افتتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامه اليوم، “مؤتمر تخفيف المخاطر والعقوبات: من التوعية إلى الحذر” في فندق “فور سيزونز – بيروت، الذي نظمته مجموعة البنك والمستثمر، في حضور نواب الحاكم وحشد من المصرفيين اللبنانين والأجانب.
النملي
وألقت المديرة التنفيذية للمجموعة المنظمة نهلة النملي، كلمة ترحيبية رأت فيها ان “انعقاد المؤتمر السنوي هذا العام ” ونار الحرب والارهاب تلف العديد من دول المنطقة في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر، وتدمر حضارات وانجازات عملت عقول وسواعد الآباء والاجداد على مر قرون وعقود، ونحن عملنا ايضا على متابعتها وتثميرها، لكنها استحالت اليوم الى خراب ودمار. ولم تعد هموم الناس والمسؤولين التنمية والتطوير والتحديث بل كيفية النجاة والخلاص والحفاظ على ما تبقى ليكون ذخيرة للبقاء والاستمرار”.
واضافت: “في هذه المنطقة الملتهبة ينعم لبنان باستقرار أمني لافت، تعزز قبل اشهر بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية بعد شغور امتد لنحو سنتين ونصف، وتشكلت حكومة جديدة هي حكومة استعادة الثقة برئاسة الرئيس سعد الحريري وعادت المؤسسات الى العمل والانتظام والتعاون، وأعدت موازنة العام 2017 واحيلت الى مجلس النواب تمهيدا لاقرارها وذلك للمرة الاولى منذ العام 2005 لنبدأ مسيرة الاصلاح المالي والاقتصادي المنشود وتحفيز النمو الاقتصادي وتوفير الدعم للمؤسسات وخفض الفوائد وزيادة فرص العمل خاصة للفئات الشابة للحد من نزيف الهجرة”.
واكدت أنه “في هذه الورشة الاقتصادية والمالية لمصرف لبنان وللمصارف دور اساسي ومحوري، فمصرف لبنان في ظل قيادة حاكمه رياض سلامه المستمرة منذ العام 1993، لم يتوان عن متابعة الشأنين المالي والمصرفي من خلال آلاف التعاميم والقرارات الجريئة والمبتكرة، فعمل على تأمين الاستقرار المالي والنقدي وعلى تحفيز وتنقية وتطوير القطاع المصرفي واعادة الثقة اليه، بعد سلسلة من الانهيارات والافلاسات حتى وصلنا اليوم، وبالرغم من كل الازمات الاقتصادية والمالية والسياسية، الى استقرار نقدي وقطاع مصرفي قوي وثابت بودائع تقارب ال 150 مليار دولار تشكل دعامة قوية لتوفير التمويل اللازم للدولة وللقطاعات الاقتصادية والانتاجية. فقدت أثبتت الوقائع ان السياسات التي اعتمدها مصرف لبنان لا سيما الهندسة المالية التي نفذها في العام الماضي، كانت سياسات صائبة وحكيمة والمنتقدون لم يطرحوا بدائل ولم يكن لديهم سوى الانتقاد”.
وخلصت الى أنه “نرى اليوم اجماعا وطنيا لبنانيا على تجديد الثقة بسعادة الحاكم لولاية خامسة تمتد حتى العام 2023” .
سلامة
وفي كلمته، أشار سلامة إلى: ” أننا نلتقي في زمن تواجه فيه المصارف والمؤسسات المالية في منطقتنا تحديات منها ما هو ناجم عن الوضع السياسي والأمني ومنها ما هو ناجم عن التغيرات في تقنيات العمل المصرفي نتيجة المعايير المستحدثة. فالحروب القائمة في المنطقة والعقوبات المالية المفروضة على بعض الدول والمنظمات، تدفع بالمصارف العالمية إلى التمادي في سياسة تقليص المخاطر في المنطقة العربية. لا شك أن هذا التشدد الذي يشهده العالم في مجال تطبيق نظم الإمتثال وظاهرة تجنب المخاطر “De-Risking” هو من العوامل الاساسية التي ينبغي التنبه إليها لحماية النظام المالي والمصرفي في منطقتنا”.
