراً والذي تجاوز 5%، حيث شهدت الأسعار تراجعاً بعد الكشف عن بيانات التجزئة الصينية التي أظهرت نمواً أبطأ من المتوقع. هذه البيانات أثارت القلق بشأن مستقبل الطلب على النفط في العام المقبل، خاصة في ظل الدور الكبير الذي تلعبه الصين في تعزيز استهلاك النفط العالمي. وإذا استمر تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، فإن توقعات عام 2025 قد تشهد مزيداً من التراجع في الطلب، خاصة في حال فرض الرئيس المنتخب دونالد ترامب مزيداً من التعريفات الجمركية التي قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الصيني وبالتالي على استهلاك النفط.
الرسم البياني لأسعار النفط الخام – USOIL – WTI– MT4– XS.com
ومن الناحية الفنية، يظهر أن الأسعار تواجه مقاومة قوية عند مستوى 71.46 دولار ، وهو يمثل أيضاً نقطة التقاء مع المتوسط المتحرك البسيط لمدة 100 يوم(SMA) عند 71.08 دولار. مما يضيف بعض ضغوط البيع مع استقرار الأسعار بالقرب من هذه المستويات، مما يشير إلى أن السعر قد يجد صعوبة في اختراقها في الوقت الحالي. وفي حال تمكّن النفط من تجاوز هذا المستوى، فإن السعر قد يرتفع نحو المستوى المحوري التالي عند 75.27 دولار، وهو هدف محتمل لاستمرار الزخم الصاعد.
وعلى الجانب السلبي، يعتبر المستوى 70.11 دولاراً، الذي يتزامن مع المتوسط المتحرك البسيط لمدة 55 يوم، هو أول اختبار رئيسي للأسعار في حال حدوث تراجع. كما لا يزال من المبكر معرفة ما إذا كان هذا المستوى سيصمد أم لا، إذ إن اختراقه قد يدفع السعر نحو مستويات دعم أدنى. وفي حال هبطت الأسعار إلى ما دون هذا المستوى، فإن المستوى 67.12 دولار، الذي شكل دعماً قوياً في مايو ويونيو من العام الماضي، سيكون الدعم التالي الذي قد يوفر بعض الاستقرار للأسعار.
وإذا استمر الاتجاه الهبوطي وتراجع النفط إلى ما دون مستوى الدعم الرئيسي عند 67.12 دولار، فإن مستوى 64.75 دولاراً، الذي يمثل أدنى مستوى للأسعار منذ بداية العام 2024، سيكون الهدف التالي. وفي حالة حدوث انخفاض آخر، فإن 64.38 دولاراً، الذي يمثل أدنى مستوى في عام 2023، سيكون نقطة الدعم التالية التي يجب الانتباه لها كمنطقة طلب قوية.
مستويات الدعم: 69.96 – 69.76 – 69.30
مستويات المقاومة: 70.60 – 70.95 – 71.20