كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهد سعر الذهب (XAU/USD) تقلبات ملحوظة مؤخراً، حيث سجل انتعاشًا طفيفًا اليوم الخميس بعد اختراقه لخط العنق لنموذج القمة المزدوجة عند مستوى 2613 دولار، ليعود بذلك إلى مستويات 2600 دولار التي نجح في اختراقها يوم أمس، عقب التصريحات المتشددة من قبل الفيدرالي الأمريكي. وهذا الارتفاع الطفيف في أسعار الذهب يعكس تحولات معنويات المستثمرين نحو الملاذات الآمنة في ظل استمرار المخاطر الجيوسياسية والمخاوف المتعلقة بالحروب التجارية. ومن وجهة نظري، يشير هذا الانتعاش إلى أن الذهب لا يزال يحظى باهتمام كبير من المستثمرين الذين يعتبرونه مخزنًا للقيمة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه، يتأثر بشكل واضح بالسياسات النقدية الأمريكية القوية، مما يضعف قوته على المدى القصير.
وقد أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي في التصريحات الأخيرة إلى أن مخاطر التضخم ما زالت مرتفعة، كما أن التوقعات الاقتصادية تشير إلى خفض محدود في أسعار الفائدة في المستقبل القريب. وهذه السياسة النقدية المتشددة دفعت العوائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ مايو الماضي، مما يزيد من قوة الدولار ويضغط على الذهب، الذي يعتبر أصلًا غير مدر للعائد. وفي رأيي، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى استمرار الضغوط على الذهب في المدى القريب، خاصة في ظل تصاعد العوائد على السندات، التي تعد عاملًا حاسمًا في تحديد جاذبية الذهب كمخزن للقيمة. كما أن قوة الدولار الأمريكي تدعم الطلب على الأصول ذات العوائد، مما يضعف جاذبية الذهب في الوقت الذي تسعى فيه الأسواق للحصول على عوائد أفضل.
وفيما يتعلق بالبيانات الاقتصادية الأمريكية، تتجه الأنظار نحو القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث، بالإضافة إلى بيانات طلبات البطالة التي ستصدر اليوم. ومن المتوقع أن تساهم هذه البيانات في تحديد زخم الاقتصاد الأمريكي وتأثيره على الدولار الأمريكي والذهب. إلا أن الأهم بالنسبة للأسواق سيكون مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، الذي يعتبر المقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم. فإذا أظهرت البيانات تباطؤًا في التضخم، فإنني أعتقد أنه سيكون له تأثير إيجابي على الذهب، حيث سيقلل من حدة الضغوط على الدولار ويمنح الذهب فرصة لتحقيق مكاسب متواضعة، على الرغم من أن التوقعات الإجمالية لا تشير إلى تحول جذري في سياسة الفيدرالي في الوقت الحالي.
ومن جانب آخر، أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى أن البنك المركزي قد يتبنى نهجًا أكثر حذرًا في ما يتعلق بتعديلات السياسة المستقبلية، مشيرًا إلى أن التدابير الحالية أقل تقييدًا. كما أكد أن مخاطر التضخم لا تزال تميل إلى الارتفاع، وهو ما يفسر جزئيًا التغييرات في حركة الاسواق. فهذه التصريحات تشير إلى استمرار التشديد في السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة. لذا أرى أن هذا قد يكون عاملًا سلبيًا للذهب على المدى القريب، حيث يبقى سعر الفائدة المرتفع يشكل ضغطًا على الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب. وفي النهاية، إذا استمر الفيدرالي في اتخاذ مواقف متشددة، فمن المرجح أن تستمر الضغوط على أسعار الذهب في مواجهة تحركات الدولار.
وفي ظل هذه التصريحات، تراجع سعر الذهب بشكل حاد أمس، حيث اعتبر المتداولون قرار الفيدرالي بتخفيض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بمثابة موقف متشدد. فعلى الرغم من أن الخفض قد يكون محدودًا، إلا أن التوقعات تشير إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في تنفيذ سياسة متشددة نسبيًا خلال العامين المقبلين، مع توقعات بتخفيضين فقط في أسعار الفائدة في عام 2025، وهو ما يعزز من قوة الدولار ويضع ضغطًا إضافيًا على الذهب. ومن وجهة نظري، يبدو أن الأسواق قد تقدمت بالفعل في تسعير التوقعات المستقبلية للفيدرالي، مما يجعل الذهب عرضة لمزيد من التذبذب على المدى القصير حتى يظهر أي تحول كبير في سياسة الفيدرالي.
وقد كانت الأسواق تتوقع أن يشهد عام 2025 مزيدًا من التيسير النقدي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلا أن خفض الفائدة بنحو 100 نقطة أساس في العامين المقبلين ليس بالأمر الكبير الذي سيؤثر بشكل كبير على الأسواق في الوقت القريب.
كما تشير التوقعات إلى أن التضخم سيبقى تحت السيطرة في السنوات القادمة، مع تقديرات بأن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي سيصل إلى 2.5% في عام 2025، وهو ما يعكس تراجعًا تدريجيًا في التضخم لكن لا يزال يتطلب معالجة دقيقة. لذا أعتقد أن الذهب سيستمر في التأثر بالتوقعات المتعلقة بالتضخم وسياسات الفيدرالي، ومع تباطؤ التضخم قد يجد الذهب بعض الدعم من المستثمرين الذين يبحثون عن استثمارات أكثر أمانًا.
وفي النهاية، يبقى الذهب في حالة ترقب شديدة لما سيحدث في الأشهر المقبلة، حيث يعتمد سعره بشكل كبير على التوازن بين تأثيرات السياسات النقدية الفيدرالية، والتوقعات الاقتصادية، والبيانات المرتبطة بالتضخم والنمو. وفي الوقت الذي يواصل فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي تأكيد سياسة تشديد الفائدة، تبقى الأسواق مترقبة لأي إشارات محتملة على تباطؤ التضخم، وهو ما قد يدعم أسعار الذهب بشكل متواضع. لكنني أعتقد أن في ظل استمرار قوة الدولار وارتفاع العوائد على السندات الأمريكية، سيبقى الذهب عرضة لتحديات كبيرة في المدى القصير