عقد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي شارل عربيد مؤتمرا صحافيا رد فيه على التطاول الذي يتعرض المجلس الاقتصادي، فشدد على “ضرورة ان يعتاد الجميع على وجود المجلس الاقتصادي معه انطلاقا من كونه مؤسسة ميثاقية لحظها اتفاق الطائف”.
وقال: “لا بد للجميع أن يفهم بأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي هو مجلس ميثاقي تمثيلي استشاري مستقل، وإن أي من الرئيس او الاعضاء لا يتقاضى راتبا ولا مخصصات ولا بدل جلسات، وهو عمل تطوعي يضع خبرته في سبيل المصلحة العامة، بما يعني ان المجلس رئاسة واعضاء نذر نفسه للخدمة العامة ولخدمة الوطن بشقيه الاقتصادي والاجتماعي من دون أي مقابل أو أي مردود مادي سوى المردود المعنوي الناشىء عن الخدمة العامة”.
وأشار الى أنه “لا بد من التوقف عند حقيقة دامغة وموثقة وهي ان الموازنة لا تعني الصرف. فصحيح ان للمجلس الاقتصادي موازنة ملحوظة في بنود الموازنة العامة، لكن الاصح ان المجلس الاقتصادي لم يصرف من موازنته سوى 34 بالمئة لا اكثر، في وقت يحق له التصرف بكامل موازنته كونه مؤسسة مستقلة. وبالتالي فان المجلس بواقعه الحالي يشكل قدوة ومثالا يحتذى”.
اضاف: “على الجميع ان يعلم بان هناك قرارا من مجلس الوزراء صدر بتاريخ 3 – 5 – 2018 يجيز للمجلس الاقتصادي والاجتماعي توظيف 14 شخصا لملء الشواغر، لكنه امتنع عن ذلك حفاظا على المال العام واستعاض عن هؤلاء الموظفين المفترضين بخبرات الاعضاء وكفاءاتهم ومعارفهم ومستشاريهم الخاصين الذين يعملون بدورهم من دون اي مقابل مادي. كما ان هناك قرارا صادرا عن مجلس الوزراء يجيز شراء سيارتين لزوم المجلس ولكنه امتنع ايضا عن ابرام اي صفقة شراء حفاظا على المال العام واكتفى باستخدام سيارات موظفي ادارته لتسيير امور المجلس الادارية وهو بالتالي لم يشتر ولو دراجة هوائية من موازنته”.
واكد “للداعين الى اقفال المجلس نقول: ان المجلس مؤسسة ميثاقية مهمتها تقديم المشورة من دون ان تكون ملزمة، ومع ذلك فان البيان الوزاري لحظ في بعض بنوده عددا من الملاحظات التي تقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي. كما ان للبنود الاصلاحية الملحوظة في موازنة 2019 الجاري النقاش بشأنها، تلحظ عدد من البنود المقدمة من قبل المجلس لرئيس الحكومة، وانطلاقا من دورنا في ابداء الرأي، لا بد لنا من التطرق الى الاوضاع العامة، فنحن نمر بلحظة مفصلية من تاريخ لبنان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وذلك يعود باساسه الى تسيب مالي غضينا الطرف عنه، وجرائم بيئية تغافلنا عنها، وتفكك مجتمعي نجم عن غياب العدالة في توزيع الموارد والأعباء، وفساد بات عصيا، متحكما، متأصلا ومتشبثا”.
واعتبر انه “من هنا تبرز الحاجة إلى تغيير طريقة إدارة شؤوننا العامة، ونزيد من قوة التقدير والشفافية في التعاطي مع الناس بالوقائع والأرقام الصحيحة، وليس بإخفاء الواقع والتصرف كأوصياء على الناس من دون مشاركتهم في تقرير شؤونهم ومستوى حياتهم. فالخروج من منطق السياسات الموسمية وبناء السياسات لا يأتي فقط نتيجة الحركات المطلبية، بل من خلال التفكير المشترك والحوار العميق والجدي بين الدولة والنقابات والمنظمات الأهلية وكل المعنيين بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي. وهنا يأتي دورنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يرسم سياسات مستدامة تخرج التفكير بالشأن العام من منطق ردة الفعل العفوية إلى منطق التفكير المنهجي. لذلك نقول للجميع: يجب أن تعتادوا على وجود المجلس الاقتصادي والاجتماعي”.
