احتفلت كلية الآداب في جامعة الروح القدس- الكسليك باليوم العالمي للغة الأم، وذلك في لقاء بعنوان “اللغة الأم: لغة الاعتدال”، أدارته الطالبة ماريان زوين من قسم الصحافة وشارك فيه كل من الإعلامي وليد عبود والمحامي د. أنطوان صفير، في حضور عميدة الكلية المنظمة البروفسورة نيكول شلهوب ورؤساء الأقسام والأساتذة والطلاب.
عبود
من جهته، اعتبر الإعلامي وليد عبود “أننّا نعيش في تحول كبير على صعيد الإعلام، فقد انتقلنا من الصحافة التقليدية إلى الصحافة الجديدة التي تسمح لكل إنسان بأن يكون صحافياً، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في عدم تنظيم هذه الصحافة. ونلاحظ مشكلة كبيرة تتعلق بموضوع اللغة العربية الفصحى لدى عدد من الصحافيين الجدد الذين يرتكبون أخطاء لغوية كثيرة. وعلى مر القرون، كانت الصحافة والثقافة على ارتباط وثيق مع القدرة اللغوية. أما اليوم، فتغيّر الوضع إذ لم تعد الثقافة ترتبط باللغة فقط بل باتت اللغة مجرد وسيلة للتواصل. وإنّ النظرية القائلة بأنّ العالم يتحوّل إلى قرية واحدة هي صحيحة، ولكن الواقع يقول بأن المتفوق تكنولوجياً وعسكرياً واقتصادياً هو الذي يفرض لغته. وهكذا، فإنّ اللغة الإنكليزية هي اللغة العالمية مع وجود لغة أم لكل بلد أو مجموعة بلدان”.
كما لفت إلى أنّ “السبب الأساسي الذي أدى إلى تراجع لغتنا الأم يعود إلى أنّ الأهل يفضلون أن يتكلم أولادهم لغات أجنبية منذ صغرهم. إلا أن هذا الأمر من شأنه أن يُفقد الأولاد هويتهم ولغتهم الأم. وفي لبنان، اللغة الأم هي العامية المحكية وليس الفصحى التي تدرّس في المدارس. مما يفاقم المشكلة أكثر فأكثر. وحالياً، نلاحظ استخدام ما يُعرف “باللغة البيضاء”، التي هي مزيج بين العامية والفصحى، في البرامج السياسية والاجتماعية. ولكن، بعد فترة، سيكون هناك توجّه لاستخدام العامية في مختلف البرامج وحتى في الأخبار. وهذا ما بدأته معظم الوسائل الإعلامية التي باتت تترك الحرية لمراسليها بأن يختاروا اعتماد العامية أو الفصحى في تقاريرهم بحسب شخصية المراسل وطبيعة الموضوع. إذ يفضل استخدام الفصحى في المواضيع السياسية الجدية والعامية في المواضيع الاجتماعية لأنها لغة الشعب”.
ثم اعتبر أنّ “اللغة هي أداة تستخدم، كما كل شيء، للخير أو للشر. وعلى مر التاريخ، أظهرت اللغة العربية الفصحى الكثير من الاحترام لمفهوم الاعتدال. لذا، هي غنية بمصطلحات خاصة بالاعتدال، أكان لجهة الطبيعة أو جسم الإنسان وسلوكه وموقفه الفكري والنفسي والسياسي…” وأشار إلى أنّ “الموضوعية هي نسبية وتقوم على نقل الخبر كما هو بكل دقة ونقل وجهة نظر الطرفين والابتعاد عن أي تجريح شخصي والقيام بنقد موضوعي. وإنّ ما يميّز من يتجه إلى مجال الصحافة هو امتلاكه موقفاً واضحاً في الحياة والمجتمع والسياسة. وما من صحافي يدّعي أنه حيادي بالكامل، ولكن يترتب عليه أن يتحلى بأكبر قدر من الموضوعية ليوازن بين مختلف الآراء”.
