البنوك اللبنانية مدعوة الى تقديم نتائجها المالية عن العام المالي 2019:

خطة تصفير الديون ستُفلَس بعض المصارف الخاصة تمهيداً لتصفية أصولها، ولكن وفق أي سعر صرف؟

الوقت آت حين يُفاضل المصرف المركزي اللبنانيين بين القمح والدواء من جهة أم الكهرباء؟

 بقلم فراس سليم

الرئيس التنفيذي لمؤسسة Virtue  للاستشارات

بيروت، لبنان، 13 يوليو 2020: قدرّت الحكومة اللبنانية في خطتها “الإنقاذية” حجم الخسائر المالية التي مُني بها لبنان بحوالي 241 ألف مليار ليرة، فيما لم تتعد تقديرات هذه الخسائر عتبة المئة ألف مليار ليرة في أسوأ حالتها وفقاً لكل من لجنة المال النيابية ومصرف لبنان وجمعية المصارف. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو المغزى من تضخيم رقم الخسائر في خطة الحكومة؟ ومن منطلق اقتصادي ومالي ومحاسبي، هناك بعض التساؤلات التقنية التي ينبغي الوقوف عندها:

  • هل طبقّت الحكومة المعيار الدولي التاسع لإعداد التقارير المالية IFRS9 في تقديرها لحجم الخسائر المالية للمصارف والذي يضمن الخسائر المتوقعة للمصارف جراء القروض المتعثرة من خلال الضمانات التي يقدمها المستفيد من القرض؟ هذا بإعتبار أن المصارف التجارية اللبنانية مُلتزمة في تطبيق هذا المعيار في ما يتعلق بالتصنيف والقياس للأدوات المالية لناحية توقع الخسائر ونموذج انخفاض القيمة وفي آلية الاحتساب للموجودات والمطلوبات المالية في البيانات المالية أضف الى كيفية تصنيف الموجودات المالية وغيرها.
  • لماذا لم تقدم المصارف اللبنانية الخاصة بعد نتائجها المالية للعام 2019 عملاً بالقواعد المصرفية المعروفة، كما جرت العادة في السنوات السابقة وذلك تعزيزاً لمبدأ الشفافية والحوكمة؟ وما هو سعر الصرف الذي تعتمده في تقييم أصولها راهناً؟
  • لقد أرست لجنة “بازل” معدلاً موحداً لكفاية رأس المال في المصارف من خلال ربط تقييم ملاءة البنوك في مجال المعاملات الدولية بمدى استيفائها لحدود معيار “بازل”. هل المصارف اللبنانية ممتثلة لهذا المعيار؟ ماذا عن ادارة المخاطر في هذه المصارف، هل التزمت بشروط “بازل” للاقراض و70 بالمائة من أصولها المصرفية (Centric Exposure) ذهبت الى جهة مدينة واحدة هي المصرف المركزي؟
  • لماذا تُسابق الحكومة الزمن وتفترض أن المصرف المركزي سوف يتعثّر في سداد إلتزامات الدولة التي ستستحق في العام 2040 وتدرجه تحت بند الخسائر؟ّ!
  • لماذا لم تحتسب الحكومة قيمة الضمانات التي تغطي القروض الممنوحة الى عملاء المصارف الخاصة في تقديرها لحجم خسائر المصارف؟ وما الهدف من إدراج كل هذه القروض بوصفها ديوناً معدومة وبالتالي خسائر، ما يضعف المكانة المالية للمصارف على غير ما هي عليه فعلياً، حيث أن الضمانات المصرفية كفيلة بتخفيض قيمة التعثر.
  • هل يُعقل أن يحتسب موجودات المصرف المركزي وفق سعر صرف 1515 ليرة للدولار، فيما تحتسب خسائره وفق سعر صرف يتجاوز الـ 4000 ليرة؟
  • لماذا الإصرار على شطب الديون أو تصفيرها بالكامل في الخطة الحكومية؟ هل هناك بلد في العالم خال من الديون؟
  • هل هناك نية الى التصفية الذاتية من قبل بعض المصارف الخاصة المتعثرة؟ وإن كان الجواب نعم، وفق أي سعر صرف؟

ثمة أخطاء محاسبية كبيرة في الخطة الحكومية، حيث اختلفت المقاربات واتسمت الخطة بخلل بنيوي من خلال استنداها الى آليات ومفاهيم غير واضحة، اضافة الى مفارقة القيمة الفعلية للخسائر وكيفية تسجيلها  ونسبة توزيعها على كل طرف معني بالخسائر، فبدل مفاوضة حاملي الاسهم والدائنين لاعادة هيكلية الدين، نر الحكومة اللبنانية تخطط الى تصفير الدين السيادي -دون اعلان افلاس-، الأمر الذي يخالف القوانين العالمية والمعايير المحاسبية.

وتشير خطة الإنقاذ الحكومي عن خسائر تكبّدها ‏مصرف لبنان جراء إقراض الدولة لتغطية مصاريفها، في حين أنّ حاكمية المصرف تختلف بمنظورها “المحاسبي” للخسائر وتدرجها تحت بند تكاليف يمكن تغطيها لاحقاً في عمليات مصرفية مستقبلية متسلحة بالمعايير المحاسبية العالمية التي تعتمدها على غرار كل البنوك المركزية في العالم.

وتكمن لبّ المشكلة في كيفية علاج الأزمة المالية في لبنان حقيقة أننا أمام حكومة تريد تصفير ديونها ولو دفترياً لتقليل نسبة دينها تجاه الناتج المحلي الاجمالي لتحظى بموافقة صندوق النقد الدولي على إقراضها ومصرف مركزي يصر بأن جزء كبير من هذه الخسائر هي عمليات ممكن تعويضها مستقبلياً.

