بيفاني: علينا أن نكون جاهزين في الأشهر المقبلة لتطبيق تبادل المعلومات
ويجب إقرار القوانين المتعلقة به في أسرع وقت ممكن
نظّم معهد المال والحوكمة التابع للمعهد العالي للأعمال (ESA)و”الجمعيّة اللبنانيّة لحقوق المكلّفين” (ALDIC) والمجلة الضريبية اللبنانية في المعهد العالي للأعمال في بيروت، ندوة بعنوان “فاتكا وغاتكا- لبنان أمام تحديات القواعد الضريبية الدولية الجديدة” بمشاركة مدير المالية العام في وزارة المال آلان بيفاني، ورئيسة وحدة الإمتثال في مصرف لبنان المحامية كارين شرتوني ورئيس الجمعية اللبنانيّة لحقوق المكلّفين المحامي الضريبي كريم ضاهر، وخبيرة التدقيق الضريبي الدولية آنيتا فارتانيان ورئيس مجلس إدارة FFA Private Bank مديره العام جان رياشي. وتولّت رئيسة تحرير المجلة الضريبية اللبنانية سيبيل رزق إدارة الندوة.
وتناولت الندوة تأثير القواعد الضريبية الدولية الجديدة وفق قانون الإمتثال الضريبي على حسابات الأميركيين الخارجية (فاتكا) والنسخة الدولية منه (غاتكا)، على كل من الدولة اللبنانية لجهة إلتزاماتها الدولية والمصارف اللبنانية والمودعين اللبنانيين والأجانب غير المقيمين، وكيفية تعاملهم معها.
بيفاني
وتحدث مدير المالية العام في وزارة المال آلان بيفاني عن “الإلتزامات الدولية الجديدة للبنان وتأثيراتها عليه”، فقال: “ما نراه حالياً ليس هجوماً على لبنان ولا علاقة له بوضع لبنان الاستثنائي إنّما هو يندرج في إطار العولمة وهو نتيجة طبيعية لها”. وأضاف: “ما نحن مقبلون عليه لا يمكن تجنّبه وسيكون علينا عاجلاً التماثل مع وضع ضريبي عالمي جديد”.
وأضاف: “نجونا من إدراج لبنان على اللائحة السوداء لان لبنان بادر الى الانضمام لبنان إلى المنتدى الدولي وتعهد بتطبيق نظام التبادل التلقائي”.
واستعاد تطور المراحل التي افضت إلى انضمام لبنان إلى المنتدى، مشيراً إلى أن قضية وثائق بنما أتت لتسرع انضمام الدول التي كانت مترددة.
وقال إن لبنان التزم التبادل التلقائي للمعلومات وعليه أن يكون جاهزاً له في الأشهر القليلة المقبلة نظراً إلى أن البدء بتطبيق التبادل في أيلول 2018 سيشمل السنة السابقة”. وأضاف: “لكي نتفادى اللائحة السوداء مجدداً علينا أن نحرص قبل ايلول 2016 على الإنتقال إلى المرحلة الثانية (…) وهذا يتطلب خطوات عدة منها توقيع الإتفاق المتعدد الطرف للمساعدة المتبادلة في المجال الضريبي، وإقرار عدد من مشاريع القوانين الجاهزة في أسرع وقت ممكن”.
وقال بيفاني إن الأمينة العامة لـ”المنتدى الدولي” مونيكا باتيا ستزور لبنان في 12 و13 تمّوز المقبل، تليها زيارات تقنيّة في أيلول المقبل.
وشدد على أهمية “عدم إضاعة المزيد من الوقت”، وعلى ضرورة “ألاّ يكون لبنان الأخير في الدخول إلى هذا النظام الدولي”.
وأكد أن “هذا الأمر، خلافاً لما يعتقد البعض، لا يستهدف لبنان كل خاص، فهو بلد صغير بالنسبة إلى الدول الأخرى وحجم قطاعه المالي لا يقارن بدول أخرى”.
وأضاف: “على لبنان أن يتفادى إدراجه على اللائحة السوداء، وأن يتخذ خيار الشفافية ويستعيد مصداقيته”. وتابع: “علينا تنظيم تبادل المعلومات وقوننته لأنّنا إن لم نقم بذلك فهو سيحصل في كلّ الأحوال بطريقة فوضويّة يستحسن تجنّبها ذلك”.
شرتوني
أما رئيسة وحدة الإمتثال في مصرف لبنان المحامية كارين شرتوني، فتناولت عن وجهة نظر مصرف لبنان من الموضوع، وقالت إن “هدف التبادل التلقائي للمعلومات هو للتصدي للتهرّب الضريبي في الخارج”. وأوضحت أن “فاتكا” يستهدف عدم امتثال المواطنين الأميركيّين المكلّفين في حساباتهم الخارجيّة. وأشارت إلى أن مصرف لبنان أصدر التعميم الرقم 897 الذي يطلب فيه من المصارف والمؤسسات المالية وغيرها إجراء العناية الواجبة (due diligence) في شأن “فاتكا” وإبلاغ إدارة الضرائب الأميركيّة (IRS) مباشرة.
