باسيل: لبنان الذي ينتظر الدعم الخارجي الإقتصادي يمكنه الاكتفاء بطاقات انتشاره لتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون “إصراره على ترسيخ انتماء المتتشرين اللبنانيين في العالم إلى لبنان عبر إقرار قانون استعادة الجنسية، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أكثر من عام، معيدا الحق لمن فقده”.
وإذ رأى “أن المغتربين هم فخر لوطنهم، ليس فقط بإبداعاتهم وسيرتهم وإنجازاتهم على مستوى العالم، بل أيضا بكونهم نموذجا للتعايش بين الأمم”، اعتبر “أن ميزتهم هي أنهم أبناء مجتمع تعددي تعلم كيف يعيش اختلافه وكيف يحترم حق الآخر في الوجود والانتماء والتعبير”.
وشدد الرئيس عون على أنه “إزاء التطرف السائد الذي يولد الإرهاب، يأتي دور لبنان في النموذج الذي يمكن أن يقدمه الى العالم، وخصوصا بعد التجارب التي سبق أن عاشها وعلمته كيف يعيش تعدديته، وأن الاختلاف حق، والحوار وحده هو طريق الخلاص والسلام”.
ولفت إلى إن “لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات مزمنة متراكمة خصوصا في الميدان الاقتصادي، ولكنه يسلك درب التعافي”، مشيرا إلى أن “كل جهد من المنتشرين اللبنانيين، سيساعده، من دون شك، على المضي قدما في هذه الدرب”.
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال افتتاحه، قبل ظهر اليوم، “مؤتمر الطاقة الاغترابية” بعنوان “الانتشار يفعل حول العالم في ست سنوات وبعد”، الذي عقد في مركز “البيال” في فرن الشباك، بدعوة من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، في حضور الرئيس امين الجميل، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، نائب رئيس مجلس الوزراء غسان حاصباني، وزراء: الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، الدفاع الياس ابو صب، البيئة فادي جريصاتي، الطاقة ندى البستاني، شؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب فيوليت خيرالله الصفدي، والنواب: سيزار ابي خليل، شامل روكز، ونعمت افرام، وفعاليات ديبلوماسية عربية وأجنبية، وممثلي الهيئات والنقابات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات الاعلامية، بمشاركة أكثر من ألفي شخصية لبنانية منتشرة.
أغان فولكلورية
افتتح الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم قدمت الفنانة عبير نعمة مجموعة من أغاني الفولكلور اللبناني.
سفيرة المؤتمر
بعد ذلك، تحدثت سفيرة المؤتمر لهذه السنة الفنانة دانييلا رحمة التي عادت الى العيش في لبنان الذي تؤمن به، وناشدت المغتربين “العودة الى البلد للعيش فيه والمساهمة في انهاضه”.
باسيل
ثم ألقى الوزير باسيل كلمة توجه فيها الى المغتربين قائلا: “اهلا وسهلا بكم بين أهلكم وتحت سماء وطنكم.
انتم آتون من أوطان انتشاركم الـ107 في رحلة حج الى وطن اجدادكم للمشاركة برقم قياسي جديد في مؤتمر الطاقة الاغترابية السادس في بيروت، والـ 15 في العالم.
تأتون والشوق يشدكم الى ارضكم واصداء نجاحات لقاءاتنا تجذبكم اليها.
تأتون في رحلة حج، والحج الى لبنان يجب ان يكون فريضة صلاة. فنحن في ايام الفطر السعيد، وفي السنة التي وضع فيها الحبر الأعظم لبنان على خارطة الحج الديني.
لبنان استقبل السيد المسيح وتلاميذه وأمه على ارض الجنوب، قدسها قبل ان يقدسها اللبنانيون بدمائهم لتحريرها.
تحجون الى وطن زرع منذ فجر التاريخ الخير في العالم حرفا ومركبا وبنيانا.
وانتم اكملتم رسالة لبنان عبر بناء أوطان انتشاركم فكنتم رسال حضارة الى العالم.
