توقعات سعر الذهب (XAUUSD): هل سيستمر الصعود في ظل تصاعد الحرب التجارية؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) 

يشهد سعر الذهب انتعاشًا واضحًا خلال الفترة الآسيوية اليوم الثلاثاء ليتداول بالقرب من مستويات 3010 دولار، مدفوعًا بعودة المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية التي تعزز الطلب على الملاذات الآمنة. فقد أدت التصريحات والقرارات الأخيرة لترامب، وعلى رأسها فرض رسوم جمركية شاملة، إلى إثارة مخاوف متجددة من اندلاع حرب تجارية عالمية قد تدفع الاقتصاد العالمي نحو الركود. وبرأيي هذا المشهد القاتم يدفع المستثمرين إلى التحوّط عبر شراء الذهب، خاصةً بعد أن لامس مستويات دعم قوية قرب 2956 دولارًا. كما يشكّل تراجع الدولار نتيجة توقعات خفض الفائدة من قبل الفيدرالي عامل دعم إضافي للذهب نظرًا لكونه أصلًا غير مدر للعائد ويتحسّن أداؤه في بيئة انخفاض الفائدة.

ومن وجهة نظري لايزال السوق يواصل تسعير توقعات تشير إلى قيام الفيدرالي بخفض الفائدة عدة مرات خلال عام 2025، مدفوعًا بضعف البيانات الاقتصادية والمخاوف من أثر السياسات التجارية الحمائية. كما أن تصريحات مسؤولي الفيدرالي، والتي تتراوح بين التركيز على السيطرة على التضخم والتحذير من تداعيات حرب تجارية، تؤكد على وجود توازن دقيق بين دعم النمو والسيطرة على الضغوط السعرية. لكن قد يهبط الذهب مؤقتًا إذا ما شهدت الأسواق انتعاشًا في شهية المخاطرة، خاصةً في ظل ترقب المستثمرين لمحضر اجتماع الفيدرالي وبيانات التضخم الأمريكية خلال الأيام القادمة، والتي قد تعيد رسم مسار السياسة النقدية وبالتالي تؤثر بشكل مباشر على اتجاهات الذهب والدولار.​

وفي الوقت الحالي يواصل سعر الذهب تحقيق انتعاش مستمر بعد وصوله إلى أدنى مستوى له في شهر عند 2,957 دولارًا ، ليُعيد بذلك اختبار مستويات 3,000 دولار ويستقر أعلاه، في ظل تحركات نشطة في الأسواق. وهنا، يبقى التساؤل الأبرز: هل سيحافظ الذهب على هذا الزخم في ظل التصعيد المتزايد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟ وهذا هو التحدي الأكبر أمام المستثمرين في سوق الذهب الذي يشهد تقلبات ملحوظة جراء تحولات السوق المالية والأحداث الجيوسياسية.

وبرأيي، سيبقى سعر الذهب في حالة ترقب، حيث يشهد عدة عوامل تؤثر في حركته. واحدة من هذه العوامل هي الضغط على الدولار الأمريكي، الذي يعاني من ضغوط بيع متجددة. حيث تراجع الدولار الأمريكي في وقت توقفت فيه عوائد سندات الخزانة الأمريكية عن التعافي من أدنى مستوياتها في ستة أشهر، مما يزيد من جاذبية الذهب كملاذ آمن في اوقات عدم اليقين. وفي حال استمر الدولار في فقدان قوته نتيجة للضغوط الجيوسياسية والتجارية، قد نرى استمرارية في التحركات الصعودية لسعر الذهب، خصوصًا في حالة تزايد القلق بشأن تصعيد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.

كما أن جهود الصين لزيادة الإقراض وتحقيق استقرار الأسواق تشكل دافعًا إضافيًا للذهب. حيث تعزز هذه الإجراءات التوقعات بأن الأسواق العالمية قد تشهد فترة من الاستقرار النسبي، مما ينعش معنويات المخاطرة بشكل عام ويخفف من الضغوط على الدولار. لكن، في المقابل، لا يمكن إغفال أن هذه الجهود تأتي وسط حالة من التوتر المتزايد بين أكبر اقتصادات العالم، الولايات المتحدة والصين، حيث يُتوقع أن تستمر الحرب التجارية في التأثير على حركة الأسواق المالية بشكل عام، بما في ذلك سوق الذهب.

