كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يبدو أن سوق النفط يشهد حالة من التقلب الحاد، حيث يتأرجح سعر النفط الخام بين الضغوط البيعية الناتجة عن ارتفاع المخزونات الأميركية والتوترات التجارية، وبين الدعم الذي يتلقاه من قرارات أرامكو السعودية برفع الأسعار للمشترين الآسيويين. وهذه التفاعلات المتباينة برأيي تخلق بيئة من عدم اليقين، حيث يحاول المستثمرون موازنة تأثير العوامل المختلفة على اتجاه الأسعار.
فرفع أرامكو السعودية أسعار النفط لشهر مارس جاء مدفوعًا بزيادة الطلب في آسيا، خصوصًا من الصين والهند، إضافة إلى الاضطرابات في الإمدادات الروسية نتيجة العقوبات الأميركية. وهذه الخطوة تعكس ثقة المملكة في استمرار الطلب الآسيوي القوي على النفط، مما قد يسهم في دعم الأسعار على المدى القصير. كما أن التهديدات المتزايدة للإمدادات، بما في ذلك جهود إدارة ترامب لإيقاف صادرات النفط الإيرانية، قد تؤدي إلى إزالة ما يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميًا من السوق، مما يزيد من احتمالات شح المعروض ودفع الأسعار للارتفاع.
ولكن في المقابل، جاءت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية لتسلط الضوء على واقع مختلف، حيث ارتفعت مخزونات الخام بشكل حاد بمقدار 8.664 مليون برميل خلال الأسبوع السابق، وهو ما يتجاوز بكثير التوقعات التي كانت تشير إلى زيادة أقل حدة عند 2.6 مليون برميل. ومن وجهة نظري، هذا الارتفاع الكبير في المخزونات يشير إلى ضعف الطلب المحلي في الولايات المتحدة، مما يضيف المزيد من الضغوط الهبوطية على الأسعار. غير أن الزيادة في مخزونات البنزين تثير القلق بشأن تباطؤ نشاط المصافي، مما يعكس ضعفًا في الاستهلاك، وهو ما قد يضغط على أسعار النفط في المستقبل القريب.
أيضاً أعتقد أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تشكل عامل ضغط آخر على السوق، حيث فرضت الصين رسومًا جمركية على النفط الخام الأميركي، مما أثار مخاوف حول انخفاض الطلب العالمي. فالصين هي أكبر مستورد للطاقة في العالم، وأي تعطيل للعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة قد يؤدي إلى إعادة توجيه التدفقات التجارية، مما قد يضر بالصادرات الأميركية ويؤثر سلبًا على الأسعار. كما إن إمكانية انخفاض صادرات النفط الأميركية لأول مرة منذ جائحة كوفيد-19 تضيف مزيدًا من الضبابية إلى توقعات السوق.
وعليه شهد سعر النفط الخام تحركات متقلبة، حيث ارتفع بعد ثلاثة أيام من الخسائر ليتم تداوله عند حوالي 71.10 دولار مؤخراً. لكن المكاسب بقيت محدودة بسبب الضغوط المستمرة من ارتفاع المخزونات والتوترات التجارية. واليوم الخميس، استمر الضغط على الأسعار، حيث انخفض السعر إلى حوالي 71.00 دولار، مما يعكس استمرار حالة الحذر في الأسواق.
ومن وجهة نظري، تلعب منظمة أوبك وحلفاؤها (أوبك+) أيضاً دورًا حاسمًا في تحديد اتجاه السوق، حيث أشار نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى أن المجموعة قررت الاستمرار في خططها لزيادة الإنتاج اعتبارًا من أبريل. وهذا القرار يأتي في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث دعا الرئيس الإيراني أعضاء أوبك إلى الاتحاد ضد العقوبات الأميركية المحتملة. ومع استئناف إدارة ترامب لحملة “الضغط القصوى” ضد إيران، قد نشهد تصعيدًا في المخاطر الجيوسياسية التي تؤثر على أسواق النفط.
وبالنظر إلى الصورة العامة، يمكنني القول إن سوق النفط يواجه معركة بين العوامل الداعمة والضاغطة. فمن جهة، هناك عوامل قد تدفع الأسعار للارتفاع مثل زيادة الطلب الآسيوي، وارتفاع أسعار أرامكو، والتهديدات للإمدادات من إيران وروسيا. ومن جهة أخرى، هناك عوامل قد تضغط على الأسعار مثل ارتفاع المخزونات الأميركية، وتباطؤ الطلب المحلي، والتوترات التجارية مع الصين. وفي ظل هذا التوازن الدقيق، من المرجح أن تستمر التقلبات في السوق، مع بقاء المستثمرين في حالة ترقب لأي تطورات جديدة قد تحسم الاتجاه القادم للأسعار في المدى المتوسط والبعيد.