فوشيه: تعزيز استقلالية القضاء والهيئات الرقابية وإقرار قانون الشراء العام خطوات ستشكّل إشارة واضحة إلى المواطنين اللبنانيين في ما يتعلق بإصلاح الدولة
أطلق وزير المال الدكتور غازي وزني وسفير فرنسا لدى لبنان برونو فوشيه اليوم الأربعاء في معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي برنامج “لقاءات الكوادر العليا في القطاع العام: القيادة في زمن الأزمات”، التي يوفّرها المعهد بالشراكة مع المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة وبدعم من السفارة الفرنسية في لبنان، ويشارك فيها 22 من قياديي القطاع العام اللبناني. بينهم مديرون عامون وقضاة ومسؤولون كبار في السلكين العسكري والأمني. وفيما اشاد وزني بوقوف فرنسا الثابت “إلى جانب لبنان في أزماته السياسيّة والماليّة”، شدّد فوشيه على أن أهم الإصلاحات التي يحتاج إليها لبنان راهنا “هي تعزيز استقلالية القضاء” وإقرار القانون الجديد للشراء العام، و”تعزيز استقلالية الهيئات الرقابية بهدف مكافحة الفساد”، معتبراً أن تنفيذ هذه الإصلاحات سيشكّل “إشارة واضحة إلى المواطنين اللبنانيين في ما يتعلق بإصلاح الدولة”.
وزني
وأبدى وزني في كلمته سروره بأن يُطلق أول نشاط له في وزارة المال من معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، مشيداً بـ”التعاون الثابت مع فرنسا التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان في أزماته السياسيّة والماليّة”. وذكّر بأن المعهد “لم يتردّد، منذ أن تأسس عام 1996، في تأدية مهامه الأساسية وهي المساهمة في تعزيز الحوكمة الماليّة وتطوير الكفايات لاسيما في إدارة المال العام”، مبرزاً أن “هذا الجهد لم يقتصر على تطوير القدرات في وزارة المال بل أيضاً في الدولة اللبنانية ككل وحتى في المنطقة العربيّة”.
وشدّد على أن وزارة المال “تعوّل كثيراً على خبرات فريق عمل المعهد في تقديم المساندة للوزارة في تنفيذ مشاريع تحديثية ورسم سياسات عامة عصريّة وتحديداً في تحديث منظومة الشراء العام”، وكذلك على دوره “في تطوير القدرات البشرية لاسيما في إدارة المال العام وللمستويات الوظيفية كافة، وفي الاستثمار في الشراكات والانفتاح على العالم”.
ولفت إلى “التعاون المتميّز للمعهد مع فرنسا، إذ بعد أن أنشئ كمشروع فرنسي لبناني عام 1996، أصبح اليوم شريكاً مميّزاً لأكثر من 21 مؤسسة فرنسية، من أبرزها المدرسة الوطنيّة للإدارة في فرنسا”. ولاحظ أن “العلاقة بين المعهد والشركاء الفرنسيين علاقة ثقة غير تقليدية، استطاعت، عبر الحوار والتكامل، أن تنسج مشاريع مميزة رغم المحيط المعقدّ والصعب وظروف لبنان المتقلّبة”.
ووصف اللقاءات المخصّصة للكوادر العليا في لبنان بأنها “ترجمة عملية لهذا التعاون اللبناني الفرنسي”. ورأى أن هذه اللقاءات شكّلت، منذ إطلاقها عام 2010 بالشراكة بين معهد باسل فليحان والمدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة وبدعم من السفارة الفرنسية، مساحة مشتركة لمجموعة من 116 مشاركاً، للإفادة من التجارب الفرنسية وتبادل الخبرات في القيادة وإدارة المال العام”.
واضاف: “اليوم، ينضمّ 22 مشاركاً جديداً إلى هذه المبادرة، التي تحمل عنواناً مهمّ جداً هو القيادة في زمن الأزمات، ولا يسعني الا أن أحيّي التزام الحاضرين هنا ومبادرتهم للتعمّق في سُبل إدارة الأزمات وأدواتها”.
