افتتح رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ممثلاً بالنائب بهية الحريري الدورة الـ 25 من “منتدى الاقتصاد العربي” (دورة اليوبيل الفضي) في فندق فينيسيا – بيروت. مع مرور ربع قرن على هذا المنتدى الذي انعقد من دون انقطاع منذ دورته الأولى في العام 1993 وحتى اليوم. واكب خلالها تطورات الاقتصادات العربية واستقطب رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء ومحافظي بنوك مركزية وقادة المصارف والشركات من اكثر من 30 دولة.
واستقطب المنتدى مشاركة واسعة لرجال الأعمال والمستثمرين من لبنان ومن عدد من البلدان العربية. الذي تنظمه مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتعاون مع مصرف لبنان والمؤسسة العامة لتشجيع الإستثمارات في لبنان (إيدال) وجمعية مصارف لبنان وإتحادي الغرف اللبنانية والعربية ومؤسسة التمويل الدولية (IFC).
وتناول المنتدى عدداً من المحاور حول:
- آفاق المنطقة في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية متناولاً تداعياتها على المستويين السياسي والاقتصادي وآفاق التسويات السياسية الممكنة في ضوء المتغيرات العالمية وانعكاساتها على المنطقة.
- الرؤى الاقتصادية وتحديات الإصلاح وخلق فرص العمل، حيث يعالج هذا المحور برامج الإصلاح الاقتصادي واعادة هيكلة الدعم والضرائب والتنويع الاقتصادي وسياسات التحفيز.
- آفاق وتحديات الاقتصاد اللبناني في المرحلة الراهنة متوقفاً عند أولويات ومتطلبات النهوض الاقتصادي وتحديد المخاطر الأساسية على الاقتصاد وتطوير بيئة الاستثمار.
- استقطاب التمويل: دور المصارف وأسواق رأس المال حيث تسعى معظم دول المنطقة إلى ترشيد الانفاق العام وتطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة في ظل تراجع معدلات النمو.
الافتتاح
وتحدث في افتتاح المنتدى، ، كل من: النائب بهية الحريري، ووزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس الاتحاد العام للغرف العربية نائل كباريتي، ورئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، ورئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه، والرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي.
النائب الحريري
تحدثت النائب بهية الحريري ممثلة راعي المنتدى الرئيس سعد الحريري منتمية دوام مسيرة نجاح منتدى الاقتصاد العربي. هذه المسيرة التي لاقت كل الدعم من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي آمن بضرورة لم الشمل العربي وتعزيز العلاقات الأخوية بين الدول العربية وتفعيل التعاون فيما بينها، فهو اليوم الحاضر الأبرز بيننا بنهجه وفكره وروحه. وقالت: اجتزنا على الصعيد الداخلي في لبنان مرحلة صعبة عبر انتخاب رئيس للجمهورية وعبر تأليف حكومة استعادة الثقة والتي تمكنت خلال فترة وجيزة من إنجاز العديد من الخطوات واتخاذ قرارات حيوية وأساسية لمصلحة الوطن والمواطن معتمدة على ثقة الشعب اللبناني وعلى الإجماع الوطني من حولها.
وأضافت: خطت الحكومة خطىً ثابتة في طريق استخراج النفط والغاز، كما أقرّت مشروع الموازنة العامة بعد 12 عاماً من غياب الموازنات العامة، واتخذت العديد من القرارات التي تساهم في حماية الاقتصاد الوطني، وقامت بتفعيل علاقاتنا الخارجية الثنائية وبشكل خاص مع الدول العربية الشقيقة بهدف إعادة دور لبنان المحوري على الخارطة الدولية وبين أشقائه العرب بشكل خاص. كما وضعت الحكومة ضمن أولوياتها مهمة استرجاع ثقة المجتمع الدولي بلبنان التي بدأت تظهر نتائجها عبر رفع المؤسسات والمنظمات المالية الدولية للمؤشرات الاقتصادية ولنسب النمو الاقتصادي والاستثماري في لبنان للسنوات المقبلة.
وأضافت: إن منطقتنا تشهد تحديات سياسية وأمنية واقتصادية تؤثر بشكل مباشر على البيئة الاستثمارية فيها وعلى اقتصاد الوطن العربي بشكل عام، والمرحلة الراهنة تتطلب منا كدول عربية زيادة التنسيق فيما بيننا وتفعيل علاقاتنا الأخوية لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية المحيطة بنا وقد حان الوقت للعمل صفاً واحداً في وقت تزداد فيه الحاجة لمساندة بعضنا البعض معتمدين بذلك على كل ما يوحّد صفوفنا ويجمعنا كدول عربية شقيقة لمحاصرة ومواجهة الفكر التكفيري والحركات الإرهابية التي تحاول العبث في منطقتنا عبر سياسة التخريب والتهريب التي تعتمدها.