وأضاف: “يتابع هذا الموضوع صندوق النقد الدولي ولجنة دولية برئاسة حاكم المصرف المركزي البريطاني. وكان قد جرى اجتماع تطرق خصيصا بهذا الموضوع خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن وذلك في تشرين الماضي. وتبين ان هنالك الكثير من الدول، وخاصة في القارة الافريقية، لم يعد لديها بنك مراسل وأصبحت عاجزة على القيام بتحاويل من واليها، خاضعة، من جراء ذلك، الى ما يتأتى من عواقب على مستوى الحياة فيها وعلى التجارة”.
وتابع: “هذه الظاهرة انطلقت مع العقوبات والغرامات التي فرضتها الحكومات أو الجهات الرقابية على عدة مصارف مراسلة وقد أخذت بالانتشار خلال السنتين الأخيرتين في أوساط المصرفيين العرب وغير العرب نتيجة لاحتمال عدم تمكن المصارف أحيانا من الالتزام بمتطلبات الحيطة والحذر والعناية الواجبة Enhanced Due-Diligence التي تفرضها السلطات الرقابية، مثل التشدد بالحصول على المعلومات الواجبة عن الزبائن (KYC) وغيرها من إجراءات التحقق عن العملاء والعمليات المصرفية والمالية. هنا قد يلجأ المصرف إلى الابتعاد عن بعض الزبائن أو العملاء، أو القطاعات، وقد يفضل عدم التعامل معها وهذا ما يعرف بظاهرة الـ”De-Risking”.
واردف: “لا يمكننا الاكتفاء بمقاربة هذا الموضوع على صعيد السلطات الرقابية أو على صعيد الحكومات في ما بينها لأن المصارف التي دفعت الغرامات (هذه الغرامات بلغت 300 مليار دولار دفعت للخزينة الأميركية) أصبحت تتصرف بشكل فردي وبحسب مصالحها. فمعظم المصارف التي لا تستطيع تحمل كلفة مراقبة أعمال مصرف مراسل لها، في أي بلد أو حتى زبائن لها، أفراد أو شركات، تعتمد ومهما كان رأي السلطات الرقابية أو الحكومات، إقفال حسابات دون تقديم أي مبرر لأن ذلك يتطلب جهدا ومحامين اضافيين في المصرف أي كلفة إضافية. وبالتالي فإن سياسة تقليص المخاطر إن طبقت بطريقة عشوائية ستؤدي حتما الى حرمان فئات كاملة من العملاء وشركات الصيرفة وشركات نقل الأموال وحتى الجمعيات الخيرية وغيرها من الاستفادة من الخدمات المالية الأساسية والمهمة لاستكمال مشاريعها”.
وأشار سلامه إلى ان “هذه السياسات تلقي بثقلها على عملاء التجزئة والعملاء التجاريين مما سيحثهم الى البحث عن خدمات مصرفية بديلة ذات رقابة محدودة وان كانت تحتوي على مخاطر عالية مما يشجع تلقائيا ما يسمى “صيرفة الظل” اي الـshadow banking. كما أن سياسة تقليص المخاطر المبالغ بتطبيقها أحيانا تتعارض مع مبدأ الشمول المالي الذي تدعو اليه المؤسسات الدولية”.
ولفت إلى ان “الحلول بالنسبة إلينا تتمثل بوجود مناخ قانوني ودوائر امتثال. ولكن هذا الأمر ومهما كانت التوجهات التي تأتي من قبل السلطات، لا يمكنه أن يترجم فعليا إذا لم تطالب المصارف المراسلة بتبرير إقفال الحساب بشكل جدي. فإن لم يتواجد واجب قانوني للتبرير سوف تستمر المصارف، لأسباب تجارية أو لأسباب توفير بالكلفة، بسياسة عدم التبرير من دون أن تمهل المصرف الآخر أو الزبون بإقفال حسابه وذلك تحت ذريعة التوقف عن التعاطي التجاري بينها وبينه. ونحن نعتبر أن تطبيق المعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يحمي المجتمعات والاقتصادات والمصارف من مخاطر هذه السياسات، فهذا الامر أولوية بالنسبة إلينا في لبنان، لكونه يعزز سلامة قطاعنا المالي والمصرفي ويحميه من المخاطر لا سيما مخاطر السمعة، علما أن لبنان شريك في الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال، وذلك من خلال مشاركة هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بأعمال المنظمات الدولية”.