صفير
أما المحامي د. أنطوان صفير فقد أشار إلى أنّ “الحديث عن اللغة الأم هو الحديث عن التثاقف لأنّ اللغة لا تنتج عمّا نرثه بل هي تولد من وعاء الانصهار الثقافي والحضاري لتُنتج لهجات مختلفة، وهذا ما يفسّر لنا اختلاف اللهجات من منطقة إلى أخرى ومن مذهب إلى آخر. ومهما تطورنا، إن لم نرجع إلى اللغة الأم والحضارة الأم ومنطق الرعية الأم والقرية الأم سنفقد هويتنا لا محال. وصحيحٌ أننا نعيش في عصر العولمة ونشهد على دخول لغة جديدة هي لغة الكومبيوتر والتواصل الاجتماعي ولغة الأعمال، وصحيحٌ أننا في عصر لغة عالمية موحدة تتكلمها دول العالم، هي اللغة الإنكليزية، إلا أنّ هذا الواقع لم يلغِ ارتباط الشعوب بنضالها التاريخي الذي رسّخ اللغات وأكمل مسيرتها. إذ أن هناك شيء في اللغة الأم يتعلّق بقلب الإنسان وبنبضه. وعندما أتخلى عن لغتي الأم الأصلية وأتبنى لغة أخرى أكون بذلك أمام أزمة كبيرة في ما يتعلق بالهوية”.
ثم اعتبر أنّ “المشكلة الحاصلة في موضوع اللغة الأم هي من مسؤولية المدرسة لأنها لا تعطي، كما للمواد العلمية، أهمية إلى العلوم الإنسانية التي تشمل اللغات والتاريخ والفلسفة والجغرافيا والتربية الوطنية التي من شأنها أن تبني ثقافة الإنسان وفكره. ويبقى الزجل جزءاً لا يتجزأ من لغتنا الأم. وهذا ما يفسّر أنّ أهل القلم في لبنان هم من حفروا باسمهم تاريخ لبنان. ولا يمكننا التخلي عن اللغة الفصحى المليئة بالأدب والفكر والفلسفة واستخدام لغة عامية محكية لا جذور لها. ونلاحظ كم أنّ رجال السياسة يرتكبون أخطاء بالجملة لجهة اللغة والمصطلحات والتعبير والثقافة السياسية والقانونية. هذا ويفتح موضوع اللغة الأم موضوع الانتمائية لأنّ المشكلة لا تتعلق باللغة الأم بل بالانتماء الأم. وكان لوسائل الإعلام الناطقة بالعربية دوراً مهماً في تجذير المغتربين بوطنهم الأم”.
وتابع: “يعكس وجود أزمة لغوية في الصحافة والإعلام وجود أزمة لغوية في جميع القطاعات. وكان لوسائل الإعلام المساهمة في بتعميق المشاكل اللغوية لأنها أوجدت لغة رقمية جديدة لا تستند إلى قواعد علمية ومنطقية. وعلى خلاف ما ترى الأغلبية إنّ التعبير بطريقة حضارية على الاعلام لا يعني غياب موقف صريح وواضح بل هو اعتدال في التعبير. فيجب على الاعلام أن يكون حيادياً في تغطية الخبر ولكن من الضروري أيضاً أن يكون له هوية. فأنا لا أعارض الاعلام الحزبي الذي يمثل نقسه ويتمتّع بصبغة سياسية وفكرية معينة. علماً أنّ بعض وسائل الاعلام تدير ثقافة الشمولية من خلال جيوش إلكترونية الأمر الذي يعزز غياب ثقافة الاعتدال والتعبير عن الرأي. ولكننا، نبقى، في لبنان، مجتمعاً تعددياً، بامتياز، يسمح باختلاف الآراء والمواقف”.
وختاماً، تطرق إلى “موضوع الشخصنة التي نلاحظها اليوم، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم التهجّم على الشخص وليس على المضمون. وإنّ المحاكم مثقلة بقضايا القدح والذم التي باتت تأخذ منحى قانونياً جدياً”.