أحيت قوى الأمن الداخلي الذكرى الـ (158) لتأسيسها، في احتفالٍ رمزي أقيم قبل ظهر اليوم 9/6/2019 في باحة ثكنة المقر العام – الأشرفية، برعاية وزيرة الداخلية والبلديات السيّدة ريّا حفّار الحسن، وحضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وقادة الوحدات وعدد من كبار الضباط.
وبعد أن وضع كل من الوزيرة الحسن واللواء عثمان إكليليَن من الزهر على النصب التذكاري للشهداء عزفت موسيقى قوى الأمن معزوفة الموتى، ليبدأ بعدها الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد قوى الامن الداخلي.
ألقى عريف الحفل، رئيس شعبة العلاقات العامة العقيد جوزف مسلّم كلمةً رحب فيها بالحضور.
ثم ألقى اللواء عثمان كلمةً، هذا نصها:
مئة وثمانية وخمسون عاماً مضى من عمر قوى الأمن الداخلي، وهي لا تزال العنوان الأبرز لحفظ الأمن وإحقاق الحق ، هذه المؤسسة التي لم تبخل يوماً بتقديم أغلى ما لديها في سبيل حماية الإستقرار ومكافحة الجريمة والإرهاب المنظم . اليوم نحتفل بعيدكم ، عيد قوى الامن الداخلي ، بعد أسبوع من محاولة الإرهاب مجدداً ضرب الإستقرار الأمني ، و توجيه رسالة فتنة عشية عيد الفطر من طرابلس لكل لبنان ، فكنتم له بالمرصاد و كنتم على قدر المسؤولية كما عهدناكم وكانت دماء زملائكم قرباناً جديداً على مذبح الوطن ، هذا قدرنا وواجبنا أن تروي أرزنا بدمائنا لنحفظ الأمن و السلام . هناك على أرض الفيحاء امتزجت من جديد دماء شهداء الجيش اللبناني وقوي الأمن الداخلي كما امتزجت سابقاً في بيروت والبقاع والجبل والجنوب دفاعاً عن لبنان ، لتتحول شهادتكم أعراساً على مساحة كل الوطن . قبل الكثير الكثير عن الشهادة وهي أسمى أنواع العطاء ، و إن عجزت الكلمات عن وصفها ، فمن يضحي بحياته ليعيش الآخرون بأمن و استقرار و حرية يرتفع قدره نحو القداسة و الخلود . وهنا يستحضرني قول جبران خليل جبران ( ماتوا فباتوا أخلد الأحياء)
نعم ، اليوم نحتفل بعيد قوى الأمن الداخلي الـ ۱۵۸ ، والعام المقبل نحتفل بمئوية ولادة لبناننا الكبير ، و نحن عن لبنان لا نكبر . تاريخنا فخر ، عراقتنا شرف ، مؤسستنا كانت المدماك الأساس في بناء الدولة اللبنانية فهي لم تكن باكورة المؤسسات من محض الصدفة إلاً لأنّ الأمن هو الأساس في كل مجتمع ودولة ، مؤسستنا هي المؤتمنة بموجب القانون على حياة الناس وعلى أمن ممتلكاتهم وتنقلاتهم ، والمعنية الأولى بأمنهم الإجتماعي وأمنهم الإقتصادي وأمنهم القومي ، وهي الساهرة على مكافحة كل ما يمكن أن يطال المجتمع من آفات . التاريخ أمانة كبيرة بين أيدينا يحتّم علينا المقارنة والمقاربة بين الماضي والحاضر . سجلنا أصبح حافلاً بالإنجازات الكبيرة على مستوى الوطن وبات العالم يشهد النا . بذلنا الدماء لتبقى دولة المؤسسات ونبذل كل ما بوسعنا لتكون قوى الأمن الداخلي في الصدارة دائماً في آدائها ونعمل جاهدين على تحديثها وتطويرها باستمرار لتماشي التطور التي هي عليه المؤسسات الأمنية المتقدمة في العالم . استطعنا أن نكون محط ثقة دولية ومحلية مما حدا بالدول الصديقة أن تقوم مشكورة بمساعدتنا للمضي قدماً بتطوير أداء المؤسسة و تجهيزاتها و تنفيذ جزءاً من خطتنا الإستراتيجية المرسومة . إن مفهوم الأمن بات مختلفاً عن السابق ، ولهذا نقوم بتحويل قوى الأمن الداخلي الى شرطة مجتمعية مبنية على شراكة فعالة مع كافة شرائح المجتمع لنجعل كلاً منهم جزءاً من منظومة الأمن والأمان .