وبدل من التركيز على الإصلاح المالي والاقتصادي وسد قنوات الهدر والفساد، تضع الحكومة اللبنانية جهوداً كبيرة لتصفير ديونها “ولو محاسبياً” من خلال عملية الإقتطاع المالي عبر اقتراحها ممارسات غريبة على المشهد المصرفي اللبناني وحتى العالمي. فالحكومة تتطلع في خطتها الى المودعين اللبنانيين وفق نظام الشرائح أو ما يعرف بـ Slab System، حيث أنها ترّفع نسبة الاقتطاع مع ارتفاع قيمة الوديعة!.

ونرى بأن الخطة الإقتصادية الجديدة تطلب أموالاً لقطاعات الاتصالات والكهرباء وإنشاء السدود بعشرات مليارات الدولارات، وهو الأمر الذي لن يخدم في تحويل طبيعة الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي الى اقتصاد منتج، بل على العكس سيزيد من تراكم الدين كما حصل في السابق. وبالحديث عن مؤسسة كهرباء لبنان مثلاً، فإن قيمة العجز تتصاعد حيث يُتوقع أن تصل الى 40 مليار دولار في العام 2020، في حين  كان عجزها لا يتجاوز عتبة الـ 1.2 مليار دولار فقط في العام 1990 أي بعد انتهاء الحرب الأهلية.

إن مثل هذه الممارسات في شطب الديون سيضع القطاع المصرفي اللبناني في مهب الريح. ونضرب مثال على ذلك بأن دولة آسيوية قد قامت فقط بتحويل ودائع مواطنيها بالدولارالى عملتها الوطنية منذ عام 1998، ما “هشّل” المودعين ولا يزال قطاعها المصرفي يعاني من هذه الخطوة حتى يومنا هذا أي بعد مرور 22 عاماً.

وتفقد هكذا خطوات الثقة التي هي أساس أي علاقة بين المصارف والمودعين، في وقت كان القطاع المصرفي يحافظ على معدلات نمو ايجابية لكل الفترة الماضية فيما ضاقت مصادر التمويل أمام الدولة اللبنانية، وارتفعت مخاطرها في كل القطاعات باستثناء هذا القطاع المنتج.

وتنظر الخطة الحكومية الى المودعين على أنهم الحلقة الأضعف، حيث تحرق أية جسور ثقة معهم مستقبلاً وتغفل عن حقيقة أنهم المصدر المستدام لسد عجز ميزان المدفوعات منذ ستينات القرن الماضي. وما من جهة ستعيد ترميم الاقتصاد اللبناني غير المغتربين ومع ذلك هناك اصرار غير مبرر على هدر حقوقهم لرؤية اقتصادية لا تؤمن بالاقتصاد الحر والملكية الفكرية.

وتجدر الإشارة الى انه قد بقي في مصرف لبنان حتى منتصف العام 2020 قرابة 20 مليار دولار أميركي يصنفه المركزي بالإحتياط النقدي بالعملة الصعبة، فيما هو في واقع الحال بقايا أموال المودعين في المصارف اللبنانية. والبنك المركزي اليوم مُطالب -كما درجت العادة- من الدولة اللبنانية بتسديد نفقاتها الشهرية (1200 مليار ليرة لنفقات الرواتب والاجور في القطاع العام -مقارنة بقيمة سنوية لم تتخط الـ 3150  مليار ليرة في العام 1999-) وفاتورتها الشرائية السنوية من القمح ( 150 مليون دولار سنوياً) والدواء (مليار دولار)، والوقود والمحروقات الخاصة بتشغيل قطاع الكهرباء (حوالي 4.4 مليار دولار). وقد يُسعف الانخفاض العالمي لسعر النفط المالية العامة بتحقيق وفورات بقيمة مليار ونصف في حال ظلّت الأسعار العالمية في مسارها المنخفض واتخذت الحكومة اللبنانية القرار بشراء الوقود للعام المقبل وتخزينه.

يأتي هذا في وقت يستهلك لبنان أكثر من ضعف ما ينتج (58 مليار دولار إستهلاك مقابل ناتج محلي إجمالي وصل الى 56 مليار دولار في العام 2018) ويعيد تحويل الى الخارج حوالي 65 بالمائة ما يستقبله (3.5 مليار دولار قيمة تحويلات المغتربين مقابل 1.9 مليار دولار قيمة ما أرسلته اليد العاملة الأجنبية الى عائلاتها خارج لبنان). وهنا اللبنانيين، لسوء الحظ، سيكونون مدعوين في فترة ليست ببعيدة الى المفاضلة بين القمح والدواء من جهة أو الكهرباء، حيث سيتعذر على المصرف المركزي تأمين اعتمادات لهذه النفقات الثلاثة مجتمعة!.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وسام فتوح: إعادة الثقة بالليرة اللبنانية حجر الأساس لتحقيق الاستقرار الاقتصادي

وعملية إعادة الإعمار في سوريا فرصة هامة للبنان أعلن الامين العام لاتحاد المصارف العربية الدكتور ...

النفط يكمل مكاسبه للجلسة الرابعة على التوالي وسط التفاؤل حول حزم الدعم الصينية

بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com تعود أسعار الخام إلى الارتفاع اليوم بعد ...

البيتكوين تواجه صعوبة استكمال المكاسب في موسم العطلات

بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com تعود البيتكوين إلى التراجع الملحوظ اليوم بقرابة 2% ...