أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأياً في موضوع عودة النازحين السوريين الى بلدهم تحت عنوان ” من تنظيم الوجود الى تنظيم العودة”
عملاً بقانون إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (رقم288/22 لا سيما المادتان الثانية والثالثة منه )، عقدت الهيئة العامة للمجلس إجتماعها برئاسة الرئيس شارل عربيد، وحضور الأعضاء الواردة أسماؤهم على لائحة الحضور، وأصدرت رأيها بأغلبية (عدد الأصوات) 42 صوتاً في موضوع تنظيم عودة النازحين السوريين إلى بلدهم تحت عنوان: “من تنظيم الوجود الى تنظيم العودة”.
وجاء الرأي وفق النص التالي:
“تحمّل لبنان ولايزال أعباء هائلة ماليَّة واقتِصاديَّة واجتِماعيَّة جرَّاء النُّزوح السُّوريّ منذ العام 2011، وقد تحوّل هذا النزوح عبئا ديموغرافيًّا، وتشنّجًا سياسيًّا، إلى حدّ بدء النقاش في الخطر على الكيان والهويّة.
من هُنا، وبعيدًا عن الشعبويَّة والارتِجال والتَّسييس، وتفاديًا لأيّ استِغلالٍ أو اختِراقٍ، لا بُدَّ من اعتِماد سياسة عامَّة مُتَكامِلة وديبلوماسيَّة مُبَادِرة أساسُها عودة النَّازحين المنظَّمة والواضحة والآمِنة بالتَّعاون مع المفوَّضيَّة السّامية لشؤون اللَّاجِئين(UNHCR) والجانب السوري، مع احتِرام موجبات القانون الدَّولي والدُّستور اللُّبناني الذي في أساسِه رفضُ التَّوطين.
في هذا السِّياق وبعد عمل مهني استشاري قام به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مع ممثّلين عن معظم القوى السياسية، وبمشاركة اختصاصيين، وبعد الاطلاع على استبيان الرّأي بما يتضمنه من تقاطعات، وتمايزات، ونقاط اختلاف، يوصي بإتخاذ بعض الاجراءات التي تتكامل في ما بينها لمعالجة هذا الملف وهي:
الاجراء الاول: الحصول على إحصائيات دقيقة
يقوم على اعتماد المعطيات الرقمية والإحصائية الدقيقة والشفافة لقياس الوضع الحالي للنازحين وانتشارهم على الأراضي اللبنانية، والتي تفيد في شرح التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والوطنية مع الواقع اللبناني في أزمته العميقة التي يعيشها منذ سنوات، بمشكلاته وقدراته، التي باتت تنذر بكارثةٍ على المقيمين، اللبنانيين منهم والنازحين. لذلك يرى المجلس أولوية الخطوات التالية:
- على البلديَّات واتِّحاداتِ البلديات، وبإشراف وزارة الداخلية والبلديات، إطلاق تحديث المسوحات المتوفِّرة مع مسح شامِل لأَعداد النَّازحين السوريين، كلٌّ ضمن نِطاقِها ومسؤوليَّاتِها الجغرافيَّة، وتحديد التاريخ والمناطِق التي وَفَدُوا منها، والوجهة التي يجب، أو يمكن، لهم العودة إليها.
- إنجاز مَسح للقِطاعات كافة، التجارية والصناعية والزراعية وغيرها، التي تحوَّل فيها النَّازح السُّوري الى صاحِب عمل، وتنفيذ موجبات القوانين اللبنانية.
- رصد حالات الدّخول غير الشرعي للنّازحين السّوريّين وضبطها وإنجاز ما يلزم.
- إعداد جداول إسميَّة دقيقة للنَّازحين الممكِنة عودتهم بالأولويَّة وإلى أيّ مناطق، خُصوصًا للذين لا إشكاليَّات حَول عودتِهم، والتسهيل الفوري لتلك العَودة.
- إعداد جداول إسميَّة دقيقة للنَّازحين الذين يواجِهون عراقيل أمام عَودتِهم، وتصنيف هذه العراقيل (أمني، قانوني، اجتِماعي …)، ووضع تصوُّر لتنظيم وضعِهم بالاستِناد إلى القوانين المرعيَّة الإجراء.
الاجراء الثاني: خطوات تنفيذية
حيث أن إجراء المسوحات الشاملة وتحديد الأرقام ومعانيها يشكل المرحلة الأولى لإنجاز عودة النازحين، لا بد من إقران هذه المرحلة بالإجراءات التنفيذية المباشرة والواضحة والضرورية من أجل الوصول إلى الصيغة التي تحول الأفكار من النقاش العام إلى الخطوات العملية، و نقترح التالي:
- إنجاز تصنيف علميّ يميّز العامِل السُّوري من النَّازِح السُّوري، مع دَعوَة وزارة العَمَل لتحديد معايير عمل العمَّال السُّورييّن وضبطها بالتَّدابير اللَّازِمة (إقامة/ إجازة عمل)، بما ينهي حالة المنافسة غير الشرعيّة لليد العاملة اللبنانية.
- إلزام أصحاب العَمَل بالتِزام شروط استِخدام العمَّال السُّورييّن بما يُخفِّف من المنافسة مع الكفاءَات اللُّبنانيَّة.
- تحديد الفئات من النَّازحين السُّورييّن التي يُمكِن تسهيل عودتِها، ووَضع خطَّة عملانيَّة مع جدول زمنيّ دقيق لهذه العَودَة، مع طلب توفير الضمانات القانونيَّة والأَمنيَّة والاقتِصاديَّة والاجتِماعيَّة لَها.
