الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
تحليل الأسواق عن احمد عسيري استراتيجي الابحاث في Pepperstone
٢٨ يناير ٢٠٢٥
عاصفة الاختبارات الواقعية لشركات التكنولوجيا والاستثنائية الأمريكية تخلف أكبر خسارة سوقية في التاريخ لشركة منفردة بـ 489 مليار دولار، وتعطي نداء تنبيه لتركيز المخاطر وإرتفاع التقييمات.
خسائر قياسية لنيفيديا وظهور المنافس الصينيDeepSeek كمغير لقواعد اللعبة
شهدت شركة نيفيديا خلال جلسة التداول الأخيرة خسارة قياسية بلغت 17% من قيمتها السوقية، ما أدى إلى محو نحو 489مليار دولار من رأسمالها السوقي، مسجلة بذلك أكبر خسارة لشركة منفردة في تاريخ الأسواق المالية. هذا الحدث لم يكن مجرد حادثة معزولة، بل تسبب في هز أركان شركات التكنولوجيا المرتبطة بصناعة الرقائق الإلكترونية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. السبب؟ دخول مفاجئ للمنافس الصيني الجديد “DeepSeek”، الذي أثبت أنه قادر على تقديم نموذج ذكاء اصطناعي بتكلفة تقل بـ3000 مرة مقارنةً بمنتجات شركةOpenAI الأمريكية الرائدة.
DeepSeek التقنية التي تقلب الطاولة
شركة”DeepSeek”، وهي شركة ناشئة صينية، قدمت نموذجاً ثورياً يعتمد على تقنية الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، مما يجعلها قادرة على تقديم حلول أكثر كفاءة وبتكاليف غير مسبوقة. على عكس النماذج التقليدية التي تعتمد على بنية موحدة لمعالجة كافة المهام، يعتمد نموذج”DeepSeek” على تجزئة المهام إلى وحدات صغيرة تتخصص في وظائف محددة، مما يعزز الأداء العام للنظام ويخفض التكاليف بشكل هائل.وفقاً للتقارير، بلغت تكلفة تطوير نموذج الذكاء الاصطناعي لشركة “DeepSeek” 6 ملايين دولار فقط، مقارنةً بـ18 مليار دولار استثمرتهاOpenAI لتطوير منتجها الشهير”ChatGPT”. هذه الفجوة الهائلة في التكلفة تُلقي الضوء على قدرة الشركات الناشئة على تحدي الهيمنة الأمريكية في هذا القطاع. المثير للإعجاب أن”DeepSeek” تمكن من استخدام رقائق إلكترونية عادية متاحة تجارياً، في وقت تواجه فيه الصين قيوداً صارمة على استيراد الرقائق المتطورة من الولايات المتحدة.
نجاح سريع ومثير للجدل
في غضون أيام قليلة فقط، أصبح تطبيق الذكاء الاصطناعي الخاص بـ”DeepSeek” الأكثر تحميلاً على أجهزة الآيفون في الصين، حيث جرى اختباره بشكل مكثف من قِبل المستخدمين والمتخصصين. هذا الانتشار السريع أثار اهتماماً واسعاً حول العالم، ودفع الصحفيين والمحللين الماليين إلى إعادة تقييم مستقبل قطاع الذكاء الاصطناعي وتداعياته على الشركات الكبرى.ومع ذلك، لا تزال هناك أسئلة جوهرية حول مدى دقة الأرقام المعلنة، حيث إن تكلفة 6 ملايين دولار تبدو منخفضة بشكل غير معقول مقارنة بتكلفة تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المنافسة. هل يمكن أن تكون التكلفة الفعلية أعلى من ذلك؟ أم أن”DeepSeek” حققت فعلاً اختراقاً تقنياً غير مسبوق؟
انعكاسات على أسواق التكنولوجيا الأمريكية
تأثير هذه الأخبار كان سريعاً ومباشراً على سوق الأسهم الأمريكية. انخفض مؤشر NASDAQ 100بنسبة 2.97% ومؤشر S&P 500بنسبة 1.46% ، حيث بدأت الأسواق بإعادة تقييم توقعاتها للنمو في قطاع التكنولوجيا. الشركات التي اعتمدت على تقييمات مرتفعة مدفوعة بالطلب على الذكاء الاصطناعي تواجه الآن تحدياً جديداً يتمثل في احتمال انخفاض هوامش أرباحها مع دخول منافسين أكثر كفاءة إلى السوق.في الوقت نفسه، قد يؤدي ظهور”DeepSeek” إلى تغيير ديناميكيات السوق بالكامل. إذا تمكنت الشركات الناشئة من تقديم تقنيات ذات جودة عالية بأسعار أقل، فقد تجد الشركات الكبرى نفسها مضطرة إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الاستثمارية والتركيز على تحسين كفاءتها التشغيلية بدلاً من الاعتماد على ضخ الأموال الكبيرة في مشاريع ضخمة.
