كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
يحافظ زوج اليورو/الدولار الأمريكي على الدعم الرئيسي عند مستوى 1.0340اليوم الجمعة، وهو ما يعكس نوعًا من الاستقرار المؤقت وسط التحديات المتعددة التي تواجه العملة الأوروبية. وبرأيي رغم أن هذا الدعم يعزز ثقة المستثمرين إلى حد ما، إلا أن الصورة العامة للزوج تبدو متأثرة بالتوجهات المتشددة لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فالسياسة النقدية الأمريكية، المدفوعة بتوقعات استمرار التشدد بسبب النمو الاقتصادي القوي، تفرض ضغوطًا طويلة الأمد على الزوج، مما يجعل أي انتعاش في اليورو محدودًا في المدى القريب.
ويتطلع المستثمرون الآن إلى بيانات التضخم في نفقات الاستهلاك الشخصي الأمريكية للحصول على إرشادات جديدة بشأن مسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. مع توقع تسارع التضخم الأساسي السنوي إلى 2.9% في نوفمبر، وتشير التوقعات إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيواصل التعامل بحذر مع تخفيضات أسعار الفائدة المستقبلية. وهذا الحذر من وجهة نظري يعكس قوة الاقتصاد الأمريكي، كما أوضح رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حيث تمنح المؤشرات الاقتصادية الإيجابية البنك المركزي مساحة للتكيف مع متطلبات السوق دون المخاطرة بالاستقرار الاقتصادي. وبالتالي، فإن أي بيانات إيجابية إضافية قد تعزز من قوة الدولار، مما يزيد من الضغوط على زوج اليورو/الدولار الأمريكي.
وأرى أن الدولار الأمريكي يظهر قوة ملحوظة على نطاق واسع، مدعومًا بعدة عوامل أبرزها الأداء الاقتصادي القوي والتوقعات بسياسة نقدية متشددة. فمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) الذي يعكس أداء العملة الأمريكية مقابل مجموعة من العملات الرئيسية، استقر بالقرب من أعلى مستوياته في عامين. ورغم بعض التراجع الطفيف مؤخراً، إلا أن الدولار يحتفظ بجاذبيته كعملة ملاذ آمن، مما يقلل من احتمالات تحقيق اليورو لأي مكاسب مستدامة. وعلى الرغم من أن البيانات الاقتصادية في منطقة اليورو قد تقدم بعض الدعم لليورو، إلا أنها تبدو غير كافية لمواجهة زخم الدولار المستمر.
ومن جانب آخر، تظهر السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي توجهًا مغايرًا إلى حد ما مقارنة بالاحتياطي الفيدرالي. فتصريحات محافظ البنك المركزي الأوروبي كريستودولوس باتساليديس أكدت رفضه خفض أسعار الفائدة بشكل أكبر، مشددًا على ضرورة التدرج في التيسير النقدي. وهذا الموقف يعكس قلقًا متزايدًا بشأن استمرار ضغوط التضخم في منطقة اليورو، وهو ما يحد من مرونة البنك المركزي الأوروبي في اتخاذ خطوات أكثر جرأة لدعم النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن هذا النهج التدريجي قد يحد من جاذبية اليورو أمام الدولار، الذي يستفيد من رؤية أوضح للسياسة النقدية الأمريكية.
وفيما يخص البيانات الاقتصادية الأوروبية، أعتقد أنه قد تكون إصلاحات السياسات الضريبية في ألمانيا عاملًا داعمًا لليورو على المدى القريب. فمن المتوقع أن يؤدي تخفيض الضرائب السنوية بحوالي 14 مليار يورو إلى تعزيز القوة الشرائية للأسر الألمانية، مما يدعم الطلب المحلي ويحفز النمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الإجراءات يبدو محدودًا إذا ما قورن بالتحديات الأوسع نطاقًا التي تواجه منطقة اليورو، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي العام واستمرار حالة عدم اليقين بشأن التضخم.
وفي التداولات الأخيرة لزوج اليورو/الدولار الأمريكي التي أظهرت تعافيًا طفيفًا، إلا أنها بقيت حذرة بالقرب من أدنى مستوياته السنوية عند 1.0350. وهذا السلوكبرأيي يعكس حالة من التردد بين المستثمرين الذين يراقبون عن كثب التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية. وفي ظل التوقعات بمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي، والتي قد تمتد إلى عام 2025، يبدو أن الزخم الهبوطي لليورو قد يستمر ما لم تظهر إشارات قوية على تعافي اقتصادي في المنطقة.
أما في الولايات المتحدة، فإن البيانات الاقتصادية الأخيرة، مثل مراجعة نمو الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث إلى 3.1%، تضيف المزيد من الزخم للدولار. وهذا النمو من وجهة نظري يعزز من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تنفيذ سياساته النقدية المتشددة دون التأثير السلبي على الاقتصاد المحلي، مما يزيد من جاذبية الدولار كخيار استثماري. ومن المرجح أن تكون بيانات مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر نوفمبر حاسمة في تحديد اتجاه الدولار في المدى القريب. فإذا جاءت الأرقام متماشية مع التوقعات أو تجاوزتها، فقد نشهد استمرارًا في تعزيز الدولار الأمريكي على حساب العملات الأخرى.
وبناءً على ما سبق أرى، أن زوج اليورو/الدولار الأمريكي يواجه تحديات كبيرة للحفاظ على أي مكاسب مستدامة. فمن جهة، يعاني اليورو من ضعف نسبي في مواجهة الدولار القوي، مدعومًا بعوامل اقتصادية وسياسية تعزز جاذبية العملة الأمريكية. ومن جهة أخرى، تفتقر منطقة اليورو إلى الزخم الاقتصادي اللازم لدعم العملة الأوروبية بشكل فعال، خاصة في ظل التوجهات الحذرة للبنك المركزي الأوروبي.
وفي النهاية، يبدو لي أن الاتجاه العام لزوج اليورو/الدولار الأمريكي سيبقىعرضة للضغوط الهبوطية على المدى القريب، مع بقاء الدولار في موقع قوة. ومع ذلك، فإن أي تغييرات مفاجئة في السياسة النقدية أو البيانات الاقتصادية على أي من الجانبين قد تؤدي إلى تقلبات كبيرة في السوق. لذلك، فإن الحذر والترقب يبقيان السمتين الرئيسيتين للتعامل مع هذا الزوج في المستقبل القريب.