الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
انتعش سعر البيتكوين خلال الجلسات الأخيرة، ليتجاوز مستوى 84,000 دولار بعد تراجعه الأسبوع الماضي بنسبة 4.29%، مما أثار تساؤلات حول استدامة هذا التعافي في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وبرأيي، إن ما يميز هذا الانتعاش هو الارتفاع الواضح في هيمنة البيتكوين على سوق العملات الرقمية، حيث سجلت 61.4% وفقًا لتقارير Crypto Finance، وهو ما يعكس تحولًا واضحًا نحو البيتكوين كأصل مرن في مواجهة التقلبات العنيفة التي تضرب الأسواق المالية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا الزخم الصعودي، أم أن التحديات الاقتصادية قد تعرقل المسار؟
من وجهة نظري توضح الناحية الأساسية، أن البيتكوين يستفيد في الوقت الحالي من حالة عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد العالمي، خاصة مع ارتفاع التوترات التجارية بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. حيث تشير البيانات إلى أن هذه الرسوم قد تؤدي إلى تباطؤ اقتصادي عالمي وزيادة في معدلات التضخم، مما قد يدفع المستثمرين للبحث عن أصول تحوطية. لكن في المقابل، لا يزال البيتكوين مرتبطًا بشكل وثيق بأسواق الأسهم، مما يجعله عرضة للضغوط البيعية في حال اشتداد عزوف المستثمرين عن المخاطرة.
وبرأيي تُظهر المعطيات أن الهيمنة المتزايدة للبيتكوين على السوق قد تكون إشارة على نهج أكثر تحفظًا من قبل المستثمرين في قطاع العملات المشفرة، حيث يلجأون إلى الأصول الأكثر استقرارًا نسبيًا وسط تراجع أداء العملات الرقمية البديلة. وهذه النظرية، رغم أنها داعمة للبيتكوين، إلا أنها قد تشير أيضًا إلى ضعف السيولة في السوق وعدم استعداد المستثمرين لضخ أموال جديدة في الأصول الأكثر تقلبًا، مما قد يحدّ من الاتجاه الصعودي للعملة الرقمية على المدى القصير.
كما نلاحظ أن تحركات المؤسسات تلعب دورًا متزايدًا في دعم سعر البيتكوين. فقد قامت شركة تيثر، المصدرة لأكبر عملة مستقرة في السوق، بسحب 8,888 بيتكوين من محفظةBitfinex النشطة، في خطوة تؤشر إلى طلب قوي على العملة الرقمية. وهذا النوع من السحب المؤسسي غالبًا ما يُفسَّر كمؤشر إيجابي، حيث يقلل من المعروض المتاح للبيع في الأسواق المفتوحة، مما قد يساعد في دعم الأسعار على المدى القصير. ومع ذلك، فإن السؤال الأهم يبقى: هل هذا التدفق المؤسسي كافٍ لتعويض أي موجات بيع مستقبلية ناتجة عن تراجع شهية المخاطرة؟
برأيي تبقى التحديات قائمة، خاصة مع تصاعد المخاوف بشأن الركود التضخمي في الولايات المتحدة. حيث تشير تقارير الأسواق إلى أن التعريفات الجمركية التي هدد بها ترامب قد تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمقدار 70 نقطة أساس، وزيادة التضخم بـ 40 نقطة أساس، وهو ما قد يُعقّد موقف الاحتياطي الفيدرالي في تحديد سياساته النقدية المستقبلية. وإذا استمرت الضغوط الاقتصادية، فقد نشهد تحولًا في سلوك المستثمرين نحو الملاذات الآمنة التقليدية مثل الذهب، مما قد يؤثر سلبًا على البيتكوين في حال استمرار ارتباطه بأسواق الأسهم.
ورغم هذه التحديات، أرى إن البيتكوين قد يكون المستفيد الأكبر على المدى المتوسط والطويل، خاصة إذا اضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيف سياسته النقدية استجابةً للضغوط الاقتصادية. ففي حال تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وعودة الفيدرالي إلى سياسة نقدية أكثر تساهلًا، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع قيمة الدولار الأمريكي وزيادة الطلب على البيتكوين كأصل تحوطي ضد التضخم وضعف القوة الشرائية للعملة الأمريكية. وهذا السيناريو قد يُعيد البيتكوين إلى مسار صعودي أكثر استدامة، خاصة إذا استمرت المؤسسات في زيادة مراكزها الاستثمارية في السوق.
ولكن رغم هذه العوامل الإيجابية المحتملة، فإن البيتكوين لا يزال أصلًا عالي التقلب، مما يجعل من الضروري للمتداولين توخي الحذر عند اتخاذ قرارات استثمارية. ففي ظل الظروف الحالية، قد يكون من الحكمة اتباع استراتيجية تراكمية، حيث يتم بناء المراكز تدريجيًا خلال فترات الانخفاض، بدلًا من محاولة اقتناص القمم السعرية. وفي الوقت نفسه، يجب مراقبة التطورات الاقتصادية بدقة، خصوصًا فيما يتعلق بسياسات الاحتياطي الفيدرالي، وتأثير أي تحركات سياسية جديدة على الأسواق المالية العالمية.
وفي الختام، يبدو لي أن البيتكوين يواجه مرحلة مفصلية في مساره السعري. فمن ناحية، هناك إشارات إيجابية تدعم استمرار انتعاشه، مثل زيادة الهيمنة على السوق والتحركات المؤسسية القوية. ومن ناحية أخرى، لا تزال التحديات الاقتصادية والجيوسياسية تفرض ضغوطًا قد تعيق استمرارية الاتجاه الصعودي. وبالتالي، يبقى البيتكوين في وضع حساس، حيث تتوقف حركته المستقبلية على التوازن بين هذه العوامل المتعارضة، مما يجعل الفترات المقبلة حاسمة في تحديد الاتجاه العام للعملة الرقمية الأكبر في العالم..