وعن مسار تطبيق المعايير من قبل لبنان الذي التزم ببدء تبادل المعلومات اعتباراً من أيلول 2018، اشارت إلى ضرورة “وضع قواعد محليّة للاستحصال على المعلومات وكيفيّة الإبلاغ عنها، وتوفير أداة قانونية تتيح التبادل التلقائي للمعلومات بين أنظمة الدول المختلفة”. وأضافت: “في هذا السياق، مصرف لبنان سيصدر مبادئ توجيهيّة للمؤسّسات الماليّة ليكون لديها الوسائل التقنيّة (IT) اللازمة وكذلك الإداريّة وضمنها الإمكانات البشريّة للالتزام بما يتطلّبه هذا الإجراء من مسار الالتزام بتبادل المعلومات”.
ضاهر
وشرح رئيس الجمعية اللبنانيّة لحقوق المكلّفين المحامي الضريبي كريم ضاهر”الأسباب والغايات التي أدّت إلى نشوء المفاهيم المشتركة للشفافيّة وتبادل المعلومات”.
وذكّر بتاريخ العلاقات الاقتصاديّة الدوليّة من النصف الثاني من القرن العشرين إلى اليوم، إن على مستوى اللاعبين الاقتصاديّين أو على المستوى المؤسّسي بين الدول والمنظمات الدوليّة، عارضاً الدوافع والمسبّبات التي أفضت إلى هذه الموجة من التحقيق الضريبي التي تعمّ العالم راهناً.
وأوضح أن عمليات التهرّب ناجمة في الأساس عن “الضغط الضريبي” في بعض الدول، معتبراً أن وجود “جحيم ضريبي” في الدول المتقدمة المعروفة بضرائبها المرتفعة نظراً إلى تقديماتها الكبيرة لمواطنيها، أدى إلى قيام “جنّات ضريبيّة” للتهرّب من هذه الضرائب. وأشار إلى أن “من نتائج السياسات الضريبيّة المرتفعة (العبء الضريبي) هروب الرساميل وانتقال الشركات، إضافة إلى البطالة وكبح النمو وسوى ذلك”.
وتطرّق ضاهر إلى تطوّر العلاقات الضريبيّة الدوليّة ولاسيّما على مستوى معاهدات تلافي الازدواج الضريبي بين الدول. وبعد شرح لنشأة منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ودورها وكيفيّة الوصول إلى التعاون بين الدول وإيجاد التناغم بين قواعدها الضريبية، ذكّر بأن التعاون بدأ بتبادل المعلومات “عند الطلب”، وتطوّر في العام 2006 إلى تبادل سنوي للمعلومات بين 100 دولة، وصولاً إلى إقرار قانون “فاتكا” في الولايات المتّحدة عام 2010 “والذي أدى دوراً محفّزاً للانتقال إلى التبادل التلقائي للمعلومات الضريبيّة بين الدول”.
ولاحظ ضاهر نقاط تشابه تقنية بمعظمها بين نظامي “فاتكا” و”غاتكا” ، لكنه أوضح أن من أهم نقاط التعارض أنّ “غاتكا” يقوم على علاقات مؤسسية بين الدول، ويأخذ في الاعتبار سيادة الدول وقوانينها وليس مفروضاً من دولة على دول أخرى كـ”فاتكا”. وشرح أن “غاتكا” يسمح بتبادل للمعلومات بين الدول على نحو منصف وعادل، في حين أنّ “فاتكا” يلزم فقط بتقديم المعلومات لصالح الإدارة الضريبيّة الأميركيّة أو مكتب الواردات الداخلية الاميركي (IRS)، إلا في حال وجود معاهدة أو اتفاقيّة ماليّة يتم تبادل المعلومات على أساسها. غير أن “فاتكا” يمتاز عن “غاتكا” بضط سرية المعلومات وبالنطاق المحدود للمعلومات المطلوبة والضرائب المشمولة.
وخلص ضاهر إلى أنّ كثراً في لبنان يعتقدون خطأ أن لا داعي للقلق على سرية أعمالهم ومداخيلهم وحساباتهم، بما أنّ هذا التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية الذي ستكون المصارف اللبنانية ملزمة به اعتباراً من أيلول 2018 وفق نظام غاتكا، لن يطال سوى غير المقيمين في لبنان”. لكنّه ذكّر بأن “هذه المعلومات المتبادلة يمكن في الواقع أن تطال عمليّات حصلت مع مقيمين في لبنان”. وأضاف: “بموجب انضمامها إلى المنتدى العالمي (Global Forum) المسمى “غاتكا” ومبدأ توازي تبادل المعلومات بين الدول سيجد المقيم في لبنان أنّ معلوماته الماليّة العائدة إلى ودائعه وحساباته في الخارج بما في ذلك تلك الإئتمانية (Trust) قد أصبحت لدى الدولة اللبنانيّة التي يمكنها ان تحاسبه ضريبياً بصورة رجعية (ضمن حدود مرور الزمن على حق التدارك) على أي تخلّف عن تسديد الضريبة المتوجبة عليه على عائدات محققة خارج لبنان على رساميله المنقولة “. ورأى أنّ “نظام السريّة المصرفيّة لم يعد قابلاً للحياة وينبغي أن يتحوّل نحو السريّة المهنية (secret professionnel)”.
