بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com
تمكن الذهب من تسجيل قمم تاريخية جديدة لليوم الثاني على التولي مع ملامسة مستوى 3220 دولاراً للأونصة في المعاملات الفورية.
مكاسب الذهب تأتي وسط التصعيد المتسارع للحرب التجارية وعدم اليقين المتزايد حول مسارها المستقبلي بعد القرارات المتعاكسة بشأن التعرفات الجمركية والشكوك المحيطة بإستراتيجية دونالد ترامب، وذلك إضافة إلى المخاوف الموجودة حول تبعات هذه الحرب على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
حيث وصلت الحرب التجارية إلى حد رد الصين برفع التعرفات على الواردات من الولايات المتحدة إلى 125% من 84% وذلك بعد قيام ترامب برفعها إلى 145%. هذا التصعيد المتبادل يضعف الأمل أكثر فأكثر بشأن إمكانية الالتجاء إلى تسوية دبلوماسية للصراع.
كما لم يتمكن تراجع دونالد ترامب عن فرض التعرفات الجمركية على دول العالم لمدة 90 يوماً من تهدئة مخاوف السوق مطولا وذلك مع تسارع التصعيد التجاري مع الصين، بل في هذه الأثناء اتجه المستثمرون لشراء انخفاض الذهب. فعبر الجلستين تمكن الصندوق المتداول الذهب المادي الأكبر، SPDR Gold Trust (GLD)، من تسجيل صافي تدفقات موجبة بأكثر من 2.36 مليار دولاراً، وهذه الوتيرة لم نشهدها منذ فبرار الفائت.
إضافة إلى ذلك، يتجه المتداولون إلى ترميم مراكزهم في العقود الآجلة للذهب، فوفق لبيانات بورصة شيكاغو التجارية (CME)، فقد نمت المراكز المفتوحة للعقود الأجلة للذهب من بنسبة 7% الأمس مقارنة مع القاع الذي وصلت إليه الثلاثاء الفائت. حيث إن انخفاض مراكز المتداولين في الذهب كان نتيجة لتصفيتها واستخدامها لتغطية مراكز في الأصول الأخرى وخصوصاً في الأسهم بعد أن شهدت انهياراً هائلاً، وفق ما أوردته فايننشال تايمز سابقاً الأسبوع الفائت.
ليس فقط انخفاض شهية الاستثمار في الأصول الأكثر خطورة هو ما يفسح المجال أمام الذهب للتقدم فقط، بل إنما لمعان بريقه كأكثر الملاذات الآمنة أماناً هو ما خلق الظروف المواتية لانتعاشه وتسجيله لقمم جديدة.
حيث أن الارتفاع الأخير لعوائد سندات الخزانة كان بسبب تضاؤل مكانتها كأصل آمن بشكل رئيس إضافة إلى المخاوف حول التضخم والموازنة الحكومية، وفق ما قاله الخبير الاقتصادي محمد العريان لشبكة BBC. أضف إلى ذلك، فإن إقحام سندات الخزانة في وسط الحرب التجارية مع الصين قد فاقم من عدم اليقين المحيط بهذا السوق وذلك مع التكهنات بإمكانية قيام الصين ببيع حيازاتها (المقدرة بحوالي 759 مليار دولار) للضغط على الولايات المتحدة، وفق BBC أيضاً.
بهذا، فإن الخوف في سوق السندات كان قد بلغ أعلى مستوياته منذ العام 2023 هذا الأسبوع وهذا على مقياس مؤشر ICE BofAML U.S. Bond Market Option Volatility Estimate Index (MOVE). ارتفاع مستويات الخوف وعدم اليقين في سوق الدخل الثابت يجعلان ارتفاع العوائد أقل تأثيراً من جهة الضغط على الذهب للتراجع.
هذا كله يأتي في الوقت الذي لا نعرف فيه ما هي الخطوات المقبلة التي قد يتخذها ترامب بشأن حربه التجارية حتى بعد تعليق التعرفات لغير الواردات من الصين. عدم اليقين هذا من شأنه أن يؤثر سلباً في النمو والاستثمار والتوقعات حول مستقبل التضخم، وفق وول ستريت جورنال.
أضف إلى ذلك، فبطبيعة الحال لن تقتصر تبعات الحرب الجمركية على الولايات المتحدة وإنما لا تزال تهدد الاقتصاد الصيني. الذي قد لن يتمكن سوقه المحلي، الذي يشهد حالة من الطلب الضعيف، من امتصاص الضربة التي ستتعرض إليها الصادرات – التي يعول عليها لدفع النمو – وهذا ما قد يجبر الشركات على تحمل عبء التعرفات للحفاظ على تنافسيتها، وفق نيويورك تايمز. كما أن الصين قد تواجه صعوبة متزايدة في تسويق صادراتها سواء إما للأسواق الأخرى أم للولايات المتحدة عبر طرف ثالث لتفادي التعرفات.
حيث أفادت رويترز بأن فيتنام تتجهز لاتخاذ إجراءات صارمة لمنع إعادة تحويل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة عبرها. هذا يأتي في الوقت الذي قد تسعى فيه الأسواق من غير الولايات المتحدة منع الصادرات الصينية من إغراق أسواقها بما قد يشكل تهديداً حقيقاً للنمو.
هذه المخاوف حول مسار الاقتصاد الأمريكي والصيني على السواء والتردد المستمر بشأن التصعيد التجاري تبقيان على شهية المخاطر منخفضة للغاية بما يشكل دافعاً للذهب لاستكمال مكاسبه.