كتبت د. ليلى شمس الدين
اتخذت قراري بالكتابة وأنا أتابع بدهشة حينًا وبانزعاج أحيانًا، طلب إدارة متجر الـ ABC استبدال زينب كبائعة لا كزبونة بالطبع، بفتاة لا ترتدي الحجاب، لسياستها التي عزتها في بيانها حول الحادثة إلى “عدم إبراز أيّ شعار ديني، أو حزبي أو سياسي لأي فئة انتمى”. وسأترك التعليق لكم حول هذا التبرير الذي أراه غير مقنع ولا منطقيًا لأسباب وأسباب لست في وارد الخوض فيها الآن.
الموضوع يا سادتي، لا أراه موضوع حجاب أو رمز دينيّ، بل هو قضيّة كبيرة يجب أن نثيرها من جوانب متعدّدة. وربّما يعرف كثيرون منّا أنّ هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها في لبنان على الأقل، وهي بالتالي ليست جديدة أو مستجدّة مع الأسف.
وللتصدّي لمثل هذه التصرّفات العنصرية التمييزية من أي جهة أتت ولأي جهة طالت، أرى أنّه يجب تسليط الضوء وبقوّة على مثل هذه القضايا التي أعتبرها أساسية في علاقاتنا الإنسانية. وهنا يُمكن أن نطرح سيلًا من الأسئلة التي توضّح انفعالات الناس المشروعة حينًا والمبالغ فيها أو تلك التي تُثير النقاشات تجاه ما حصل أحيانًا.
أمّا الأمر الذي يعني لي هنا أن أتناوله حقيقةً، هو أنّ زينب اختارت أن ترتدي زيًا معيّنًا فاستبعدت، إذا أردت أن ألطّف التعبير، لأنّها في الحقيقة طُردت كبائعة، بسبب اختيارها للزي الذي ترتديه. استبعدت زينب لا على أساس كفاءتها أو مهاراتها أو قدراتها في إنجاز عملها وفق بروتوكول المتجر.
هنا برأيي يجب أن تتمحور إشكاليّة الموضوع. وقد يعتبر البعض وأنا منهم، أنّ هذه الحادثة قاسية ومجحفة بحق المحجّبات، وهي بالنظرة الأولى قد تصّنف في هذا الإطار، ولكنّي أرى فيها فرصة كبيرة قد تلفت النظر أو قد تُساهم في تغيّر النظرة إلى واقع المحجّبات في بلدنا لبنان.
فالعنصرية يا سادة لا تقتصر على جهة أو فئة، وقد نتفاجأ بكم التمييز العنصري الموجود في مؤسّسات قد نعتبرها بعيدة كل البعد عن مثل هذا السلوك وهذه التصرّفات. أمّا التصدّي لمثل هذه الممارسات التمييزية العنصرية، فيجب أن يكون جليّا وواضحًا، يترك تأثيره وبقوّة على أرض الواقع، ويُثبت بالفعل لا فقط بالقول رفض مثل هذه الممارسات التمييزيّة المقزّزة.
وفي هذه المعمعة، تَبادرَ إلى ذهني أكثر من سؤال حول القضية المُثارة، وجميعها تدور حول التالي: مَن المفروض أن يتأثّر ويرفض ما حصل في حادثة ABC في الأشرفية في لبنان؟
يزداد هاجسي هنا ربما، لأنّنا في لبنان، البلد الذي نتغنّى بتنوّع المعتقدات فيه، ما يوجب علينا أن نرفض وندين ونواجه ونتصدّى لما حصل، في بلد يجب أن تُبنى فيه علاقاتنا على مبدأ احترام الخيارات والمعتقدات والتوجّهات رغم الاختلافات.
المسار يُمكن أن يبدأ، بدعوة مفتوحة للنقاش حول هذا الأمر، دعوة موجّهة إلى كل مهتمّ وكلّ من يجد نفسه معنيًّا بالأمر، سواء اتّفق أم لم يتفّق، مع ما جرى من أي جهة كانت. فالدعوة إلى نقاش مفتوح، من خلال ندوات أو لقاءات أو مؤتمرات تتناول الخوض في مثل هذه القضايا الحسّاسة والمصيرية في آن، قد يكون أمرًا من الأهمية بمكان، علّنا نتعرّف لنرتقي ونسمو بفهم قد يبدو مغايرًا لواقعنا الإنساني في هذا الوطن، كما في هذا العالم الذي وُجدنا فيه.
وكي لا نضيّع البوصلة، اسمحوا لي أن أختم كل ما تقدّم بإشارات سريعة تتناول بعض ما قيل حول هذه القضية. فقد تابعتُ نقاشات دارت حول التنديد باهتمام هذه المراكز التجارية باحتفالات عيد الميلاد في الوقت الذي يرفضون فيه عمل محجّبات. للتوضيح هنا، هذه المراكز التجارية تحتفل بكلّ الأعياد لكلّ الأديان، وهي مستعدّة للاحتفال بعيد إبليس نفسه إذا كانت هذه الاحتفالات تزيد من نسب أرباحها. كما طالت الانتقادات عمل الجمعيات التي تُعنى بقضايا المرأة، المسألة هنا برأيي، لا تتعلّق بتقصير يُعزى إلى الجمعيات التي تُعنى بقضايا النساء على تنوّعها وتعدّدها، من قضايا حضانة الأم لأطفالها، إلى قضايا العنف ضد النساء إلى قضايا منح الجنسية لأولاد المرأة اللبنانية وسواها من القضايا الحسّاسة والمصيرية… فمثل هذه الجمعيات مطالبة بالإضاءة على مشاكل المجتمع، وتناولها لقضية ما، لا يعني بالضرورة التطرّق أو الابتعاد عن قضايا ذات عناوين مغايرة. تبقى القضية الأساس، أن لا نكتفي بالمسار التنديدي وإنّما علينا أن ننحو باتجاه خطوات إجرائية، لعلّنا نحدث تغييرًا إيجابيًا ولو كان خجولاً.