وتابع سلامه: “في هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن إقرار مجلس النواب اللبناني لعدد من القوانين، منها قانون الانضمام الى اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لقمع تمويل الإرهاب، وتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وإقرار قانون التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود وقانون تبادل المعلومات الضريبية، كان له وقع إيجابي لدى المنظمات الدولية، ووقع إيجابي على سمعة لبنان وقطاعه المالي والمصرفي، وأيضا على وضعية امتثاله بالمعايير الدولية. وفي اطار تحصين قطاعنا المصرفي والمالي، تم إخضاع شركات تحويل الأموال لمزيد من الإجراءات والموجبات، ومنع إصدار البطاقات المسبقة الدفع في حال لم تكن مرتبطة بحساب مصرفي، ومنع التعامل مع شركات اسهمها لحامله، كما جرى تعديل التعميم الأساسي رقم 83 الصادر عن مصرف لبنان لتعزيز وظيفة الامتثال لدى فروع المصارف والمؤسسات المالية، وأيضا على مستوى مجالس الإدارة”.
وأوضح أن “مصرف لبنان طور، من خلال سلسلة من التعاميم، الهيكلية الإدارية للقطاع المصرفي في لبنان. فقد بادر، ومنذ سنوات، إلى المطالبة بأن يكون لدى المصارف لجان تقيم مخاطر التوظيفات، ولجان تتأكد من الإدارة الرشيدة. كما طالب بأن يكون مجلس إدارة المصرف مطلعا على أعمال المصرف وأن يتألف هذا المجلس من أعضاء مستقلين. كما طالب المصارف بأن يكون لدى مراكزها الرئيسية وفروعها دائرة امتثال تتأكد من شرعية الأموال الداخلة إليها كما استحدث مصرف لبنان أيضا دائرة امتثال لديه بهدف التأكد من شرعية العمليات التي تمر من خلاله بكافة العملات. هذا يجعل من المنظومة المصرفية اللبنانية منظومة حديثة وقابلة للتعاطي دوليا مع المصارف الاجنبية لأن لديها الآلية للتأكد من مصادر الأموال التي تمر عبر المصارف اللبنانية”.
وتابع: “من ناحية ثانية، ان استمرار التعاون والتواصل بين جمعية المصارف والبنوك المراسلة يعزز الثقة بالقطاع المصرفي لدى المصارف المراسلة رغم المخاطر والتحديات الاقليمية والدولية المحيطة بالعمل، وبعمل المصارف المراسلة ذاتها التي تلجأ بدافع متطلبات الـcompliance ومتطلبات الرسملة، الى قطع علاقاتها من خلال سياسة الـ “De-Risking” في العديد من الدول (أميركا اللاتينية، أفريقيا…)”.
وختم سلامه: “ان تحرك جمعية المصارف مع المصارف من جهة، وتحرك مصرف لبنان مع السلطات حالا دون تعرض هذه العلاقة لأي مشكلة، مما حمى لبنان من مخاطر الـ”De-Risking”.
الجلسات
وتخلل الجلسات كلمتين رئيسيتين حول تخفيف المخاطر ودور المصارف، تحدث فيها كل من الدكتور محمد البعاصيري نائب حاكم مصرف لبنان، والبرتو مسلم نائب الرئيس التنفيذي السابق في البنك الإحتياطي الفيدرالي في نيويورك، عن تخفيف المخاطر ودور المصارف”.
كما تحدث في الجلسة الأولى التي تمحورت حول العقوبات المالية العالمية: تغيير المشهد، غراهام ويزنر، كبير المستشارين في مكتب المحاماة Manatt، Phelps & Philips، LLP، ومروان ميخائيل، رئيس قسم البحوث والدراسات – بنك لبنان والمهجر للأعمال.
وتحدث في الجلسة الاخيرة عن دور المنظمين: التجربة اللبنانية، كل من سركيس يوغورتدجيان، المستشار ومساعد المدير العام للاشراف المصرفي والتنظيم في مجلس المحافظين البنك الإحتياطي الفيدرالي في واشنطن وموريس اسكندر، رئيس قسم الاعمال الدولية – البنك اللبناني الفرنسي، وجوسان معلوف، المدير العام لمنطقة الشرق Bank JPMorgan.