نشرة بي دبليو سي الاقتصادية للشرق الأوسط للربع الثاني من 2021
- التعافي الاقتصادي في المنطقة يسير بوتيرة جيدة نسبياً لكنه أقل من متوسط التعافي العالمي
- القطاعات التي تأثرت بشكل كبير مثل السياحة والطيران مازالت تعاني بينما تتسارع وتيرة تعافي قطاع العقارات
- قد تضطر الحكومات الخليجية إلى تغيير استراتيجياتها لزيادة الإيرادات غير النفطية من خلال التحرك نحو نظام عام ولكن منخفض القيمة لضرائب الشركات
في ظل استمرار التحديات التي تفرضها الجائحة على مختلف القطاعات الاقتصادية في المنطقة، تُشير نشرة بي دبليو سي الاقتصادية للشرق الأوسط في إصدارها الأخير إلى بوادر تُبشر بوجود زخم في التعافي الاقتصادي على الرغم من موجة ثالثة من جائحة كوفيد 19 في ربيع هذا العام.
المنطقة تتعافى بوتيرة جيدة نسبياً بعد الركود السريع في 2020
تسببت الجائحة في دخول الاقتصاد العالمي في أسوأ حالة ركود منذ الحرب العالمية الثانية، مما تسبب في انكماش كبير في قطاعات متعددة بالمنطقة. والسبب في هذا الركود يعود في جانب منه إلى الانخفاض الحاد في إنتاج النفط حيث تسببت عمليات الإغلاق والحظر في انخفاض شديد في الطلب. وحتى القطاعات غير النفطية مثل قطاع السفر وقطاع السياحة وقطاع العقارات وقطاع التجزئة وقطاع تجارة الجملة وقطاع التصنيع شهدت جميعاً انكماشاً أعلى من المتوسط العالمي بشكل ملحوظ بفعل تدابير الإغلاق المتنوعة التي اتُخذت في المنطقة وتراجع الطلب العالمي.
وشهدت المنطقة موجة جديدة من الجائحة في فصل الربيع، ولكن ظهرت دلائل تشير إلى أن اقتصاد المنطقة في سبيله إلى تحقيق مستويات ملموسة من التعافي خلال هذه الفترة. وكانت المملكة العربية السعودية أول اقتصاد يُصدر بيانات تُظهر ارتفاع قوي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. كما أظهرت مؤشرات أخرى انتعاشاً في الاستهلاك في جميع أنحاء المنطقة.
التعافي الاقتصادي في الشرق الأوسط قد يكون أقل من المتوسط العالمي
يواصل الاقتصاد العالمي مسيرة التعافي التي تسير بشكل أسرع من المتوقع في مستهل هذا العام حيث من المنتظر الآن الوصول إلى مستويات الإنتاج التي كانت قائمة قبل الجائحة بحلول فصل الخريف. ويعود بطء النمو الإقليمي جزئياً إلى استمرار دول الأوبك بلس في اتباع سياسة التدرج في إنهاء خفض إنتاج النفط، مما أدى إلى تأخر النمو في قطاع النفط عن ركب الاستفاقة التي شهدها القطاع غير النفطي.
وتُشير التوقعات الخاصة بالمنطقة إلى عودتها إلى مستويات إنتاج ما قبل الجائحة في أواسط العام 2022 غير أن بعض دول الخليج مثل العراق والإمارات لن تصل إلى هذه المستويات قبل 2023. ومع ذلك، وصل الطلب على النفط إلى مستويات فاقت التوقعات، مما أدى إلى قفزة في الأسعار وهو ما يعني أن هناك احتمالاً أن تلجأ دول الأوبك بلس إلى زيادة حصص الإنتاج قبل الموعد الذي كان متوقعاً في السابق، وهي الزيادة التي ستسرع، في حالة تنفيذها، من عودة النشاط الاقتصادي إلى مستويات ما قبل الجائحة.