ومن وجهة نظري تعتبر التصريحات الأخيرة من وزارة التجارة الصينية والتي ترفض فرض رسوم جمركية إضافية من الولايات المتحدة عامل يزيد تعقيد المرحلة الحالية لهذه الأزمة التجارية المتصاعدة. حيث أبدت الصين استعدادها للرد على أي خطوات تصعيدية، وهو ما يزيد من احتمالية التصعيد التجاري بين البلدين. وهنا تزايد التوترات التجارية قد يعيد إشعال النفور من المخاطرة، مما يعزز الطلب على الذهب كأداة تحوط ضد المخاطر الجيوسياسية. وفي حال استمر هذا التوتر، فإن الذهب قد يشهد مزيدًا من الارتفاعات، إذ يعاود المستثمرون التوجه نحو المعدن النفيس.

وتزامنًا مع هذه التطورات التجارية، هناك عنصر آخر له تأثير كبير على الأسواق وهو السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. فالتوقعات المتزايدة بإمكانية استئناف الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة بداية من مايو 2025، مع توقعات بتخفيضات إجمالية بمقدار 130 نقطة أساس في العام المقبل، تمثل عاملًا رئيسيًا في تحريك الأسواق. فمع تزايد احتمالات خفض الفائدة، من المرجح أن يستمر الدولار في التراجع، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الدعم لسعر الذهب. وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فسيبقىالذهب في مسار صعودي، حيث أتوقع أن تجد الأسواق نفسها في بيئة تُعزز من قوة الطلب على المعدن الثمين.

لكن على الرغم من ذلك، يجب على مشتري الذهب أن يبقوا حذرين من التقلبات المحتملة في الأسواق نتيجة لتطورات التجارة العالمية. وفي ظل هذا التصعيد التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ومع التهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة، قد يتعرض السوق لمزيد من الضغوط في حال لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق تجاري. وإذا تم فرض رسوم إضافية بنسبة 50% على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، كما هدد الرئيس الأمريكي ترامب، فقد يؤدي ذلك إلى تزايد التوترات وتعميق حالة عدم اليقين، مما يساهم في تعزيز الطلب على الذهب كملاذ آمن.

وأعتقد أيضاً أنه بجانب التوترات التجارية، هناك وضعية اقتصادية حذرة تنتظرها الأسواق مع استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض رسوم جمركية انتقامية على الواردات الأمريكية. وهذه المواقف العالمية المعقدة تجعل من سوق الذهب أحد أبرز الخيارات التي يلتجئ إليها المستثمرون لحماية محافظهم من المخاطر المتزايدة. ومن هنا، يبقى الذهب في مركز الاهتمام، مع احتمالية قوية للارتفاع في ظل استمرار التوترات التجارية والمخاوف الاقتصادية.

لذا أتوقع أن يواصل سعر الذهب تحركاته الإيجابية في الفترة المقبلة، لكن هذا يعتمد بشكل أساسي على مدى تصاعد الأزمات الجيوسياسية والنقدية. وفي حال استمر الدولار في ضعفه، وزادت الضغوط على الأسواق العالمية من الحرب التجارية، فإن الذهب سيبقى في موقع القوة، مع احتمالية أن يواصل الارتفاع نحو مستويات أعلى، وربما يصل إلى مستويات غير مسبوقة إذا استمرت هذه الظروف في التأثير على الأسواق العالمية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس عون زار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والتقى ممثلي قوى الإنتاج والمجتمع المدني

رئيس الجمهورية مؤكدا على أهمية الحل الديبلوماسي بعدما مل اللبنانيون الحروب: نعمل مع الجهات الدولية ...

الذهب يفقد بريقه متأثرًا بتنامي التفاؤل التجاري واستقرار الدولار وسط تراجع مشاعر العزوف عن المخاطرة

تحليل السوق التالي عن فادي الكردي- مؤسس و رئيس مجلس الإدارة FFA Kings سجلت العقود ...

مؤتمر “الذكاء الاصطناعي في تعليم إدارة الأعمال” في جامعة الروح القدس…

تعاون أكاديمي وصناعي وإعلان عن العمل لإنشاء “المنصة الوطنية للذكاء الاصطناعي” نظّمت كلية إدارة الأعمال ...