فوشيه
أما السفير فوشيه، فأشاد “باستمرار المعهد في تنظيم برنامج لقاءات الكوادر العليا”، مذكراً بدور فرنسا في تأسيسه، ومعتبراً أنه “سرعان ما تحوّل مؤسسة مرجعية في مجال تدريب كبار الموظفين، وشريكاً ممتازاً وأهلاً للثقة لفرنسا وغيرها من الدول والمؤسسات الدولية”. واعتبر أن “جودة عمل المعهد تعود إلى تمسكه بالمصلحة العامة وإلى احترافية فريق عمله”.
ولاحظ فوشيه أن لقاءات الكوادر العليا تحت عنوان “القيادة في زمن الأزمات” تأتي في وقت “وضعت حركة الاحتجاج الشعبية غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول إصلاح الحوكمة العامة في صلب مطالبها، وتحديداً في ما يتعلق بنقطتين قويتين ومشروعتين، هما الشفافية والقدرة على مساءلة المسؤولين الحكوميين”.
وشدد على أهمية دور معهد باسل فليحان في هذه المرحلة “لِما عرف عنه من توجه إصلاحي والتزامه تعزيز المؤسسات والحوكمة في لبنان”. ورأى أن “الوضع اليوم مؤاتٍ لذلك نظراً إلى أن الحكومة أعلنت عزمها على إصلاح الحوكمة العامة في العمق على مستويات عدة”.
وشدّد في هذا الإطار على أهمية إصلاح القضاء، مؤكداً أن فرنسا “ستولي انتباهاً خاصاً لإصلاح آليات التعيينات والتشكيلات القضائية إذ تشكل شرطاً لأية استقلالية فعلية للقضاء”.
وإذ اشار من جهة ثانية إلى “أن الحكومة تعتزم أيضاً تعزيز الشفافية من خلال إصلاح في العمق لآليات الشراء العام”، وصف الإصلاح في هذا المجال بأنه “أمر أساسي”، مذكّراً بأن “ثمة اقتراح قانون أمام مجلس النواب ساهم معهد باسل فليحان في إعداده وينبغي الآن إقراره سريعاً”.
وقال إن “الحكومة أعلنت نيتها تفعيل ترسانتها لمكافحة الفساد، وهو مطلب أساسي لحركة الاحتجاج”. وشدّد على أهمية “وضع استراتيجية وطنية” في هذا المجال، إلى جانب “تعزيز آليات الرقابة المستقلة وهيئاتها، وهو ما تعهدته الحكومة وستتابعه فرنسا بانتباه كبير”.
واعتبر أن “هذه الورش الثلاث، وهي تعزيز استقلالية القضاء وإعادة النظر في الإطار القانوني الخاص بالشراء العام، وتعزيز استقلالية الهيئات الرقابية بهدف مكافحة الفساد، ستكون بمثابة إشارة واضحة إلى المواطنين اللبنانيين في ما يتعلق بإصلاح الدولة”.
وتابع: “في موازاة إصلاحات الإطار القانوني هذه، من الضروري أيضاً تغيير الأسلوب، لجهة إشراك المجتمع المدني في تحديد الإصلاحات الكبرى ومتابعة تنفيذها، بحيث يتم تعزيز الشفافية والتواصل في شأن عمل الوزارات”.
وختم مخاطباً المشاركين: “إن لبنان يواجه اليوم تحديات كبيرة، ودوركم كمسؤولين حكوميين سيكون أساسياً في بناء لبنان الغد. إن فرنسا تقف إلى جانب لبنان لمساعدته على تحقيق هذا المسار الإصلاحي الذي تأجل طويلاً، وفي تخفيف آثاره على الشعب اللبناني الذي ندرك تماماً ما يعانيه جراء الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان منذ سنوات”.
