الدولار/الين يترنح دون 142,50: تحذيرات كاتو تعيد الحسابات وتربك التوقعات؟

كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) 

يمر زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني بمرحلة مفصلية تعكس حالة من التوترات المتشابكة بين العوامل الجيوسياسية، والمتغيرات الاقتصادية الكلية، والتوجهات النقدية للبنوك المركزية الكبرى. وبرأيي التراجع الأخير للزوج إلى ما دون مستوى 142.00، وهو الأدنى في سبعة أشهر، لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة طبيعية لجملة من التطورات الحادة التي ضربت الأسواق مؤخراً، لتُعيد الين الياباني إلى الاهتمام كملاذ آمن تقليدي في أوقات الخوف وعدم اليقين.

وفي مقدمة هذه العوامل تأتي التصريحات المفاجئة التي أطلقها وزير المالية الياباني شونيتشي كاتو، والتي أكد فيها على وجود توافق بين اليابان والولايات المتحدة بشأن أن “التقلبات المفرطة في أسعار الصرف غير مرغوب فيها”. وهذا التصريح الذي يبدو بسيطاً للوهلة الأولى، يحمل في طياته إشارة ضمنية إلى احتمال تدخل اليابان، بشكل مباشر أو غير مباشر، في سوق الصرف إذا استمرت التذبذبات القوية أو استمر تذبذب الين بشكل مفرط. وقد كان لهذا التصريح، بالتوازي مع توافق مماثل من الجانب الأمريكي ممثلًا بوزير الخزانة بيسنت، أثر مباشر على حركة السوق، حيث دفع المستثمرين إلى إعادة بناء مراكزهم لصالح الين، تحسباً لاحتمال تدخل رسمي وشيك أو على الأقل تشدد لفظي في السياسة المالية اليابانية.

ولكن هذا التحول في شهية المخاطرة لا يقتصر فقط على تصريحات كاتو. فمن الواضح أن زوج الدولار/الين يتعرض لضربة مزدوجة، تتمثل أولاً في عمليات البيع المستمرة للدولار الأمريكي في ظل تزايد القلق بشأن احتمالية لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة مجددًا، وثانياً في تزايد الطلب على الين كملاذ آمن نتيجة تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. فبرأيي قرار الصين الأخير بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، كرد مباشر على إجراءات ترامب التصعيدية، دعم مشاعر القلق في الأسواق العالمية، مما زاد من تدفقات رأس المال نحو الأصول الآمنة وعلى رأسها الين الياباني والسندات الأمريكية.

ومن وجهة نظري، كسر مستوى الدعم المهم عند 142.50 يعد تطوراً هاماً، لأنه يُظهر بأن السوق لم يعد يرى في هذا المستوى حاجزاً قوياً أمام مزيد من الانخفاض. وعلى الرغم من بعض محاولات التعافي اللحظية، إلا أن الزخم العام يظل سلبياً، خصوصاً مع تزايد الفجوة في التوجهات النقدية بين بنك اليابان الذي لا يزال متردداً في رفع أسعار الفائدة بشكل صريح، والاحتياطي الفيدرالي الذي باتت الأسواق تتوقع منه تحولا أكثر ليونة، بل وربما خفضاً للفائدة في حال استمرت الضغوط الاقتصادية والتجارية على النمو الأمريكي.

لذا أرى أن الاتجاه الهابط لزوج الدولار/الين قد لا يكون مؤقتاً أو عابراً، بل من المرجح أن يستمر على المدى القصير إلى المتوسط، ما لم تحدث مفاجآت جوهرية تقلب المشهد. فالعوامل الأساسية باتت تتكامل لصالح الين، سواء من حيث تزايد تدفقات العزوف عن المخاطرة عالمياً، أو من خلال لهجة اليابان الأكثر حزماً بشأن استقرار العملة، أو حتى في ظل تقلص الفجوة المتوقعة بين الفائدة الأمريكية واليابانية في حال تم خفض الفائدة الأمريكية.

ومما يزيد من احتمالية استمرار الضغط على الزوج هو الترقب لمزيد من البيانات الاقتصادية الأمريكية، مثل مؤشر أسعار المنتجين لشهر مارس وبيانات ثقة المستهلك من جامعة ميشيغان، والتي قد تؤكد تباطؤ الزخم الاقتصادي الأمريكي. وإذا جاءت هذه البيانات أضعف من المتوقع، فإنها ستعزز من احتمالات تخفيف السياسة النقدية الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يُسرّع من وتيرة تراجع الدولار أمام الين.

كما لا يمكنني تجاهل إشارات اليابان إلى نيتها فتح مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية في السابع عشر من أبريل. وهذه الخطوة تُظهر أن اليابان بدأت بالفعل بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية والاقتصادية، لتقليل حجم المخاطر الناجمة عن التوترات العالمية، وهو ما يعزز من مكانة الين كملاذ آمن، خاصةً إذا نجحت اليابان في تقديم نفسها كشريك تجاري مستقر وملتزم بقواعد السوق.

وفي ضوء كل ما سبق، فإنني أرجّح استمرار الاتجاه الهابط لزوج الدولار/الين، مع احتمالية إعادة اختبار مستويات 141.00 وربما كسرها إذا استمرت العوامل الدافعة على حالها، خصوصاً مع تزايد إشارات التدخل الياباني اللفظي، وتفاقم المخاوف من تأثير الحرب التجارية على النمو العالمي. وفي حال جاء أي تأكيد رسمي من بنك اليابان أو وزارة المالية حول مراقبة الأسواق عن كثب أو نية للتدخل المباشر، فإن التراجع قد يتسارع بشكل أكثر حدة.

والخلاصة أن الأسواق بدأت تُعيد تسعير توقعاتها لزوج الدولار/الين بناء على تغيرات حقيقية في المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، ولم تعد تستند فقط إلى فارق الفائدة بين الدولار والين كما في السابق. وعليه، فإن المراهنة على استمرار ارتفاع الدولار مقابل الين باتت الآن محفوفة بمخاطر متزايدة، وقد تكون الأيام القادمة مليئة بالمفاجآت في هذا الصدد.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

LAU ونقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان توقّعان مذكرة تفاهم لإطلاق برامج تدريبية في قطاع الضيافة

وقّعت نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان والجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) مذكرة تفاهم ...

رامي بيطار، رائد التحول الرياضي في لبنان، يرعى منتدى الجمال والصحة النفسية والجسدية (Beauty and Wellbeing Forum) في بيروت

أعلن رامي بيطار، رجل الأعمال ووالمبادرات الخيرية اللبناني البارز، الرئيس التنفيذي لشركة Capital Partners وTawfeer ...

أسواق الإمارات والمنطقة متباينة، نتائج الشركات تدعم المعنويات

تحليل الأسواق لليوم عن أحمد نجم، رئيس قسم أبحاث السوق في الشرق الأوسط في XS.com ...