هناك من نسي ان سليمان حين بنى هيكل الله استنجد بملك صور (حيرام) للبنائين ولخشب ارز، ليأتي اليوم احفاد سليمان ويقصفوا صور نفسها تدميرا.
وهناك من نسي ايضا ان قانا استضافت المعجزة الإلهية الأولى بطلب من مريم،
فأمطر اطفالها بقذائف الكراهية وحول عرسها الى مأتم.
وكان رد لبنان انه اضحى البلد الوحيد في العالم الذي يعيد عيد بشارة مريم بمسيحييه ومسلميه.
هذا هو لبنان الكبير الذي نحن على أبواب المئوية الأولى لإعلانه، حيث ابى الآباء المؤسسون وعلى رأسهم البطريرك (الياس) الحويك الا ان يكون متنوعا فكان كبيرا.
كبير بأهل عكار ومرجعيون وحاصبيا والهرمل وبكم انتم المنتشرين، وهناك من لا يزال يصر ان يكون صغيرا ومن دونكم. نحن واياكم سنرسل اكبر رسالة الى الداخل والخارج، خلال مؤتمرنا المركزي السابع الذي نقيمه خصيصا في 10 – 11 – 12 تموز من العام 2020 ليكون كبيرا وحاشدا بمنتشريه السائحين؛ رسالة نقول فيها إن لبنان مختبر الانسانية، ننجح فيه معا في العيش معا، مسيحيين ومسلمين، مقيمين ومنتشرين، متساوين ومتناصفين، أمام القانون والدستور والميثاق.
القانون هو الحكم، الوطن هو الانتظام والدولة هي الحامي – علها تكون مدنية لنكون متمدنين، لا عدديين”.
وأضاف: “ايها المنتشرون، منذ تسلمي وزارة الخارجية وانا اشعر بكبر المسؤولية وكثر التقصير تجاهكم، فأنا مدرك أن توازن لبنان الداخلي لا يكتمل الا بتوازنه مع انتشاره وهذا ما لم يتحقق بعد.
لقد انجزنا الكثير ولكن المتبقي اكثر، ولا يمكن انهاؤه من دون جهودكم معنا في تحقيق التالي:
I- اللبنانية Libanite lebanity
لقد كرسنا مفهوما لانتمائنا اللبناني هو فوق اي انتماء آخر، وقلنا انه جيني وهو التفسير الوحيد لتشابهنا وتمايزنا معا، لتحملنا وتأقلمنا معا، لمرونتنا وصلابتنا معا، ولقدرتنا على الدمج والاندماج معا، من جهة، وعلى رفض النزوح واللجوء معا، من جهة أخرى. كلها تناقضات متكاملة لا تجدها في اي جنس بشري غير الجنس اللبناني، وهذا ما ابقانا على قيد الحياة، بروح المقاومة فينا، وهذا ما حفظ وطننا حتى الآن باللبنانية التي نعيشها، والتي لا معنى لها من دونكم؛ الا اننا لم ننجح في تحويلها بعد الى نهج وطني يترجم سياسات واجراءات متتابعة.
II – الجنسية:
لقد نجحنا في إقرار قانون استعادة الجنسية وفي إعطائها لمئات اللبنانيين الذين لم يتوقعوا ان يحصلوا عليها يوما، الا اننا نحتاج اليكم كجنود للجنسية Lebanity soldiers لنتمكن من الوصول الى مئات الآلاف منهم.
نحن نطور عملنا تباعا ووسائل الحصول على الجنسية اصبحت اربعا، ونأمل ان تصبح خمسا باقرار قانون يحترم مقدمة الدستور لناحية منع التوطين ويمنح الجنسية لأبناء المرأة اللبنانية المتزوجة من اجنبي،
وها نحن نطلق اليوم “دليل الجنسية” الذي يشرح الطرق الاربع، وقد انشأنا لذلك Call Center في الوزارة.
1 – استعادة الجنسية: وهي خدمة On line
على الموقع (www.Lebanity.gov.lb
2 – تسجيل الولادة او الزواج في البعثات اللبنانية هذه المعاملات القنصلية بدأت تصبح الكترونية.
