كتب الإعلامي إبراهيم خليل عواضة
منذ قيام الدولة اللبنانية في اربيعينيات القرن الماضي والسياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة في مقاربتها كل الازمات التي واجهتها، وتعاملت معها كانت سياسات قصيرة النظر وكثيرا عقيمة لم توفر الحلول الناجعة والواقعية .
الامثلة الساطعة على عقم سياسات الحكومات هي بالمئات، إن لم نقل بالآلاف وما أزمات الكهرباء والنفايات والمياه والسياسات الصحية الاستشفائية إلا مثال ساطع على “عقم” سياسات الحكومات اللبنانية القديمة منها والحديثة، والتي تسبّبت ولا زالت بتفاقم أزمات الناس والأزمات المالية والاقتصادية.
في كل دول العالم هناك آليات وخطط ومؤسسات تعمل على دراسة ما يطرأ من أزمات ومشاكل وتعالجها بالشكل المناسب. أما في لبنان، الأمور والأهداف مغايرة لتفكير وأهداف غالبية دول العالم. عندنا الهدف الأول هو مصلحة السياسي، الذي يعتبر نفسه الزعيم، القائد والملهم الذي يمكنه صنع السياسات العامة من دون الحاجة إلى المؤسسات وإلى آراء الخبراء والإستشاريين، هذا الزعيم هو كل هولاء.
ما يحصل في لبنان منذ عشرات السنوات لناحية مقاربة وتعاطي المسؤولين مع قضايا الناس الصعبة، أم البسيطة، أم مع المشاكل العامة المستجدة والتي بقيت حتى الساعة من دون حلول حاسمة. نعم هذا الواقع المزري يعيدنا إلى زمن الأديب اللبناني الكبير الراحل سلام الراسي الذي جسّد ووصف بدقة متناهية من خلال قصة “الكوع” التي كتبها قبل سنوات طويلة واقع أتخاذ القرارت في لبنان والآليّات التي تتبعها السلطة السياسية الحاكمة في معالجة الأزمات والملفات، وصولاً إلى توصيف النتائج التي تكون عادةً كارثية.
ماذا قال الراسي في قصة” الكوع” وأين أوجه التطابق بين ما ورد في هذه القصة وبين سياسات حكام لبنان، خصوصاً في مسألة المطار والكهرباء والطرقات…
كان هنالك كوع ضيّق خطِر كثرت عليه حوادث السيارات. فارتفعَت أصوات احتجاج المواطنين على أعتاب المسؤولين، التي كان يصدر بعدها بيانات عن مدى اهتمام أصحاب الشأن فتتولى درس الموضوع لجنة أو لجان عدة. وذات صباح، أفرغت شاحنات حمولة مواد بناء قرب الكوع وبدأ العمل. ثم جاء أحد كبار المسؤولين في موكب عظيم ووضع الحجرالأساس ولافتة كُتب عليها “المستشفى الوطني لضحايا الكوع”، وبقي الكوع على حاله .
بعد المزيد من الاصطدامات تقرّر اتخاذ إجراءات جديدة من خبراء ومهندسين، وبوشر أخيراً بناء كاراج فني حديث لإصلاح السيارات المعطوبة، وبقي الكوع على حاله.
وبسب عرقلة السير وتوقّف المسافرين لبعض الوقت، خطر لرجل من قرية مجاورة أن يبني قرب الكوع حانوتاً لبيع المرطبات، وجاء آخر وبنى مطعماً صغيراً، وبعد ذلك أقدمت جماعة على إنشاء محطة بنزين، وشرع آخرون في بناء فندق وإحدى شركات التأمين على الحياة بنت لها مكتباً متواضعاً، وبقي الكوع على حاله.
ثم بدأ صراع على ملكيّة الكوع بين أهل القرى المجاورة لاستثمار التجارات الرابحة، فبادر رجال الأمن إلى حماية الكوع وتشييد مخفر لتوقيف المشبوهين. وهكذا نشأ مجتمعٌ جديد حول الكوع لحماية التراث الوطني لأن ما تركه الآباء وقف على الابناء، وبقي الكوع على حاله.
أليس ما نشهده الآن على صعيد سلامة الطيران أو في تأمين الكهرباء ما يعيد قصة الكوع الى الأذهان؟.