- رغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشكل نحو 14 بالمئة من سكان العالم، لم تسجل المنطقة سوى 8 بالمئة من جرعات اللقاح الممنوحة عالمياً.
- عمال المهن البسيطة والشباب والنساء والعمال المهاجرين هم أكثر الفئات تضرراً بالجائحة، كما الحال بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
- بناءً على مستوى التعافي الاقتصادي ومدى الدعم الذي توفره السياسات المعنية للشركات، قد تضطر 15 إلى 25 بالمئة من الأعمال في المنطقة إما إلى إعادة الهيكلة أو التصفية بالكامل.
عقد صندوق النقد الدولي لجنة نقاش عن مسارات التعافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تزامناً مع إصدار الصندوق لتقريره السنوي ”آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا“، الذي يبين التقدم المحرز في المنطقة في أعقاب الجائحة والسياسات التي قد تساعد في التعافي على نحو أكثر استدامة وشمول للجميع.
وتحدث ضمن لجنة النقاش التي أدارتها بيكي أندرسون من سي إن إن، جهاد عزور، مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لدى صندوق النقد الدولي، وبدر جعفر، الرئيس التنفيذي للهلال للمشاريع، وشريف كامل، عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري.
لقد أحرزت عدة دول في المنطقة وبالتحديد في منطقة الخليج تقدماً ملحوظاً، ولكن بوتيرة غير منتظمة. هذا ما أشار إليه جهاد عزور في حديثه قائلاً: ”منذ بداية هذا العام ودول المنطقة تواصل تقدمها وتعافيها رغم موجات الفيروس الجديدة. بيد أن مستويات التعافي هذه ليست منتظمة ولا مكتملة، لا سيما مع التحديات المستجدة الطارئة، مثل ارتفاع التضخم وعدم تكافؤ الفرص والظروف. بعبارة أخرى، ستحظى البلدان التي تمتلك معدلات تطعيم أعلى ومجالاً أوسع لوضع السياسات والتي تعد أقل اعتماداً على السياحة، بوتيرة تعافٍ أسرع وستكون أقل تضرراً بالجائحة على المدى البعيد، كما أن الدول المصدرة للنفط ستستفيد من ارتفاع أسعار النفط.“
ورغم أن حملات التطعيم قد تسارعت وتوسعت بكثرة في دول الخليج وبعض الدول الأخرى، ما تزال نسبة المطاعيم الممنوحة على مستوى المنطقة تشكل 8 بالمئة فقط من الممنوحة على مستوى العالم مع أن سكان هذه المنطقة يمثلون 14 بالمئة من سكان العالم. وتشتد الأضرار التي خلفتها الجائحة بالتحديد على الشباب والنساء والعمال المهاجرين والشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ أفاد تقرير صندوق النقد الدولي أن 34 بالمئة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت مبيعاتها الأكثر انخافضاً إبان الجائحة، قد نالت صورة واحدة على الأقل من صور الدعم المهيأ من السياسات المعنية، في حين وصلت نسبة الشركات الكبيرة المستفيدة من دعم السياسات إلى 48 بالمئة.
وعلى الرغم من التحديات المستجدة التي تواجهها دول المنطقة في تعافيها من الجائحة، أشار بدر جعفر إلى ظهور توجهات إيجابية جديدة عبر القطاع الخاص. ومع الارتفاع القياسي الشديد في حجم الاستثمارات الرأس مالية في الشركات، ونمو وعي الأعمال وتوجهها نحو تبني مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وضح بدر جعفر تزايد أهمية الأعمال والدور الأشمل الذي تؤديه في تحقيق الأهداف إذ قال: ”يرتفع مستوى الثقة في قطاع الأعمال حول العالم، وأصبحنا نرى في المنطقة توجها مماثلاً لذلك، لا سيما وأن القطاع الخاص أصبح يعتبر شريكاً أساسياً في تحقيق الأهداف الوطنية لدول المنطقة.“
أبرزت الجائحة بكل وضوح أن حكومات العالم قاطبة لن تستطيع التغلب على الصدمات الاقتصادية والتحديات المستجدة لوحدها. وتوضيحاً لذلك، قال بدر جعفر: ”لقد أجبرت الجائحة، بعدة طرق، مختلف القطاعات في جميع أنحاء العالم على التعاون. فحملات التطعيم مثلاً هي نموذج واضح للشراكة الناجحة بين القطاعات العامة والخاصة والمجتمع. وكلي أمل أن تكون التجارب التي مررنا بها جميعاً في السنة والنصف الماضية مصدر إلهام ونموذجاً يحتذى به في تنفيذ الشراكات والتعاون الذي تحتاج إليه المنطقة لتتمكن من التغلب على أشد التحديات التي تواجهها.“
ويتحتم على مجتمع الأعمال أن يكون جزءاً من الحل، إذ أبرز تقرير صندوق النقد الدولي أن من المطالب الأساسية لتحقيق مستويات تعافٍ نوعية وجذرية في المنطقة هو إعادة توجيه دور الحكومات وجهودها بالتركيز على تعزيز الصحة والتعليم، وإنشاء منظومات دعم مجتمعي، وتنفيذ إصلاحات تنظيمية ترفع من مستوى التنافسية وتشجع القطاع الخاص على الابتكار والنمو.
ومن بين التوصيات المتعددة التي قدمها تقرير ”آفاق الاقتصاد الإقليمي“ لواضعي السياسات ضرورة صياغة السياسات المالية بدقة وحذر. فاعتماداً على مستوى التعافي الاقتصادي ومدى الدعم الذي تقدمه السياسات المعنية للشركات، قد تضطر 15 إلى 25 بالمئة من الأعمال في المنطقة إما إلى إعادة الهيكلة أو التصفية بالكامل. لذلك يجب أن يتم سحب الدعم المالي بصورة تدريجية تضمن عدم التسبب بعجز الشركات عن سداد التزاماتها، ما قد يضر بتعافي القطاع الخاص وإمكانيات التوظيف لديه واستقراره المادي.
وإلى جانب ما قدمه صندوق النقد الدولي من دعم فني وتوجيه بخصوص وضع السياسات لأعضائه في المنطقة، قدم الصندوق أيضاً تمويلات تصل إلى 20 مليار دولار أمريكي منذ بداية الجائحة، وخصص حقوق سحب خاصة بقيمة 49.3 مليار دولار تدعم الأصول الاحتياطية الإقليمية وتساعد الدول على إدارة المفاضلات الصعبة التي يواجهونها عند وضع السياسات.
وفي المحصلة، ستضطر العديد من الدول إلى اتخاذ قرارات وإجراء مفاضلات صعبة عند صياغتها للسياسات التي ستقودها نحو التعافي في أعقاب الجائحة. ولكن بالسياسات المحسَّنة والاستثمارات الاستشرافية بعيدة النظر، قد تتمكن دول المنطقة من تحقيق تعافٍ نوعي وجذري، وتستطيع بناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة يتيح فرص النمو والازدهار لجميع الفئات والأفراد.
المصدر: “ايتوس واير”