3 – قانون اختيار الجنسية: وهو مخصص للذين اختاروا الجنسية اللبنانية وتسجلوا ما بين الاعوام 52 – 58 وبقيت ملفاتهم مخزنة وغير منفذة. وهنا نعلمكم، اننا نبشنا من غياهب النسيان ومن دهاليز الوزارة عشرات آلاف الملفات العائدة الى آبائكم واجدادكم وبدأنا بتنفيذها وارسالها الى السفارات لابلاغ المعنيين بها، ونطلب اليكم الاتصال بالـ Call Center او بسفاراتكم للاستفسار عن ورود اسمائكم.
جنسيتكم تنتظركم – لبنان ينتظركم-
4 – مرسوم التجنس الذي يمنحه رئيس الدولة بالاشتراك مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية، وهي صلاحية تقديرية تعود اليه، نقترح، اذا سمح فخامته، ان تعطى الأولوية فيها وبشكل دوري دائم، لأولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من اجنبي الى حين اقرار القانون، وللمنتشرين اللبنانيين الذي لا تنطبق عليهم الحالات السابقة.
أيها المنتشرون، احصلوا على جنسيتكم، يحصل لبنان على قوته.
111 – الانتخابات:
لقد شكلت التجربة الاولى نجاحا كبيرا لم يكن متوقعا، وخصوصا لحسن سير العملية ونسبة التسجيل ونسبة المشاركة، الا ان تسجيل 90 الفا وانتخاب 50 الفا يبقى اقل بكثير مما نتوقعه للمرة المقبلة. وكنت قد تقدمت بعد الانتخابات بمشروع قانون يصحح اخطاء القانون الأخير لناحية الآليات المتبعة ويسهلها. تذكروا انه سيكون لكم في الانتخابات المقبلة، وللمرة الاولى بتاريخ لبنان، ستة نواب يمثلون الانتشار اللبناني بقاراته كافة – كونوا كثرا بمئات الآلاف لكي نعمل على مضاعفة هذا العدد.
لا يمكن اللبناني المنتشر ان يعيش في حالة انفصام فيكون ديموقراطيا مدنيا في الخارج ويعود الى مربعه في الداخل – انها مسؤوليتكم في التغيير وفي تطوير النموذج اللبناني على شاكلتكم.
IV – تسهيل معاملاتكم:
لقد جهدنا لتحسين خدمتكم في بعثاتنا وقد حان الوقت لكي اعلن لكم عن انشاء “المنصة الالكترونية”e-mofa التي بدأت بالعمل التجريبي هذا الشهر في سفارة واشنطن وستنتقل تباعا هذه السنة لتصل الى كل البعثات،
عوض ان تأتوا انتم الى بعثاتنا سنذهب نحن اليكم بخدماتنا الالكترونية. لبنان يخدمكم أينما كنتم.
V- تقوية الروابط
نحن نشعر كم تحسن ارتباطكم بلبنان، وكم زادت اعدادكم من المشاركين والزائرين، الا اننا نريد انتماء أشمل!
وها نحن نستمر بالـ LDE ونتوسع،
وها نحن نطلق اليكم هذا الشهر دفعة من 43 ديبلوماسيا جديدا سينتشرون في كل السفارات،
وها نحن نطلق اليكم هذا الأسبوع، وللمرة الاولى في تاريخ لبنان، 20 ملحقا اقتصاديا،
وها نحن نعين 118 قنصلا فخريا جديدا نضيفهم الى الـ 31 الموجودين لتصبح شبكتنا القنصلية منتشرة في 149 مدينة عالمية (اضاقة الى الـ 70بعثة) والتي سنزيدها اكثر هذه السنة. ونقيم لهم دورة ديبلوماسية فاعلة خاصة بهم نهار الاثنين.
وها نحن نفعل برامج الديبلوماسية الاقتصادية، والديبلوماسية الغذائية Gastro Diplomacy، وLebanon Connect واستثمر لتبقى Invest to Stay- وغرفة التجارة اللبنانية العالمية ICH وكل ما يلزم لتكون شبكتنا أقوى واللوبي اللبناني في العالم أفعل.