على شراكة تصب في خدمة المجتمع ومساعدته على الوقاية من إنتشار الجريمة لا بل على خفض معدلها والحد منها إلى أقصى الحدود . | شراكة تكون في مواجهة الآفات التي يمكن أن تضرب الشباب و المجتمع وفي مواجهة الجرائم المنظمة وشبكات الإرهاب . شراكة تهدف الى التكامل لا إلى التناحر ، تتصدي بحزم وتلفظ خارجها كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن أو الخروج على القانون . يا رجال قوى الأمن الداخلي ، مهما حاول العابثون من خفت وهج إنجازاتكم وسعيهم الدائم إلى محاربة مؤسستكم على صعد مختلفة وبشكل مُمَنهج . سنبقى فخورين بما حققناه ونحققه على كافة المستويات من إكتشاف الجرائم ومنع حدوث أعمال إرهابية وتوقيف الضالعين فيها وبأوقات قياسية ودقة وإحترافية عالية . سنبقى فخورين بأننا أول من أطلق شرارة مكافحة الفساد إبتداء من تطهير مؤسستنا وصولاً إلى كشف الفاسدين في مختلف المؤسسات ، فنحن نقوم بتحقيقاتنا بكل شفافية و تحت إشراف القضاء المختص واستناداً إلى أدلة دامغة ، و التاريخ سيحكم و سيُنصف من حافظ على البلد و مؤسسات الدولة و سينبذ من كان همه قضم المؤسسات ومقدراتها لحساب مصالحه الضيقة و المشبوهة . سنبقى فخورين بكل ما نقوم به وضميرنا مرتاح و نحن حريصون على إعادة ثقة المواطنين والعالم بالدولة اللبنانية و مؤسساتها . سنبقى فخورين بمواقفنا المنطقية والصلبة التي اتخذناها في أصعب الظروف والتي باتت تهدد مصالح أولئك المغرضين الذين اعتادوا على تجاوز القوانين والأعراف والأصول .
يا رجال الأمن ، أنتم حرّاس الأمس وحُماة اليوم وضمانة المستقبل . أنتم شرطي السير الذي أبقى إشارة الوطن والدولة مضاءة بالأخضر. أنتم الضابطة العدلية تبحثون عن الجرائم و تلاحقون المشتبه بهم في إرتكابها حتى القبض عليهم و تنفيذ العدالة بحقهم . أنتم الضابطة الإدارية غايتكم إحقاق الحق و تطبيق القانون و حفظ الأمن والنظام و تأمين السلامة لجميع الناس . أيها الرجال ، إرفعوا رؤوسكم ، كونوا في آدائكم كبياض الثلج الناصع على القمم ، شامخين كأرز لبنان بوجه العواصف كونوا بصلابة الصخور بمواقفكم المحقة ، فقد مرّت علينا عواصف أمواجها كانت دائماً تنكسر أمام صلابة مواقفنا ووضوحها . إرفعوا رؤوسكم بإنتمائكم لقوى الأمن الداخلي التي لم يتردد قادتكم ورفاقكم في السلاح ببذل دمائهم في سبيل الواجب . إرفعوا رؤوسكم بأننا بدأنا بمحاسبة أنفسنا قبل الغير وهذا يُحسب لنا لا علينا فمن بدأ بمحاسبة نفسه أولاً لا يخشى أي حساب . ومن كرّس نفسه لخدمة القانون وحماية الدولة والمواطنين ، لن يتزعزع إيمانه بنبل مسؤوليته جراء بعض الوشوشات السوداء . إرفعوا رؤوسكم ، أنتم الذين تعملون بصمت بعيداً عن الإستعراضات تطبقون القانون وتحمون الحريات وتحاربون الإرهاب والفساد .