واردف: “اما في الشأن المالي، فانه لم يعد ممكنا اعتماد مقاربة “الخطوة في الاتجاه الصحيح” في سياق التصحيح المالي، ولا مقولة أن “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة”. فالوضع المالي الضاغط يتطلب معالجة عاجلة واضحة الهدف”. واوضح ان “الموازنة العامة ليست قصاصا يستدعي الخوف والهرب منه، بل إن الهدف الأقصى منها هو التوازن، فإذا قلنا إننا نريد موازنة متوازنة، نكون قد أمسكنا طرف خيط الإصلاح المأمول”. وشدد على ان “التصحيح المالي لا يتحقق إن لم يأت في مسار ممرحل يصل بالمالية العامة إلى توازن ثابت. ونحن نحث على أن ندرك التوازن بحلول العام 2022 كحد أقصى”. واكد “لا يوجد شيء اسمه انهيار، يمكننا أن ننتج موازنة متوازنة وثابتة في توازنها. لن أتطرق إلى تفصيل أبواب الهدر، لأكتفي بالقول، إن العديد من أبواب المالية العامة تتضمن هدرا فاضحا”.
وقال: “أما لناحية الإيرادات العامة، فنقول، إن زيادات كبيرة في المداخيل الضريبية وغير الضريبية هي بمتناول يد الخزينة العامة، وذلك من دون زيادة النسب الضريبية ومن دون إلحاق ظلم بمعتد. نريد موازنة لا تمس بالمداخيل الدنيا من جهة، ولا تكبل حركة الاقتصاد من جهة ثانية. علينا الحث على اتباع مقاربة تخفض معدلات الفائدة، وصولا إلى خفض العجز، حيث أن لهذه الخطوة آثارا متسارعة على تحريك عجلة الاقتصاد باتجاه المزيد من الإنتاجية والحركة. نحن نعي ضرورة أن يتعاضد الجميع في تقاسم أعباء الإجراءات الإنقاذية. وهي إجراءات تكون أكثر فاعلية وقبولا إذا أشركت أوسع القوى المجتمعية في القرار حول ماهية التضحيات والمدى الزمني لتطبيقها. وهذا الحوار تحديدا هو جزء من دورنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي”.
واشار الى ان “السياسة المالية بشقيها الإنفاقي والضريبي مفاعيل توزيعية لا بد من التنبه لها في سياق عملية الإصلاح الضريبي، كما في سياق توزع أعباء الإنقاذ الاقتصادي. فإعادة التوزيع العادلة تشكل واجبا أساسيا من واجبات الدولة في سياستها المالية العامة. لذلك فإن شد الأحزمة إذا تم ضمن سياسات مخططة ومستدامة وواعية ودافئة اجتماعيا، تكون له أوجه إيجابية في الأفق المستقبلي اذ انه علينا الخروج من دولة جس النبض والاحتواء والتحول إلى دولة تخطيط ذات رؤية سياسات”.
اضاف: “اما في موضوع مكافحة الفساد فنحن كلنا جنود. ولكن كيف لنا ان نشن حربا على آفة لم نحدد ماهيتها، ولا تقصينا جذورها، ولا قومنا قدراتها؟ الفساد يا سادة ليس فقط جارور موظف مفتوح، وإن كان هذا أحد وجوهه البشعة والتشدد بشأنه واجب. لكن الشق الأكثر إفسادا وإضرارا من الفساد الإداري هو استغلال السلطة لتحقيق المكاسب والتمييز في توزيع الامتيازات بين المواطنين، والاستفادة من المناصب لتحقيق الثروات، والتدخل في العمل الإداري لتحقيق مصالح سياسية أو مالية، وخصوصا في المناقصات العامة وصفقات الشراء العام”.
وتابع: “من هذا المنطلق ندعو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى تكثيف النقاش للتوصل إلى رؤية موحدة لماهية الفساد ولكيفية محاربته. فلمكافحة الفساد مسارين:إجراءات سريعة ورزمة قانونية تستهدف مكامن الفساد وآلياته. ومسار ثقافي – تعليمي متراكم وطويل الأمد يعزز مفاهيم الشفافية والإدارة الرشيدة والمحاسبة السياسية”.
وختم: “نتطلع الى إصلاح يؤدي إلى الإشراق، وإلى تقشف ينتج مستقبلا محملا بالرفاه للبنانيين. فلنبتعد في معالجاتنا عن الوصف المستمر والتمادي بالتشخيص واستعراض مهارات الكلام. لننطلق نحو الإنتاج والعمل المحسوس. واجراء الحوار الكبير دورنا. فليعتد الجميع على وجود المجلس الاقتصادي والاجتماعي وعلى دوره”.