وتابع: “ايها المنتشرون، هذا المؤتمر نريده موعدا للتلاقي ولكن للانجاز ايضا، وقد اخترنا ان ينعقد هذه السنة تحت عنوان “الانتشار يفعل” Diaspora in action بصورة اللبناني المنتشر، صاحب الحركة الدائمة، حدوده العالم، ولبنان دائما في قلبه.
المنتشر نريده فاعلا داخل لبنان ايضا. لذلك مواضيع المؤتمر هذه السنة تشمل الشراكة الفاعلة بين لبنان المقيم والمنتشر والتي لا نريدها حنينية فقط او سياحية عابرة، بل اقتصادية عابرة للقارات؛
لبنان الذي ينتظر الدعم الخارجي الاقتصادي يمكنه الاكتفاء بطاقات انتشاره لتفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص؛
ومن غيركم أولى بأن يكون شريك الدولة في معمل الكهرباء ومعمل النفايات وسكك الحديد والمرافئ البحرية والمشاريع الاستثمارية الضخمة؟؟
وقال: “من شأن مؤتمرنا في زمن اقرار الموازنة الصعبة، ان يسهم ايجابا بنمو الاقتصاد وتفعيل التبادل التجاري بين لبنان ودول الانتشار بزيادة الصادرات اليها، وان يسهم في تشجيع الشركات الناشئة وفي مشاريع اعادة اعمار سوريا والمشرق.
كما ننهي لقاءنا بزيارة بيت المغترب الذي شارف على الانتهاء لتنطلق نشاطاته كافة هذه السنة ونفتتح الأحد اول معرض للانتشار في متحف المغترب في البترون”.
وأضاف: “ايها المنتشرون، هذه السنة نطلق الـ LDE Youth ايمانا منا بشباب لبنان ونخصهم كما فعلنا في كندا بالـStart up Village ونطلق برامج مخصصة لهم واول برنامج للسياحة السياسية PTP Program بحيث سنستضيف هذا الصيف ولمدة أسبوعين في “بيت المغترب” طلابا لبنانيين في الخارج ليجولوا على المقار الرسمية وعلى السياسيين اللبنانيين، فيكونوا مستعدين ليؤدوا ادوارا عامة، ويشاركوا في تطوير الحياة السياسية”.
وتابع: “لن نقبل واياهم بان يكون للقاضي سمسار، وللشرطي ثمن،
وان يبقى جارور الموظف مفتوحا والا نستبدل سجل العار ببرنامج الكتروني؛
ولن نقبل ان تحمي الدولة المذهبية الفاسد والمرتشي والمرتكب باسم مذهبه؛
ولن نقبل واياكم ان يكون وطننا حلم الوطن البديل لغيرنا، بل نريده ان يبقى حلمنا نحن بالعودة اليه.
فلا يحل الفلسطيني مكان ابن الجنوب،
ولا يحل السوري مكان ابن البقاع وعكار،
ولا يحل في لبنان الا ابن اللبناني المنتشر صاحب الحق الأول في وطنه الأول”.
وختم: “فخامة الرئيس، اننا ابناء من طحنوا الصخور وحولوها ترابا للزراعة، وابناء من صقلوا الصخر بنيانا وفنا وحضارة، وانت صخرة هذا الوطن بقيت صامدا لنبني معك هذا البناء الاغترابي فيتعزز معه صمود لبنان.
انسانيتك وكبرياؤك معا، جعلا شعبك اللبناني تفوق انسانيته اولئك المتبجحين بها، فما اقفل يوما الباب امام جائع او مضطهد او نازح او لاجئ، وابى بكبريائه، في ظلمة حاجته وجوعه وتشرده، ان يمد اليد لاستعطاء مساعدة، كان ايمانه ورجاؤه بالله كفيل نهضته كل مرة، فما عرف الانكسار او اليأس ولن يخنع اليوم امام ضائقة اقتصادية.
لذلك نجدد العهد لهم اليوم امامك، كشاهد وامين على تضحياتهم ونضالاتهم،
أننا لن نهدر ثرواتنا الطبيعية، ولن نفرط بطاقاتنا اللبنانية المقيمة والمنتشرة.