فارتانيان
وشرحت خبيرة التدقيق الضريبي الدولية آنيتا فارتانيان أحكام “فاتكا” ومتطلباته، موضحة أنه يلزم الأفراد الأميركيين ومنهم أولئك الذين يعيشون خارج الولايات المتحدة، أن يصرّحوا عن الحسابات المالية التي يملكونها خارج الولايات المتحدة، ويلزم كذلك المؤسسات المالية الأجنبية أن تصرّح إلى مكتب الواردات الداخلية الاميركي (IRS) عن زبائنها من المواطنين الأميركيين.
وأشارت إلى أن الفكرة الرئيسية من هذا القانون تتمثل في رصد مواطني الولايات المتحدة، والأجانب المقيمين فيها، وبعض الأجانب غير المقيمين، الذين قد يتهربون من الضرائب الأميركية معبر إيداع أموالهم في حسابات أجنبية، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال بعض الكيانات الأجنبية.
وأشارت إلى أن “فاتكا” يؤثر على الشركات الأميركية العالمية الإنتشار، وعلى الأفراد الأميركيين الذيت يعيشون خرج الولايات المتحدة، لكنّ الوقع الأكبر هو على المؤسّسات الماليّة الأجنبية (FFIs).
ولاحظت أن توقيع المزيد من الدول الأوروبية اتفاقات تبادل معلومات ضريبية مع الولايات المتحدة إضافة إلى تطور “فاتكا” خلال السنوات الأخيرة، يشيران إلى أنه مستمر.
وكشفت أن بعض المؤسّسات الماليّة الأجنبية الصغرى تحدثت علناً عن رغبتها في التخلص من عملائها الأميركيين، ويتم تداول قصص عدة عن مصارف طلبت من هؤلاء سحب ودائعهم أو إغلاق حساباتهم.
وأشارت إلى أن فرض معيار دولي لتحسين التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين الدول سيحد من الملاذات الضريبية ومن التهرّب الضريبي، وسيتيح للدول تحصيل ملايين الدولارات من المداخيل الفائتة من خلال تعزيز جباية الضرائب وتطبيق الغرامات . وخلصت إلى أن “السرية المصرفية لم تعد موجودة، لكنّ السرية المهنية تبقى خياراً قابلاً للاستمرار”.
رياشي
وتحدّث رئيس مجلس إدارة FFA Private Bank مديره العام جان رياشي عن الموضوع من وجهة نظر مصرفي، مشيراً إلى المسألة تفرض “تحدياً تقنياً جديداً للمصارف اللبنانيّة”.
وتحدث عن وسائل تطبيق العناية الواجبة (Due Diligence)، مؤكداً وجوب تحسين أنظمة المعلوماتيّة، واعتماد “الفرز الآلي”، واستخراج المعلومات الشخصيّة الضريبيّة والمعلومات الماليّة إلكترونياً، واعتماد نظام معلوماتي يمكنن ملفات “إعرف عميلك” مع استخراج إلكتروني لها. وأشار إلى ضرورة إعادة النظر في مستند “إعرف عميلك” كي يتم إدخال معلومات فيه ينص عليها نظام “غاتكا”.
وقال إن “المصارف اعتادت على آليات تطبيق نظام “فاتكا” الذي دخل حيّز التنفيذ، ملاحظاً “الكثير من التشابه بين ما يتطلبه “فاتكا” و”غاتكا”.
وأكد أن “ثمة ثقافة جديدة لدى المصارف اللبنانيّة، إذ باتت معتادة على الاستعلام عن عملائها بسبب إجراءات فاتكا، وبات العملاء يتقبّلون إعطاء كلّ المعلومات المطلوبة”.
وتوقّع أن يلجأ كثر من اللبنانيّين المقيمين في الخارج إلى تبديل مكان إقامتهم الضريبي تفادياً للوقوع تحت أحكام نظام “غاتكا”، مما يعزز إمكان عودة الرساميل إلى لبنان.
واعتبر أن “غاتكا” يشكّل “فرصة للبنان” ولكن “بشرط تحديد مبادئ الضريبة على الدخل من الرأسمال المنقول بدقّة وبطريقة منطقيّة، وتحديد مفهوم للمقيم الضريبي يوفر لهذا المقيم استفادة، وإقتراح عفو ضريبي، واعتماد معدلات ضريبية على الموجودات في لبنان تكون أفضل من تلك المعتمدة في الدول الأخرى”.
وكانت الندوة استُهِلَت بلمحتين مقتضبتين الجمعية اللبنانيّة لحقوق المكلّفين وعن “المجلّة الضريبيّة اللبنانيّة”، قدمهما المحامي ضاهر، ورئيس شركة “Mazars” للتدقيق الضريبي جاك سعادة.