الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
حوّلت نعيمة المجدوبة، خريجة جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، أنماط التطريز الفلسطيني إلى نغمات موسيقية عبر مشروع تخرجها “صوت الخيط”
القصص والحكايات التي رواها لها والديها عن وطنها الحبيب فلسطين، والصورة التي نسجتها في خيالها عن تلك الأرض التي تسري في عروقها رغم أنها لم تزرها يومًا، زرعت لدى نعيمة المجدوبة، خريجة دفعة عام 2022 من جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر، الشغف بفن التطريز الفلسطيني الذي استطاعت قراءة تاريخ وطنها من بين خيوطه.
من هنا تساءلت نعيمة: إذا كان بإمكان الخيوط أن تنسج الحكايات بصورة مرئية، فماذا إن تمكّنا أيضًا من سماع ألحانها؟
استلهمت نعيمة فكرة مشروع تخرجها من حنينها إلى جذورها الفلسطينية، حيث فكّرت في ترجمة فن التطريز الفلسطيني إلى ألحان يمكن الاستماع إليها، باستخدام أنماط مختلفة من التطريز تعود أصولها إلى بلدات مختلفة في فلسطين، لكل منها تاريخها ومعناها الخاص، وتكوين نغمات موسيقية مميزة.
تقول نعيمة: “أردت تكريس هويتي الوطنية في مشروع تخرجي، لأخبر العالم بأسره عن جمال فلسطين وتاريخها العريق وثقافتها التي لا يأتي الإعلام على ذكرها ولو قليلاً. فعندما يُذكر اسم فلسطين، يتبادر إلى الأذهان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين على الفور، وتتحول الأفكار إلى قصص إخبارية عن الحرب والنضال. وفي هذا السياق غالبًا ما تضيع البصمة الثقافية والجمالية القابعة في التقاليد والحرف التاريخية التي تنسج ثقافة فلسطين”.
أردفت: “خلال دراستي تصميم الجرافيك في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، التحقت بفصل دراسي عن الاستكشافات الصوتية لدراسة تركيبات الصوت وكيفية تجميعها، وانطلاقًا من شغفي بالأثواب التقليدية الفلسطينية، قررت أن أجمع بينهما في مشروعي. تعمّقت في البحث في تاريخ أنماط التطريز الفلسطيني، وساعدني والدي على التواصل مع العديد من الحرفيات من فلسطين والأردن، وإجراء مقابلات معهنّ لمعرفة أصول كل نمط وما يعكسه ثقافيًا”.
تابعت: “بعد حصر مختلف أنماط التطريز المرئية، قمتُ بإعادة رسم كل منها غرزة تلو الأخرى عبر تطبيق أبليتون لايف الذي تعرفت عليه أثناء دراستي لاستكشافات الصوت. حيث يقوم التطبيق بتحويل الأنماط المرئية إلى ملفات صوتية يتم تشغيلها بصورة دورية لعدة مرات مع تغييرات طفيفة في تركيبة الآلات الصوتية المُستخدمة. ونظرًا لأشكالها الفريدة، والاختلافات الدقيقة بين أنماط التطريز، تميّز كل منهم بلحن وانطباع خاص به”.
ألّفت نعيمة أيضًا كتابها “صوت الخيط” الذي جمعت من خلاله كافة المعلومات التي استقتها من الكتب والمقابلات التي أجرتها مع النساء اللاتي ورّثن حرفة التطريز عبر الأجيال، حيث يربط الكتاب كلّ نمط بمحل نشأته في مدن فلسطين، ويوضح الخلفية التاريخية والثقافية الفريدة لكل نمط.
تقول نعيمة: “مع عولمة كل شيء في الوقت الحاضر والاستيلاء على هوية الآخر، أطمح من خلال مشروعي إلى الحفاظ على الثقافة الفلسطينية. على سبيل المثال، يمكنك أن تجد هذه الأنماط على بعض العلامات التجارية المعروفة للأحذية، وقد تجد البعض يرتدونها على قمصانهم أو يعلقونها في صورٍ على الحائط، لكن القليل فقط يعلم أنها أنماط فنيّة تعود أصولها إلى فلسطين. وعلى الرغم من أنه لا ضير من استخدامها هنا وهناك، إلا أنني أسعى إلى التأكيد على هويتها الأصلية”.
أردفت: “أريد أيضًا تثقيف جيلنا والأجيال القادمة حول هذه الحرفة التي طالما تم توريثها عبر الأجيال من جدة إلى أم إلى ابنتها، وبسبب انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الناس حريصين على البحث وراء الأشياء ومعرفة أصولها الحقيقية. لذا، آمل أن يساعد هذا المشروع في إبقاء تلك الحرفة على قيد الحياة”.
في إطار سعيها لتوسيع نطاق مشروعها، تعلّمت نعيمة حرفة التطريز الفلسطيني بنفسها، كما أجرت ورش عمل حول مشروعها لزملائها من مختلف المراحل في تخصص تصميم الجرافيك، وتقوم حاليًا بترجمة كتابها إلى اللغة العربية، وتأمل أن يصبح مرجعًا لفن التطريز الفلسطيني، وأن تتمكن من نقل هذا الإرث التاريخي لأطفالها وأحفادها. تقول نعيمة: “أردت أن أصنع شيئًا ملموسًا يمكن للناس الاحتفاظ به، والاستماع إليه، لأننا نتذوّق جماليات الأنماط الفنية عند النظر إليها، ولكن هناك أيضًا صوت لكلٍ منها لا يعرفه أحد. وأعتقد أن الجمع بين العنصر المرئي والمسموع في فن التطريز الفلسطيني يخلق تجربة فريدة تحمل آلاف الحكايات التي لم تُروَ عن تاريخ فلسطين”.
