بقلم: هشام كركي
تستحوذ ملفات الفساد على اهتمام المواطن اللبناني، وباتت شغله الشاغل على الصعد كافة. فالفساد لم يعد يقتصر على الرشاوى في الإدارات فحسب، بل أنه متغلغل في جميع مستويات الإدارة في مؤسسات الدولة، والذي يعتبر استغلالاً فاضحاً من خلال سوء استعمال الوظيفة الرسمية من أجل تحقيق مكاسب شخصية، وأن استئصاله هو أبعد بكثير من الإصلاح الإداري، حيث أصبح الفساد مرضاً مزمناً يلاحق لبنان بكافة فئاته ومؤسساته، وقد احتل البلد مرتبة دنيا في المؤشر العالمي لمدركات الفساد.
إن الفساد المستشري في معظم لبلدان، لا سيما العالم الثالث، هو وباء يصيب الحياة الاقتصادية ومسيرة أي تقدم، عموماً. وهذا واقع لا يمكن إنكاره أو التخفيف من وطأته على إقتصادنا الوطني وما يسببه من هدر هائل للأموال العامة. على أن هناك فترات في حياتنا السياسية والإدارية اللبنانية برز فيها رجال حكمٍ وإدارة أمكن معهم لجم وحش الفساد إلى حد ما، من دون القضاء عليه، لأن تيار الفساد جارف، والنفوس بعضها ضعيف يلهث وراء المال.
ووفقاً لتقديرات فإن الفساد يكلف 1،6 نسبة % من الدخل القومي، والخسارة السنوية قد تتجاوز 800 مليون دولار سنوياً إذا اعتبرنا ان الناتج القومي هو 45 ملياردولار.
ويبرز أخيراً ملف النفايات، وما نتج عنه من حراكٍ مدني، ظهرت أشكاله المختلفة بصورٍ شتى. وقد وصّفت مجلة”فورينبوليسي”الأميركية “أن في لبنان فساداً متراكماً أكبر من النفايات، موضحة أن الساسة اللبنانيين ربما يستحقون الانتقاد، وذلك لأنهم يسعون في تقويض النظام الديمقراطي لبلادهم بشكل ممنهج، وأن البرلمان اللبناني قام بتمديد ولايته مرتين بشكل غير دستوري، وأنه فشل في انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة ونصف، وأنه لم يوفق في تمرير ميزانية رسمية للبلاد منذ عام 2005”.
ويبدو جليّاً أن الأوضاع في لبنان على صعيد الخدمات الأساسية آخذة بالتدهور، حيث تعاني البلاد أزمات متفاقمة في مجمل الملفات، وأن هناك ما يقرب من مليون ونصف المليون لاجئ سوري في لبنان يعيش معظمهم ظروفاً يرثى لها، وأن ردّ الحكومة الوحيد تمثّل في وقف تسجيل الأمم المتحدة للاجئين الجدد، ومحاولة منع دخول السوريين إلى البلاد.
إن اعتماد الحلول الجزئية بطبيعة الحال، لايكفي، لكنها تساهم إذا ما اقترنت بخطة شاملة تبدأ من ضمنها الإصلاح السياسي البنيوي الذي يتضمن نظاماً انتخابياً جديداً، وتعزيز سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحرّ، وفعالية القضاء، إضافة إلى إصلاح الإدارة العامة وزيادة فعاليتها.
هذه العملية المعقّدة، تتطلب إرادة سياسية جامعة، والمثابرة على آلية مكافحة للفساد، والأهم أن يكون هناك خطة واضحة للعمل، بحيث يبدأ كل من موقعه، وأن تزيد من المبادرات العملية التي يمكن أن تتحقّق، والتي تتطلب أقلّه تجاوزاً لحالة الاحباط التي تعمّ البلاد.