ومع مئوية لبنان الكبير، سنجدد التزامنا نهائية لبنان وحقه الأزلي في الوجود والتنوع والتميز،وسيبقى لبنان رسالة الى ما لا نهاية. عشتم، عاشت اللبنانية، عاش لبنان”.
كلمتان للمنتشرين
ثم تحدث اللبناني الاصل البروفسور جان مارك الايوبي المقيم في فرنسا الذي قال ان “النجاح لا يمكن ان يكون فرديا”، معددا انجازاته في “عالم التغلب على العقم”.
وتحدث ايضا رئيس حكومة نوفاسكوتيا الكندية ستيفان ماكنيل الذي شكر للوزير باسيل “مبادرته مع ضرورة التواصل مع الوزراء اللبنانيي الاصل في كندا”.
الرئيس عون
وكانت كلمة الختام للرئيس عون قال فيها: “أيها الحضور الكرام، أيها اللبنانيون الآتون من دنيا الانتشار، صار تقليدا أن تلتقوا على أرض لبنان في كل عام، وهو تقليد جميل لأنه يجمعكم من جميع أنحاء العالم ويأتي بكم الى الوطن الأم. تلتقون، تتعارفون، تنشطون معا، فتقصر المسافات. أنتم فخر لوطنكم، ليس فقط بإبداعاتكم وسيرتكم وإنجازاتكم على مستوى العالم، بل أيضا بكونكم نموذجا للتعايش بين الأمم؛ اندمجتم حيثما حللتم، واستطعتم التأقلم مع عادات وشعوب ولغات مختلفة عنكم. تعايشتم مع كل الحضارات والثقافات والأديان، فلم تشكلوا جسما غريبا، رافضا ومرفوضا، في المجتمعات التي استقبلتكم، بل على العكس تعلمتم وعملتم، وطورتم الشعور الإنساني بين حضارات مختلفة.
ميزتكم أنكم أبناء شعب يحمل في جيناته عصارة حضارات تعاقبت على أرضه فأغنت ثقافته وجعلته منفتحا،
ميزتكم أنكم أبناء وطن عاش تجربة قاسية عندما قرر عدد من أبنائه سلوك درب التعصب ورفض الآخر فدفعوا أغلى الأثمان ولكنهم تعلموا الدرس جيدا،
ميزتكم أنكم أبناء مجتمع تعددي تعلم كيف يعيش اختلافه وكيف يحترم حق الآخر بالوجود وبالانتماء وبالتعبير.
فعالمنا اليوم تملأه العصبيات الإتنية والعرقية والدينية، عالم سقط فيه الإنسان في هوة اختلافه عن أخيه الإنسان، وجعل من انتماءاته عدوا لإنسانيته، فعمته الفوضى، وانتشرت فيه الحروب والمشاهد القاسية.
والتطرف السائد الذي يولد الإرهاب هو عدوى فكرية، سهلت وسائل التواصل الاجتماعي انتشارها، أشعلت الحروب الداخلية والحروب المضادة في محاولة للقضاء عليها، ولكن الفكر لا يحارب إلا بالفكر؛ فالسلاح يقتل إنسانا، يدمر منزلا، يمحو مدنا، ولكنه لا يغير فكرة، بل على العكس يرسخها ويزيدها تطرفا وتعصبا.
وهنا يأتي دور لبنان في هذا العالم، لبنان المحدود والمقيد بالجغرافيا، لبنان الذي لا تتسع مساحته لكتابة اسمه على خريطة العالم، ولكن انتشاره يغطي الكرة الأرضية ويبلغ أضعاف المقيمين فيه.
لبنان هذا دوره في رسالته، وفي النموذج الذي يمكن أن يقدمه، خصوصا بعد التجارب التي سبق أن عاشها وعلمته الكثير من العبر؛ علمته كيف يعيش تعدديته، علمته أن الاختلاف حق، وليس سببا للخلاف، وأن الكراهية والعصبيات والحروب لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الخراب والانهيار. علمته أن الحوار وحده هو طريق الخلاص، طريق السلام، لعالم حدوده الإنسان.