انعكاسات على الدولار والفائدة الأمريكية
هذه التطورات أعادت إلى الواجهة النظر في معدل سعر الفائدة الحالي من الفيدرالي، ويبدو أن الأسواق الآن تسعّر تخفيضاً للفائدة خلال العام الحالي بمقدار 50 نقطة أساس، وذلك وفقاً للتحديات الجديدة التي يتوقع أن تواجهها شركات التكنولوجيا مع وصول المنافسة الصينية، والتي كانت تعتقد أنها بعيدة ومتأخرة على مستوى التقنيات. ولكن ذلك لم يعد إجماع السوق. وكنتيجة لإعادة النظر في معدل أسعار الفائدة، انخفض مؤشر الدولار إلى مستويات 107 قبل أن يجد المشترين لإعادة دفعه إلى القرب من عتبة 108. و بشكل عام، يبدو أن مؤشر الدولار في توجه عام بيعي، حيث انخفض بمقدار 2.3% خلال أسبوع. وهو ما يعكس توقعات المتداولين والتي تم إعادة تقييمها من خفض واحد فقط للفائدة خلال العام الحالي إلى خفضين الآن، وهو ما يعطي زخماً للبائعين واستمراراً للترند الحالي.
الذهب والأصول المشفرة: استجابة للضغوط
الذهب حاول اختبار القمة التاريخية عند 2790دولاراً للأوقية، لكنه واجه ضغوطاً بيعية قوية حالت دون ذلك. استقر الذهب عند مستوى 2740دولاراً، حيث يقدم هذا المستوى بعض الدعم الشرائي، لكن كسره قد يدفع الأسعار نحو نطاق 2720إلى 2700 دولار.على صعيد آخر، شهدت العملات المشفرة ضغوطاً مشابهة، حيث تراجعت البيتكوين إلى مستوى 98,000دولار قبل أن تستقر عند 102,000دولار. هذه التحركات تعكس حالة من الحذر في السوق، مع مراقبة المتداولين للتطورات في وول ستريت والمنافسة بين الشركات.وفي سوق الأصول المشفرة ، اكتسبت الحمى بعد العاصفة التي ضربت وول ستريت، حيث كان هنالك ضغوط بيعية واضحة على BTCUSD، حيث انخفضت إلى مستويات أقل من 98,000 قبل أن تجد المشترين، حيث تم تعويض جزء من الخسائر واستقرت الأسعار عند 102,000. لا تزال أسعار البيتكوين في القناة السعرية المريحة للبائعين والمشترين، ولم تكسر أحد المستويات التي يتم مشاهدتها بشكل واسع.
قطاع الطاقة والنفط
وبشكل مشابه للضغوط البيعية في الأصول المشفرة، خام برنت يستقر عند 77 دولاراً للبرميل، وذلك بعد ظهور تراجعات حيث انخفض 6% خلال النصف الثاني من الشهر الحالي و1.6% خلال جلسة التداول الماضية، وسط مخاوف تتعلق بالطلب المستقبلي. وخصوصاً مع إعادة تقييم الطلب على الطاقة من نماذج الذكاء الاصطناعي والتي قد رفعت سابقاً توقعات الأسواق باستهلاك المزيد من الطاقة لدعم المجال الجديد وتغذية الذكاء الاصطناعي بالطاقة المطلوبة. وبنظرة أوسع، النفط لا يزال يتداول عند مستويات جيدة بالنظر إلى أساسيات العرض والطلب وتوازن سوق الطاقة. يبدو أن الترند الهابط لا يزال يبحث عن منطقة شراء ودعم قوية لاستقرار الأسعار لفترة أطول إلى حين وضوح توجهات اوبك بلس في اجتماعها القادم.
رؤية تحليلية: المنافسة تدفع الابتكار وتعيد تشكيل القطاع
ما نشهده اليوم ليس مجرد حادثة عابرة، بل بداية لمرحلة جديدة في قطاع التكنولوجيا. المنافسة التي أدخلتها”DeepSeek” تُظهر أن الهيمنة الأمريكية على مجال الذكاء الاصطناعي ليست محصنة ضد التحديات. في حين أن المستثمرين قد يشعرون بالقلق من التأثير السلبي على التقييمات الحالية للشركات الكبرى، فإن هذا التغيير يمثل فرصة للمستخدمين النهائيين للاستفادة من تقنيات أرخص وأكثر كفاءة.في النهاية، الرسالة واضحة: المنافسة ليست تهديداً بل فرصة للتطور. ومع أن التحديات على المدى القصير قد تكون مؤلمة، إلا أن الفوائد طويلة الأجل ستكون ملموسة في شكل تقنيات أكثر تقدمية وميسورة التكلفة. هذه الديناميكية الجديدة تجبر اللاعبين الكبار على إعادة التفكير في كفاءة استثماراتهم والعمل على تحسين عوائدهم، وهو ما يعيد تشكيل الصناعة بالكامل لصالح المستهلكين.باختصار، تطورات مثل هذه تشير إلى أن المستقبل القريب قد يحمل مزيداً من التقلبات، لكنه بلا شك يمهد الطريق لعصر جديد من الابتكار والإبداع
