الذهب أمام تحديات مرتقبة في ظل تصاعد التوترات التجارية والرسوم الجمركية

تحليل الأسواق عن كريس ويستن، رئيس قسم الأبحاث في بيبرستون

يواصل الذهب تصدر قائمة الأصول الأفضل أداءً خلال عام 2025، لا سيما عند احتساب العوائد المعدلة بالمخاطر، كما لا يزال يحظى باهتمام بالغ من قبل مديري الاستثمار ومتداولي العقود مقابل الفروقات المتأرجحة عند تراجعه. وعلى الصعيد الفني، فقد تراجع الزخم الصعودي بعض الشيء بعدما لامس مستويات 3,057 دولار، غير أن الأسعار لا تزال مستقرة فوق المتوسط المتحرك لخمس جلسات. ويبدو أن المشترين يتدخلون بقوة عند أي هبوط دون مستوى 3,000 دولار، والذي يمثل حاليًا مستوى دعم نفسي بارزًا وساحة اختبار رئيسية لاتجاه الذهب في الأجل القريب.

 قد يؤدي كسر مستوى 3,000 دولار إلى فتح المجال أمام موجة تصحيح أوسع نطاقًا باتجاه مستوى 2956 دولار، وهو أعلى مستوى سُجِّل في 24 فبراير، الأمر الذي قد يسهم في زيادة فرص جني الأرباح وتنفيذ عمليات البيع من قبل الحسابات التي تعتمد على استراتيجيات الزخم المنهجي. ويبدو أن تماسك الأسعار خلال التراجعات الطفيفة قد خيّب آمال المتداولين التكتيكيين الذين يعتمدون على الرافعة المالية المرتفعة، إذ يرون أن التمركزات الحالية باتت مفرطة، وأن حركة السعر امتدت إلى مستويات تجعل ميزان المخاطر مقابل العائد يميل بشكل واضح نحو الهبوط. وتتوافق هذه النظرة مع سلوك متداولي عقود الخيارات، حيث تشير بيانات عقود الذهب لأجل أسبوع واحد إلى تسجيل علاوة تقلب نسبية عند 0.67 لصالح خيارات البيع، وهو ما يعكس تزايد الرهانات على احتمالية أن يشهد الذهب حركة هبوطية تفوق فرص الصعود خلال هذا الإطار الزمني القصير.

إن تجدد الزخم الصعودي لتجاوز الذهب أعلى مستوى تاريخي له عند 3,057 دولار يتطلب بطبيعة الحال تحولًا في موقف ترامب؛ يتمثل في التخلي عن نهجه المتساهل مؤخرًا تجاه الدول المُعفاة من الرسوم الجمركية، وفرض إجراءات عقابية صارمة على ما يُعرف بـ”الدول الخمس عشرة الأكثر تضررًا”. الأمر الذي قد يُطيل فترة عدم اليقين في الأسواق ومجتمع الأعمال، ويُعزز في الوقت ذاته من توقعات السوق حيال وتيرة التخفيضات المحتملة في معدلات الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. وقد يسهم ذلك أيضا في مزيد من التراجع في عوائد سندات الخزانة الأمريكية الحقيقية لأجل عامين، بالتوازي مع ارتفاع ملحوظ في منحنى العائد، في وقت ترتفع فيه احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود خلال الـ 12 شهرًا المقبلة لتقترب من مستوى 50%.

ومن غير المستبعد إطلاقًا تحقق السيناريو الإيجابي للذهب، لاسيما في ظل ما ينتظر الأسواق من مخاطر واسعة النطاق وتقلبات مرتقبة خلال الأشهر المقبلة، الأمر الذي قد يُفاقم من حالة الإرهاق المرتبطة بالرسوم الجمركية، في حال كان هذا الشعور قائمًا بالفعل، لتُصبح تداعياته أكثر وضوحًا وتأثيرًا. وفي السياق ذاته، يُمكن اعتبار موقف الاحتياطي الفيدرالي الحالي تجاه السياسة النقدية عامل دعم محدودًا لسوق الذهب.

