بقلم : د.عدنان أحمد يوسف*
منذ أزمة انخفاض أسعار النفط في منتصف العام 2014، ونحن نعبر عن ثقتنا بقدرة اقتصاد مملكة البحرين وبقية الاقتصاديات الخليجية، وكذلك القطاعات المصرفية في البحرين وبقية الدول الخليجية على مقاومة وتجاوز تداعيات هذه الأزمة. وليس المقصود هنا بالطبع أنها لن تتأثر سلبا بها، بل المقصود هو قدرتها، بما تملك من أساسيات قوية، على التكيف مع تداعياتها والنهوض مجددا نحو النمو والتقدم.
وعلى الرغم من إصرار بعض وكالات التصنيف الدولية على تجاهل هذه الحقيقة الرئيسية ومواصلتها إصدار التصنيفات غير المنصفة لاقتصاد مملكة البحرين والصناعة المصرفية البحرينية، فإن ما هو أمامنا من شواهد ومؤشرات تؤكد سلامة الاقتصاد والصناعة المصرفية، بل تؤكدان نموهما المضطرد والصحي. فقبل عدة أيام أعلنت هيئةالمعلومات والحكومة الإلكترونية إن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة للنصف الأول من 2018 سجل نموًا بالأسعارالجارية بنسبة 5.1% مقارنة بالنصف الأول من العام2017. ويعزى ذلك إلى استمرارية النمو الإيجابي للقطاعات غير النفطية وإسهامها في تحقيق تطلعاتالتنمية المستدامة. ولا شك أن حزمة الدعم الخليجي المتوقعة سوف تضفي المزيد من التوازن والزخم على أداء الاقتصاد الوطني خلال المرحلة المقبلة.
كما أن المؤشرات المالية والمصرفية تبين بوضوح تحسن الأوضاع المالية والمصرفية في البحرين، حيث تواصلالسيولة المحلية التوسع ولكن بصورة مستقرة وذلك للحفاظعلى معدلات التضخم عند مستويات منخفضة. كما تواصل قيمة الدينار البحريني التحسن أمام معظم العملات الدوليةالرئيسية مثل الجنيه الإسترليني واليورو والين الياباني والفرنك السويسري نتيجة ارتفاع قيمة الدولار الذي يرتبطبه الدينار أمام هذه العملات، وهذا من شأنه أن يرفع منقيمة الصادرات البحرينية ويخفض قيمة الواردات وبالتالي له مردود إيجابي على الميزان التجاري للبحرين. بينما تظهر موجودات الجهاز المصرفي في البحرين ارتفاع ملحوظ من187 مليار دولار في ديسمبر 2017 إلى 190 مليار دولارفي مايو 2018، أي بزيادة 3 مليارات دولار، كما ارتفعتموجودات بنوك التجزئة وهي العاملة في السوق المحليبنحو مليار دينار خلال خمسة شهور فقط من 31.4 ملياردينار في ديسمبر 2017 إلى 32.4 مليار دينار في مايو2018، وارتفعت قيمة التسهيلات التي تقدمها البنوكللأنشطة الاقتصادية المحلية بنحو 580 مليون دينار خلال خمسة شهور فقط وهي زيادة كبيرة للغاية وتعكس الدورالأساسي الذي تلعبه البنوك في تحريك عجلة النموالاقتصادي في القطاعات غير النفطية في البحرين، وبلغمجموع التسهيلات الممنوحة من قبل القطاع المصرفي للأنشطة الاقتصادية والأفراد 9.1 مليارات دينار بنهايةمايو 2018.
أما بالنسبة للقطاع المصرفي الخليجي، فقد بينت إحصائيات اتحاد المصارف العربية التي أعلن عنها قبل عدة أيام أنها تجاوزت 2.2 تريليون دولار مع نهاية الفصل الأول من العام 2018 وهي تمثل 67% من مجموع موجودات القطاع المصرفي العربي. وبلغ مجموع ودائع القطاع المصرفي الخليجي 1.4 تريليون دولار والقروض والتسهيلات 1.3 تريليون دولار وحقوق الملكية 290 مليار دولار في نهاية الفصل الأول من العام 2018، وهو ما يؤكد على أهمية هذا القطاع بالنسبة لبرامج التنمية الاقتصادية، وكذلك التنمية البشرية، حيvث ترتفع نسبة الشمول المالي في دول الخليج العربي لتبلغ نحو 80% (مقاسة بملكية الحسابات المصرفية كنسبة من البالغين فوق سن 15 سنة لعام 2017).
ورغم أن المخاطر الجيوسياسية تمثل تحديا للقطاع المصرفي الخليجي، إلا أن قوة الاقتصاديات الخليجية توازن تلك المخاطر كما أن أساسيات النظام المصرفي،ومعدلات الادخار والإقراض تظل قوية ما يعزز القناعة بالوضع الائتماني المستقر.
ونحن نتوقع أن يحقق القطاع المصرفي الخليجي نموا جيدا خلال هذا العام لا يقل عن 5%، بينما يواصل تحسنه على مستوى معايير جودة الأصول، بالرغم من ارتفاع تكلفة المخصصات نتيجة تطبيق المعيار المحاسبي “IFRS 9”. لكن المخصصات العامة التي راكمتها البنوك الخليجيةخلال السنوات الماضية ستساعدها على الانتقال السلسإلى المعيار المحاسبي الجديد، مما سينعكس إيجابا على النتائج الربحية. لكن هذه النتائج سوف تتأثر نوعا ما وخاصة بالنسبة لبنوك التجزئة بإجراءات هيكلة الاقتصاد وما ينجم عنها من رفع الدعم عن الطاقة وضريبة القيمة المضافة مما يؤثر على القدرة الاستهلاكية وبالتالي على القروض الاستهلاكية.
وأخيرا ، يمكن القول إن القطاع المصرفي الخليجي يعد أحدالمقومات الرئيسة التي يمكن من خلالها تحقيق التكاملالمالي والاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث لعبت البنوك الخليجية ولا تزال تلعب دوراً بارزاً في تحقيقهذا التكامل عبر منح التسهيلات أو القروض المشتركة لتمويل التجارة البينية بين دول المجلس، وكذا تمويل مشروعات البنية التحتية من خلال شراء الصكوك التيتصدرها الحكومات والشركات الخليجية.كما أن خطوات مهمة مثل إنشاء قاعدة بيانات موحدة عن عملاء البنوك فيالدول الخليجية كافة، وتحقيق التجانس بين القواعد المنظمة والتشغيلية، والقواعد الخاصة بالبنوك التجارية والمركزية فضلاً عن العمل على توحيد سعر صرف العملة والوحدة النقدية، جمعيها خطوات من شأنها تعزيز دور البنوك في التكامل الاقتصادي الخليجي .
*الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية
رئيس جمعية مصارف البحرين
الرئيس السابق لاتحاد المصارف العربية