والتزاما لهذا الدور، أطلقت مبادرة في الأمم المتحدة بترشيح لبنان ليكون مركزا دائما للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والإتنيات الى جانب إنشاء “أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”.
فالتلاقي والحوار وتقريب الناس وخصوصا الشباب من بعضهم البعض وتعريفهم بالحضارات الأخرى، تسهل اندماجهم الصحيح في مسيرة تقدم الحضارة الانسانية وتحصن من أي محاولات لاستمالتهم. وهي الوسيلة الفضلى للقضاء على الإرهاب الذي ما زال يشكل خطرا على العالم وعلى الأجيال المقبلة.
وهذا ليس فقط دور لبنان بل أيضا دوركم، فعليكم أن تكونوا رسل التلاقي والحوار، وأن تبقوا النموذج كما أنتم اليوم، وأيضا أن تدعموا ترشيح لبنان حيث أنتم فاعلون، وخصوصا أن المبادرة قد لاقت ترحيبا كبيرا من العديد من الدول والهيئات الدولية التي أعربت عن استعدادها لدعمها ومواكبتها.
أيها الأحبة، أنتم اليوم تتوزعون على كل دول العالم ولكنكم أيضا تتوزعون على كل عائلات لبنان؛ قليلة هي البيوت اللبنانية التي لم تعش غصة الاغتراب، وقليلة ايضا هي البيوت اللبنانية التي لا تتلقى يد العون من الاغتراب؛ فأنتم دوما الى جانب عائلاتكم ومجتمعكم ووطنكم، خصوصا عند الشدائد.
ولكن على وطنكم الأم أيضا أن يكون إلى جانبكم، أن يبني جسور التواصل والتبادل بينكم وبين أبنائه المقيمين، وأن يجعلكم تشعرون بقوة الجذور والانتماء إلى هوية إنسانية، وأرض، وحضارة، وتراث.
من هنا، كان إصرارنا الدائم على ترسيخ انتمائكم إلى لبنان عبر إقرار قانون استعادة الجنسية، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أكثر من عام، معيدا الحق الى من فقده. وقد صدرت عشرات المراسيم التطبيقية لهذا القانون، استفاد منها أشخاص بينكم، فحملوا هوية أرضهم من جديد.
ولا بد من التذكير أيضا، في هذا السياق، بأنه للمرة الأولى في تاريخ الحياة الديموقراطية والبرلمانية في لبنان، شارك المنتشرون اللبنانيون في جميع أقطار العالم، ومن البلدان التي يعيشون فيها، في الانتخابات النيابية التي جرت العام الماضي.
ولا شك أن هذه الخطوة، ستفتح الأفق واسعا أمام مشاركة فاعلة للمنتشرين اللبنانيين في الخارج، في تقرير مصير وطنهم، وخياراته السياسية، عبر تجديد الحياة الديموقراطية فيه.
إن لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات مزمنة متراكمة خصوصا في الميدان الاقتصادي، ولكنه يسلك درب التعافي، وكل جهد منكم سيساعده، من دون شك، على المضي قدما في هذه الدرب.
فتذكروا، أيها الأبناء الأحباء، أن لكم هنا أرضا، ولكم أيضا إخوة ما زالوا يبنون عليها ويكافحون من أجلها ويشقون الصخر ليزرعوها.
وتذكروا أيضا أن مجيئكم الى لبنان يشبه العيد، يحمل الفرح والبهجة والأمل لعائلاتكم، لمجتمعكم، ولوطنكم، فلا تحرموهم منه. عشتم، عاش لبنان”.
“وسام لجنة الاغتراب” للبروفسور الايوبي
وفي نهاية الاحتفال، منح الرئيس عون البروفسور الايوبي “وسام لجنة الاغتراب” “تقديرا لعطاءاته وانجازاته في عالم الطب النسائي والعقم”.
أعمال المؤتمر
وتستمر اعمال المؤتمر اليوم وغدا من خلال جلسات حوار تناقش مواضيع اغترابية لبنانية عدة، على ان تتلى التوصيات في الجلسة الختامية بعد ظهر غد السبت.