فيا رجال الأمن . . . وأعني بها جميع الضباط والعناصر ذكوراً وإناثاً لأن الرجال مواقف وليست جنساً بشرياً . لبنان يفتخر بكم وأنا أفتخر بكل ضابط ورتيب وفرد نظيف الكف ، يعمل دون كلل لتبقى قوى الأمن الداخلي على قدر الرسالة التي وجدت من أجلها . وإني أضع ثقتي المطلقة بكم ، فكونوا أهلاً للثقة وليكن إيمانكم بأن خدمة الوطن هي واجب مقدس . او أطمئنكم بأن قوى الأمن الداخلي كما كانت دائماً في خندق واحد مع الجيش في مواجهة الإرهاب و أعداء الوطن سنبقى نحن و قيادة الجيش حريصون كل الحرص على حقوقكم المعنوية و المادية المكتسبة بموجب القانون و لن نتهاون بها أبداً ، و لن تُزايد على كلام العماد قائد الجيش في هذا المجال سيما و أن المصير المالي لعناصر قوى الامن الداخلي مرتبط بمصير عناصر الجيش بموجب القانون ، و ستبقى حقوقكم مقدسة ، فمن يضع دمه على كفه دائماً ليبقى لبنان من حقه أن يحيا حياة كريمة هو و عائلته . أما للمواطنين ، و هم شركاؤنا ، فأقول لهم : إن مفهوم كلمة المواطنة و معناها كبير جداً بقواميس العالم ، فهي تعني حب الوطن و الحفاظ عليه و التضحية و العمل من أجله بينما يفهم البعض في بلدنا هذه الكلمة بطريقة خاطئة و كل من وجهة نظره ، إن المواطنة ليست وجهة نظر إنما هي ثقافة يتنشأ عليها الفرد في كل مجتمع لا بل يتلقفها منذ نعومة أظافره . و منهم من يعتقد أن المواطنة هي شعور يتناسب مع موقعه أوتموضعه ، وللأسف لدينا مشكلة كبيرة في هذا المجال أي في أدائنا و ممارستنا للمواطنة، فمعظم الناس باتوا يستخدمون وسائل التواصل الإجتماعي كوسيلة لكيل الشتائم والسباب والإفتراءات و القدح و الذم بعضهم ببعض . إن وسائل التواصل الإجتماعي تفسر نفسها بنفسها و هي وجدت للتثقيف وتبادل المعلومات العلمية و الإجتماعية المفيدة . وصحيح أن هذه الوسائل في مكان ما ، هي للتعبير عن الأراء لكن ضمن حدود الأدب و الأخلاق و القوانين . و لا يمكن لأولئك الشتامين أن يدّعوا جهلهم للقانون و بأن هناك جرائم ترتكب من قبلهم في الشتم و القدح و الذم و التشهير و الإفتراء و دعم الباطل بمواجهة الحق .
نحن نعم قلنا أن ذلك العمل الإرهابي الأخير مرتكبه بالتأكيد يعاني من عدم استقرار نفسي وعنينا بذلك يقيننا بأن كل من يفكر مجرد تفكير بالقيام بأي عمل إرهابي يهدف إلى القتل والتدمير و التخريب هو كائن مريض عقلي و نفسي و عصبي و لا نستطيع أن نقول عنه إنسان حتى ، لأنه متجرد من كل صفات الإنسانية ، وقصدنا بذلك أنه لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يقدم على ارتكاب أي فعل من شأنه أذيّة الناس . قبل الختام ، نتوجه بالتحية لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و كل من دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي و دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الحريري و لكم معالي الوزيرة ريّا الحسن ، على دعم قوى الأمن الداخلي و الوقوف دائماً إلى جانبها ، جانب الحق ، لتتمكن من إكمال مسيرتها المؤسساتية ، و إنجاز المهمام الموكولة إليها على أكمل وجه . و كما الإستقرار السياسي مرتبط بالإستقرار الأمني ، أيضاً لا استقرار أمني دون استقرار سياسي و رعاية السلطة السياسية لمؤسسات الدولة ، على رأسها المؤسسات الأمنية و العسكرية .
أما في الختام ، للجميع أقول أننا لا ولن نتردد ببذل دماءنا ليحيا الوطن ودمنا يرخص من أجل بقائه . ومن هنا نطلق حملة تبرع بالدم لصالح بنك الدم في الصليب الأحمر اللبناني أبدأ بها بنفسي لتبقى دماؤنا سبباً في إنقاذ حياة الآخرين دائماً و بعد نهاية الإحتفال أدعو كل من يرغب بالتبرع المبادرة بذلك مع التقدير له . عشتم ، عاشت قوى الأمن الداخلي ، عاش لبنان .