كومبارنو
أما مديرة العلاقات الخارجية في المدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا ايزابيل كومبارنو، فأشارت في كلمتها إلى أن عدد اللبنانيين المتخرجين من المدرسة يبلغ 186، مذكّرةً بأن “التعاون الطويل الأمد مع معهد باسل فليحان يشكل حجز الزاوية في التعاون مع لبنان، إلى جانب التعاون مع وزارة الدولة لشؤون الإصلاح الإداري واالمعهد الوطني للإدارة في لبنان”.
وأشارت إلى أن برنامج لقاءات الكوادر العليا “أُعِدَّ من الأساس ليكون مساحة تبادل في ما يتعلق بمواضيع الحوكمة وأداء الدولة ومؤسساتها”. واضافت أن “التحديات المتعلقة بعمل الإدارة العامة وتنظيمها ودورها في وضع السياسات العامة، تبدو اليوم اولوية بالنسبة إلى المواطنين على المستوى العالمي”، لافتةً إلى أن “الحديث اليوم لم يعد عن تحديث الإدارة العامة بل عن التحوّل في عمل الدولة ودورها في الإبتكار وتصميم السياسات العامة”.
وشددت على أن “التطورات الدولية تُظهر اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن الإدارة العامة يجب أن تكون قادرة على مواجهة الأزمات وعلى استباقها وتوفير الأدوات والمؤهلات الضرورية لذلك”، مشددةً على أهمية الحوار بين مسؤولي الإدارة العامة والخبراء المتخصصين في مختلف المجالات.
بساط
وذكّرت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والإقتصادي لمياء المبيّض بساط في كلمتها بتاريخ المعهد، مشدّدةً على دوره في الإصلاحات. واعتبرت أن “ما يواجهه لبنان باستمرار من أزمات يتطلب من الجميع العمل على مواجهة وضع هشّ غير مسبوق وتحديات متشابكة لا يمكن توقعها”.
ورأت أن “دور قياديي القطاع العام في الواجهة، إذ تقع عليهم أولاً مسؤولية الحفاظ على التماسك وعلى البلد، واستباق المستقبل، ووضع الخطط للخروج من الأزمة الراهنة، وتصحيح وضع المالية العامة وإطلاق الحركة الاقتصادية مجدداً، وإعادة مناخ الثقة، وخدمة المواطنين بأفضل طريقة”.
ورشة العمل الأولى
وبعد الجلسة الافتتاحية، عقِد اللقاء الأول من سلسلة اللقاءات، ويتناول “القيادة في زمن الأزمات”. وتركّز هذه الورشة التي تستمر إلى غد الخميس بإدارة الخبيرة نتالي مارون، على تحديد ماهية الأزمات وكيفية نشوئها وتطوّرها والتخطيط لمواجهتها والتنظيم للوقاية منها، إضافة إلى مبادئ إدارة الأزمة وتقنياتها، وتعزيز قدرة القياديين على التواصل في أوقات الأزمة.
أما الورشة االثانية فتقام في 18 و19 آذار المقبل بعنوان “تثبيت الكفايات القيادية: الحزم والذكاء العاطفي”، ويديرها الخبير تييري بولميه. وتركّز هذه الورشة على أهمية الحزم في القيادة ومدى تأثيره على الإنتاجية في العمل، ويكتشف خلالها المشاركون قدراتهم الذاتية على إدارة عواطفهم بما يؤثّر ايجاباً في بناء علاقة ثقة مع الزملاء. كذلك يطوّرون طريقتهم في التعبير عن رأيهم وكيفية الاصغاء إلى آراء الآخرين وصولاً إلى تحقيق التوازن بين المرونة والحزم.
وفي 28 و29 نيسان، تُعقَد الورشة الثالثة، وتتناول “التواصل في زمن الأزمات”، مع الخبير دافيد فروهرايب، وتهدف إلى تنمية قدرات المشاركين على فهم كيفية تعاطي وسائل الإعلام مع الأزمات وتأثير التعاطي السلبي في قدرة المؤسسات على العمل وزعزعة أدائها الداخلي وسمعتها. وسيطّلع المشاركون على عدد من تقنيات التعامل مع الأزمات بشكل ايجابي وتقنيات التواصل في مواجهة المواقف الصعبة.