- إعداد دراسة لمشروعاتٍ تنموية بتمويل دوليّ في المجتمعات المضيفة التي تحمَّلت أعباء النزوح.
الاجراء الثالث: جوانب قانونية:
تشكل الإجراءات القانونية الركيزة الثالثة الضرورية لتكامل هذه المهمة مع الضمانات التي تحفظ حق لبنان وحاجات النازحين على حدٍ سواء، وفي هذا الإطار يرى المجلس ضرورة:
- نزع صفة النَّازح عن كُلّ من ينتقل من لبنان إلى سوريا لفترات متواترة.
- إطلاق عملية تسجيل كل الولادات غير المسجلة وفق القوانين المرعية الإجراء لدى سجل الأجانب في الوزارة المختصة، حيث أنه وبعد توقف عملية تسجيل الولادات من النازحين السوريين في لبنان في العام 2015، أصبحت جميع الولادات مكتومة القيد، مما ينبئ بمخاطر قادمة لجهة التجنيس.
الاجراء الرابع: حركة ديبلوماسية
تمثل الديبلوماسية النشطة في هذا الإطار ضرورة لتصحيح المسار ومعالجة التباينات للوصول إلى تحقيق الأهداف المفيدة لجميع الأطراف، وفي هذا السياق نرى:
- معالجة غيُّاب الديبلوماسيّة اللبنانيّة عن الاضطلاع بدورها ووجوب إطلاق مسار إعداد بروتوكول تعاون مع المفوَّضيَّة العُليا لشؤون اللَّاجئين يُحدِّد حقوق وواجبات تعاونها مع الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة، على أن يكون مسار عودة النَّازحين بندًا أساسيًا في هذا البروتوكول.
- إعداد ملف ديبلوماسي متكامل إستعداداً لرفع قضيَّة النُّزوح السُّوري إلى جامعة الدُّول العربيَّة والاتحاد الاوروبي ومجلس الأَمن، تحدِّد من خلاله الأعداد والأعباء ومسارات العَودة، بالتّعاون مع المفوضيَّة العُليا لشؤون اللَّاجئين.
- الطلبً رسميا أن يكون لبنان عُضوًا مراقِبًا في مسار جنيف، لقضيَّة النزُّوح السُّوري.
الاجراء الخامس: في الصحة والبيئة
في ظل وقوف القطاعات الخدماتية اللبنانية على شفير الانهيار، والمحاولات المضنية التي يقوم بها لبنان لوقف هذه الانهيارات وإسعاف قدرات الدولة على النهوض من جديد، تعتبر الخطوات التالية في قطاعي الصحة والبيئة أساسية لتحقيق هذه الرؤية:
- الطلب من الهيئات الدولية دعم القطاع الصحي اللبناني بعد أن فقد معظم اللبنانيين تغطيتهم الاستشفائية، في وقتٍ تؤمن المفوَّضيَّة السّامية لشؤون اللَّاجِئين التغطية الصحية للنازحين.
- الطلب من الهيئات الدولية تقديم الدعم اللازم لتحديث شبكات الصرف الصحي وخفض نسب التلوث. إذ شكلت أعداد النازحين الكبيرة عبئاً كبيرًا على البنية التحتية المتهالكة أساساً.
- معالجة المخاطر التي تهدد البيئة من حيث مصادر المياه والتربة والغابات، وإعادة تأهيل الاراضي الزراعية.
الاجراء السادس: في التربية والتعليم
يعيش هذا القطاع تناقضاً مصيرياً بين أهميته وواقعه. فهو في الوقت نفسه مبعث الأمل بالنسبة لمستقبل لبنان، ومصدر الخطر الأكبر بالنسبة لواقعه الحالي لذلك يرى المجلس:
- الأزمة الاقتصادية في لبنان وجائحة كورونا أفرزتا تعثراً في قطاع التعليم في لبنان. نطالب المجتمع الدولي تقديم الدعم المستدام للنهوض بهذا القطاع لصالح الطالب اللبناني وللنازح ومن دون أن يشكل ذلك سبباً لبقائه على الأراضي اللبنانية.
- إن التباين الأساسي يتعلق بالمناهج التعليمية ودمج الطلاب السوريين مع الطلاب اللبنانيين. لذا لا بد من التفكير في أهداف عملية التعليم والتي يمكن اختصارها في مسألتين:
أولًا تقديم المهارات المطلوبة وجودة المناهج وحداثتها ومواكبتها لتطور العلوم، التي تخول صاحبها من الدخول إلى سوق العمل والمساهمة في عملية الإنتاج.
ثانيا” اعتماد المنهج الوطني، الذي هو مسألة سيادية ذات بعد وطني بامتياز وتكمن أهميته في دور التعليم لتشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الأرث الثقافي.
في المحصّلة، تنطلق هذه الرؤية من توافق أعضاء المجلس ومعظم القوى السياسية اللبنانية والاختصاصيين، لكنها تنبع في العمق من ضرورات مصلحة الشعبين اللبناني والسوري، ومن الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان التي نحرص على الالتزام به.
إن ترك لبنان لوحده يواجه أسوأ أزمة اجتماعية واقتصادية منذ عقود، قد تؤدي إلى انهياراتٍ دراماتيكية تقود الشعبين معاً إلى اللجوء إلى وجهات أخرى.
هذا ما جاء في هذا الرأي لوضع حلٍ شامل لإزمة وجودية، حل توافقي، وطني، أخوي، إنساني وقابل للتنفيذ.