استمرار المعاناة في قطاعي السياحة والطيران وتعافي قطاع العقارات في بعض الدول
عانت بعض القطاعات سريعة التأثر مثل قطاع السياحة والطيران بشدة في ظل تدابير الإغلاق حيث تُشير تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة إلى انخفاض إجمالي مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بواقع النصف تقريباً في 2020. فقد شهدت لبنان انخفاض عدد الزائرين بسبب حظر السفر ليصل إلى الصفر تقريباً مما أدى إلى انكماش هذا القطاع بمعدل أربع أخماس في 2020. وشهدت دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت وليبيا مستويات أقل نسبياً من الانخفاض.
وبعيداً عن السياحة، تأثرت دول الخليج لاسيما الإمارات وقطر بشدة بانهيار مستويات السفر العالمي، إذ سجلت شركات الطيران الإماراتية انخفاضاً كبيراً في أعداد المسافرين مما أدى إلى خسارة تقدر بمبلغ 5,5 مليار دولار. واحتفظت الخطوط الجوية القطرية بأكبر شبكة من الخطوط الجوية خلال الجائحة، لكنها خفضت رحلاتها الأسبوعية إلى أقل من النصف قليلاً.
وفي الفترة نفسها شهد قطاع العقارات صعوبات أكبر في عملية تداول العقارات بسبب إجراءات الإغلاق التي أدت إلى تراجع الطلب في ظل زيادة المعروض في دول الخليج. ولكن تواصل دبي تسجيل انتعاش مستمر خلال هذا العام، بينما بدأت قطر في التعافي حيث شهدت زيادة طفيفة في شهر مارس. وهناك فرص واعدة جداً لتعزيز استفاقة قطاع العقارات بفضل الفعاليات التي من المنتظر إقامتها في البلدين (معرض إكسبو الذي سيبدأ في أكتوبر في دبي وكأس العالم الذي سيبدأ بعد ذلك بعام في قطر). وفي المملكة العربية السعودية أيضاً كان قطاع العقارات أحد أقوى القطاعات خلال الربع الأول، وفي الكويت سجل قطاع العقارات نمواً كبيراً بعد الموافقة على مشروع قانون لتمويل العقارات السكنية.
وعلق ريتشارد بوكسشال الشريك والخبير الاقتصادي الأول في بي دبليو سي الشرق الأوسط على النشرة قائلاً: “لقد مضى أكثر من عام على بداية الجائحة، ويبدو أن “عودة الأمور إلى طبيعتها” دائماً ما تكون على مرمى بضعة أشهر، ولكنها تتراجع بشكل مستمر. ومع ذلك، تُوفر المؤشرات الاقتصادية الرائدة الآن سبباً وجيهاً للاعتقاد بأن الانفراجة صارت قريبة”.
وأضاف ريتشارد “يتسوق سكان المملكة العربية السعودية الآن بمعدلات أكثر تواتراً عما كانت عليه في شهر فبراير. علاوةً على ذلك، تشهد أسعار العقارات في دبي الزيادات الأكثر ثباتاً منذ عام 2014 والتي تعتبر واحدة من المعايير المرجعية لقياس مستوى الثقة الإقليمية. وأشارت جميع مؤشرات مديري المشتريات، التي تعكس نشاط القطاع الخاص، في دول مجلس التعاون الخليجي إلى إمكانات التوسع هذا العام”.
الإصلاحات المحتملة في السياسة العالمية لضرائب الشركات قد تشكل تحديات جديدة
بينما تواصل دول الخليج تعافيها من الانكماش الذي سببته الجائحة، قد تواجه المنطقة تحديات أخرى في المستقبل بسبب الإطار الشامل لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي/ مجموعة العشرين بخصوص تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح الرامية لإصلاح السياسة العالمية لضرائب الشركات. وقد يحمل ذلك تداعيات على دول الخليج التي تمتلك أقل معدلات ضريبية للشركات على مستوى العالم.
واختتم ريتشارد بوكسشال حديثه قائلاً:“سيتوقف تأثير القواعد الجديدة على دول الخليج بشكل كبير على التفاصيل المتفق عليها. فإذا اقتصرت هذه التفاصيل على كبرى الشركات المتعددة الجنسيات فقد لا يحتاج الأمر إلا إلى بضعة تغييرات. وفي الواقع، يمكن لسياسة محدودة النطاق أن تتلاءم مع الجهود المبذولة لزيادة الإيرادات غير النفطية في المنطقة”.