كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يواصل البيتكوين تعافيه من أدنى مستوى له في عام 2025 عند 77 ألف دولار، ليخترق مستوى المقاومة الرئيسي لمتوسطه المتحرك لمئتي يوم، ويصل إلى 88.7 ألف دولار، مسجلًا أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع. واليوم، لا يزال السعر مستقراً فوق 87 ألف دولار، مما يعكس انتعاشًا واضحًا في السوق بعد فترة من التراجع الحاد. وهذه الحركة الصعودية تشير برأيي إلى تحول في معنويات المستثمرين، مدفوعة بعدة عوامل أساسية وتقنية تعزز من احتمالات استمرار هذا الاتجاه الصاعد على المدى القصير.
والتعافي لم يقتصر على البيتكوين وحده، بل شهد سوق العملات المشفرة ككل انتعاشًا ملحوظًا، حيث ارتفعت القيمة السوقية الإجمالية من 2.35 تريليون دولار في 10 مارس إلى 2.85 تريليون دولار اليوم، ما يمثل زيادة كبيرة بقيمة 400 مليار دولار. ومن وجهة نظري هذه الزيادة تعكس عودة الثقة إلى السوق، مع تدفق رؤوس الأموال مجددًا بعد فترة من الهروب إلى الأصول الأكثر أمانًا. كما إن عودة المستثمرين إلى سوق الكريبتو تعكس جزئيًا إدراكهم بأن البيتكوين يبقى أحد الأصول القادرة على تحقيق عوائد مرتفعة رغم التقلبات.
ومن العوامل الداعمة أيضًا لهذا الصعود استمرار التدفقات الإيجابية لصناديق البيتكوين المتداولة الفورية لليوم السابع على التوالي، مما يدل على تزايد الطلب المؤسسي. كما ارتفعت المراكز المفتوحة لعقود البيتكوين الآجلة، مما يعزز من قوة الاتجاه الصاعد. وفي الوقت نفسه، تواصل الشركات الكبرى تعزيز وجودها في سوق البيتكوين، حيث تجاوزت حيازات مايكروستراتيجي نصف مليون بيتكوين، كما أعلنت GameStop عن خططها للاستثمار في البيتكوين، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا من الشركات المدرجة بالسوق المشفرة.
وبرأيي يأتي هذا الارتفاع بالتوازي مع أداء قوي للأسهم الأمريكية، إذ ارتفع مؤشر ناسداك 100 بنسبة 2.75% هذا الأسبوع، مستفيدًا من تعافي أسهم التكنولوجيا من أدنى مستوياتها في خمسة أشهر. والعلاقة القوية بين البيتكوين ومؤشر ناسداك لا تزال قائمة، حيث يتم التعامل مع البيتكوين من قبل العديد من المستثمرين كأصل مضاربي يتأثر بنفس العوامل التي تؤثر على أسهم التكنولوجيا، بما في ذلك السياسة النقدية والبيئة الاقتصادية العامة.
ومن جهة أخرى، فإن التفاؤل السائد في السوق يأتي جزئيًا من التوقعات بأن إعلانات ترامب المقبلة بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية قد تكون أقل حدة مما كان متوقعًا في البداية. وهذا التفاؤل انعكس إيجابيًا على معنويات المستثمرين، خاصة مع تصريحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في اجتماعه الأخير، حيث أكد البنك المركزي على التزامه بخفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، مما يعزز من جاذبية الأصول الخطرة. ومع ذلك، فإن هذا التفاؤل قد يكون قصير الأجل إذا جاءت التطورات الاقتصادية والسياسية مغايرة للتوقعات.
وأعتقد أنه رغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال هناك عوامل تدعو إلى الحذر. فالاقتصاد الكلي لا يزال يعاني من عدم اليقين، وحجم التداول في السوق يبقى ضعيفًا نسبيًا، مما يجعل التعافي هشًا. حتى لو جاءت رسوم ترامب الجمركية أقل من التوقعات، فإن احتمالية التصعيد في النزاعات التجارية لا تزال قائمة، مما قد يضر بالأسواق المالية ويؤثر على البيتكوين سلبًا. إضافة إلى ذلك، فإن الضغوط التضخمية لا تزال موجودة، خاصة بعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي توقعاته للتضخم لهذا العام، مما قد يؤثر على قرارات المستثمرين بشأن الاحتفاظ بالأصول عالية المخاطر.
ومن الإشارات التحذيرية الأخرى التي تستدعي الانتباه هو انخفاض معدل تمويل البيتكوين إلى مستوى سلبي هذا الأسبوع، رغم ارتفاع السعر بنسبة 4%. حيث يشير هذا بالنسبة لي إلى أن المتداولين مستعدون لدفع فائدة للاحتفاظ بمراكز بيع على المكشوف، وهو ما يُعتبر إشارة على أن السوق لا يزال يشهد حالة من التردد وعدم اليقين بشأن استمرار الاتجاه الصاعد. وهذا التراجع في معدل التمويل قد يكون مؤشرًا مبكرًا على احتمالية تصحيح هبوطي في حال ضعف الزخم الشرائي.
كما يترقب المستثمرون الآن ما يُعرف بـ”يوم التحرير” في 2 أبريل، حيث من المتوقع أن يعلن الرئيس ترامب عن خططه المتعلقة بالرسوم الجمركية. وهذا اليوم قد يكون نقطة تحول رئيسية للأسواق، إذ إن أي موقف أكثر تشددًا من المتوقع قد يؤدي إلى موجة بيع قوية، بينما قد يوفر نهج أكثر مرونة دفعة إضافية للأصول الخطرة مثل البيتكوين. ومن المحتمل أن نشهد تزايدًا في التقلبات خلال الأيام القادمة مع اقتراب هذا الحدث، مما يجعل من الضروري أن يكون المستثمرون مستعدين لمجموعة من السيناريوهات.
فإذا جاءت تصريحات ترامب أقل تشددًا، فقد نشهد مزيدًا من الارتفاعات في البيتكوين، خاصة إذا استمرت التدفقات المؤسسية الإيجابية. ولكن في حال صدور قرارات أكثر تشدد مما هو متوقع، فقد يؤدي ذلك إلى هبوط حاد في سعر البيتكوين بسبب المخاوف من تأثير السياسات التجارية على الاقتصاد العالمي. كما أن استمرار حالة عدم اليقين قد تؤدي إلى عمليات بيع لجني الأرباح من قبل المستثمرين الذين استفادوا من الارتفاع الأخير.
وبناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن البيتكوين في وضع حرج، حيث يواجه مزيجًا من العوامل الداعمة والضاغطة في آنٍ واحد. فرغم الاتجاه الصاعد الحالي، لا يمكن استبعاد حدوث تصحيح في المدى القريب، خاصة مع اقتراب حدث سياسي مهم مثل “يوم التحرير”. لذلك، فإن إدارة المخاطر تبقى عنصرًا أساسيًا للمستثمرين الذين يسعون للاستفادة من تحركات السوق دون التعرض لخسائر كبيرة بسبب التقلبات المفاجئة.