 من الواضح أن الاحتياطي الفيدرالي قد تراجع عن نبرته التيسيرية الصريحة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما يُعرف بـ”خيار الاحتياطي الفيدرالي” وأنه قد أصبح خارج الحسابات تمامًا. ومع ذلك، وبالنظر إلى أن الفدرالي قد خفّض بالفعل معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 100 نقطة أساس، وألمح في آخر “توقعاته النقطية” إلى احتمال خفض إضافي بمقدار 50 نقطة أساس بحلول نهاية العام، فإن مجموع التخفيضات المتوقعة البالغة 150 نقطة أساس، في وقت يُتوقع فيه ارتفاع معدل الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي إلى 2.8% بحلول ديسمبر، لا تعكس نهجًا صارمًا لبنك مركزي يسعى بحزم لإعادة التضخم إلى مستواه المستهدف. يُسلّط هذا التصريح الضوء بشكل واضح على مدى القلق الذي يساور صناع السياسة النقدية حيال المخاطر الهبوطية التي قد تعرقل وتيرة النمو الاقتصادي، الأمر الذي يدفع مديري الأموال إلى زيادة انكشافهم على الذهب، باعتباره أداة تحوط فعّالة في ظل ضعف البيئة الاقتصادية. وفي المقابل، فإن تبني الاحتياطي الفيدرالي لموقف أكثر تشددًا، لا سيما في ظل تنامي المخاوف من موجات تضخم مفرطة، قد يشكّل عامل دعم إضافي لسعر الذهب، مع بدء المتداولين في تسعير سيناريو أكثر ترجيحًا للركود التضخمي، بالتزامن مع تراجع قدرة الاحتياطي الفدرالي على دعم الطلب أو الحفاظ على توازن سوق العمل.

من ناحية أخرى، يُعد شراء البنوك المركزية أحد المحركات الرئيسية وراء الزخم الصعودي للذهب، لكن غياب البيانات الفورية حول هذا النشاط يُصعّب على المتداولين دمجه ضمن قراراتهم اليومية. وفي المقابل، برزت التدفقات القوية إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب “وعلى وجه التحديد صندوقGLD” كمصدر دعم جديد، حيث لعبت دورًا محوريًا في تعزيز الزخم الصعودي، وساهمت بشكل واضح في إبقاء السعر الفوري للذهب فوق مستوى 3,000 دولار. وكان يوم الجمعة مثالًا جليًا على هذا الاتجاه، حيث سجل صندوقGLD تدفقات داخلة بلغت 1.95 مليار دولار، في ثاني أعلى مستوى له على الإطلاق. في المقابل، أشار بعض المحللين إلى التراجع الحاد في واردات الذهب إلى الهند، بالإضافة إلى انخفاض نسبي في الطلب من قبل المستخدمين النهائيين مثل صُنّاع المجوهرات، معتبرين أن المستويات القياسية الحالية للأسعار بدأت تنعكس سلبًا على مرونة الطلب.

 ومن المتوقع لا سيما في ظل قيام عدد من شركات تعدين الذهب مؤخرًا بإلغاء عمليات التحوط، إلى جانب استمرار تمركز عقود الذهب الآجلة عند مستويات مرتفعة؛ أن تتراجع فرص تحقيق موجة صعود قوية في الأسعار على المدى القريب. إذ تبدو محفزات الصعود محدودة نسبيًا في الوقت الحالي، ما يعزز احتمالية أن يشهد الذهب مسارًا سعريًا بطيئًا ومتدرجًا في حال الاقتراب من مستوى 3,057 دولار، بدلًا من تسجيل موجة ارتفاع قوية مدفوعة بتوسع كبير في نطاق التداول.

بينما نقترب من ذروة التوترات المرتبطة بالرسوم الجمركية، تزداد الحاجة إلى تبني رؤية مرنة وانفتاح ذهني حيال التحركات المستقبلية للأسعار والمسارات العامة للسوق.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أسواق الأسهم الإماراتية ترى بعض الضبابية

التحليل التالي عن حسن فواز، رئيس مجلس الإدارة ومؤسس شركة Givtrade شهدت أسواق الأسهم في ...

إجتماع مجلس إدارة الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين

زمكحل: «موضوع تعويضات نهاية الخدمة كرة نار تُرمى من منصّة إلى أخرى ومن البديهي البت ...

الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث تعقد جلسة معلومات افتراضية حول مباراة العلوم 2025

عقدت الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث جلسة معلومات افتراضية عبر Microsoft Teams حول مباراة العلوم 2025، ...