وألقت الوزيرة الحسن كلمةً مقتضبة، هذا ما جاء فيها:
كان يُفترّض أن نطفىء اليوم 158 شمعةً احتفالاً بعيد قوى الأمن الداخلي، لكنّنا، بدلاً من ذلك، نضيء شمعتين، إجلالاً لشهيدّين غاليَين قدّمَتهما هذه المؤسسة قبل أيام، وسقط معهما شهيدان من الجيش اللبنانيّ. هذان الشهيدان الجديدان لقوى الأمن الداخليّ، يُذكِيان الشعلةَ التي أضاءتها قبلهما قافلة طويلة من الشهداء، بذلوا أرواحَهم فداءَ للوطن، حفاظاً على أمنه واستقراره، ودفاعاً عن أهلِه. لقد شاء أحد خرّيجي مدرسة التطرف والحقد والإرهاب، أن يحرُمَ الطرابلسيين واللبنانيين جميعاً، فرحة عيد الفطر، فنفّذ جريمة بشعة امتزجت فيها دماء قوى الأمن الداخلي بدماء الجيش اللبنانيّ. وما يجمعه الدمّ لا تفرّقه السياسة، ولا المزايدات. إنّ الجريمة البشعة التي شهدتها طرابلس،هي من صُنع فلول الإرهاب الذي نجح لبنان في مواجهته. وإنّ نجاح لبنان في القضاء على الإرهاب، وفي منعه من تحقيق مخططاته ومآربه، وما حققته الأجهزة الأمنية كلّها، ومنها قوى الأمن الداخلي، والامن العام والجيش اللبناني وباقي الاجهزةّ ، بفضل الإنجازات والضربات الاستباقية، يعود في جزء كبير منه إلى أن المجتمع اللبنانيّ، بكل مكوّناته، يلفظ هذه الظاهرة، ولا يوفّر لها أيّة بيئة حاضنة، إضافةً طبعاً إلى كفاءة العاملين في هذه الأجهزة، وما تم توفيره لها من إمكانات وتقنيات تساهم في زيادة فاعليتها. والأهم هو الدعم الذي وفرته ولا تزال السلطة السياسية بدءاً من رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس النواب فرئيس الحكومة الذي ما انفك يوما في إظهار دعمه كل ما من شأنه تطوير عمل هذه المؤسسة.
أيها الأعزّاء، إن ذوي البزّات الرمادية، أثبتوا أن قوى الأمن الداخلي، ليست رمادية في سهرها على أمن الوطن والمواطنين، بل هي متطرفة في القضاء على الإرهاب الأسود. انها قوة ضاربة لحفظ الامن. وهي صمّام أمان، تتعاون مع المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية الأخرى، لصون استقرار البلد وأمن ناسه، ولا تتنافس معها إلاّ على خدمة الوطن والتفاني في سبيله. ورغم الضائقة الماليّة التي يعانيها لبنان، أؤكّد لكم أننا ماضون في الإصلاحات وعملية التطوير في قوى الأمن الداخليّ، وأنا لن آلو جهداً لدعم تطبيق استراتيجية 2018 -2022 التي وضعتموها، والتي من خلالها سنحقّق نقلة نوعية لهذه المؤسسة، من أبرز وجوهها أنسنة عملها، لا سيّما لجهة تنفيذ النشاطات المتعلّقة بحقوق الإنسان اضافة الى حفظ النظام في المجتمع وبناء ثقة وشراكة متينة مع المواطن. أهنئكم مجدداً بعيدكم الـ158، ولو كان طعمه مرّاً هذه السنة. لكنّ مشاعر الحزن على شهدائنا الأبطال، تمتزج مع مشاعر الفخر بتضحياتنا، لكي يكون كلّ يوم عيداً، ويبقى الفرح سِمَةَ بلدنا الحبيب. كلّ عام وأنتم درع المواطن وحُماةُ القانون.
بعدها توجه كل من الوزيرة الحسن واللواء عثمان إلى خيمةٍ للصليب الأحمر اللبناني نُصبت في باحة الثكنة، وافتتحا حملة التبرّع بالدم التي كان قد أطلقها اللواء عثمان خلال إلقاء كلمته تحت شعار (#دمنا_عحسابك)، ليتبعهما فيما بعد الضباط والعناصر.
وبعد الانتهاء من التبرّع بالدم، انتقلت الوزيرة الحسن إلى مكتب اللواء عثمان حيث اجتمعت بقادة الوحدات.