وتابعت: إنّ الأزمة السورية الراهنة أثرت بشكل مباشر على اقتصاد دول المنطقة، ولعل وطننا لبنان هو من أكثر الدول العربية تضرراً وتأثراً بهذه الأزمة حيث استقبل ولا يزال أكثر من مليون ونصف نازح سوري ولقد قدمت الحكومة كل ما بوسعها لمساعدة الشعب السوري الشقيق في محنته بدافع من الحس القومي والعروبي.
وأضافت: علينا البدء بالتحضير الجدي للمرحلة المقبلة، مرحلة إعمار سورية والعمل على وضع خريطة طريق عربية مشتركة لورشة الاعمار التي يجب أن تبدأ مع العودة المرتقبة للأمن والسلام في سورية. كما إنّ لقاءنا اليوم يكتسب جانباً كبيراً من الأهمية حيث أن منطقتنا تواجه تحديات اقتصادية تحملنا على إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والمالية في عالمنا العربي وتدفعنا نحو القيام بالإصلاحات الضرورية بهدف مجاراة التطورات العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على اقتصاد دولنا العربية خاصة مع حالة الانفتاح الاقتصادي والعولمة التي نعيشها والتي تزداد يوماً بعد يوم. علينا اتخاذ المبادرة واستباق التطورات والأحداث وتهيئة البيئة المناسبة في وطننا العربي لجذب الاستثمارات الأجنبية إليه والتخفيف من وطأة البطالة على الاقتصاد بإيجاد فرص العمل الضرورية لشبابنا العربي لمحاكاة كفاءته وطموحه في مستقبل آمن ومزدهر.
وأضافت: لعل ابرز الأحداث على الساحة الاقتصادية في هذه المرحلة هي عدم استقرار أسعار النفط عالمياً والتي تؤثر بشكل سلبي على اقتصاد بعض دولنا العربية الشقيقة التي تعتمد بشكل أساس على الموارد النفطية ولقد اتخذت قيادات هذه الدول الإجراءات الإصلاحية اللازمة لتفعيل دور القطاع الخاص فيها بهدف تنويع اقتصادها وهنا أدعو القطاعين العام والخاص في عالمنا العربي ورجال الأعمال العرب لتفعيل وتكثيف اللقاءات فيما بينهم والتي من شانها إيجاد فرص استثمارية جديدة وخلق فرص عمل لشبابنا وإنعاش البيئة الاقتصادية في منطقتنا.
الوزير رائد خوري
ثمّ تحدّث وزير الاقتصاد رائد خوري فنوّه بأهمية انعقاد هذا الحدث في الظروفِ الراهنة التي تَمرّ بها الاقتصادات العربيّة. وقال إنّه من المعروف أنَّ الأوضاع الداخليةَ والإقليمية والعالميةَ تَنعكس تلقائياً على النشاط الاقتصادي سواء بشَكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر ما يفرِض على الاقتصادِ الوطني تحدياتٍ متعدّدةٍ ومتنوّعةٍ تحَتِّمُ مواجهتَها بمرونة كافية للتكيُّف مع أصعب الظُروف.
وتابع: أثبت القطاع الخاص في لبنان قدرَتَه على استيعاب المشهدِ السياسي المُنقسم والتأقلمِ مع المعطياتِ التي أثَّرت في الاقتصاد، حتّى ولو كانت معدلات النموّ متدنّية والماكينة الإنتاجيّةُ تعملُ بأقلّ من قُدرتِها الحقيقيّة. وعَليه، تُدركُ الحكومة الحاليّة الوضعَ الصعب الذي يُهدِّدُنا جميعاً. إلا أنَّ ذلك لا يَحُول دون قيامِها بمبادرات لِمجابهةِ التحدّياتِ الدّاخلية لا سيّما منها العجز المُزمن في الماليّةِ العامّة وارتفاعُ معدّلاتِ البَطالةِ والفقرِ وتراجعُ الإنتاجيّة والإنتاج. وبالتالي، فإنّنا نُشدّدُ على ضرورة القيام بمشاريعَ يكون من شأنها إنعاش الاقتصادِ وجعل الحياة أسهل للمواطنين وخفض كلفةِ الإنتاج وتحقيق الاستقرار وضبطُ أوضاعَ الماليّة العامّة.
وأضاف: ألقت الأزمة السوريّة بثِقلِها على الاقتصادِ اللبناني ما أدّى إلى تراجعِ المؤشِراتِ الاقتصاديّةِ الرئيسيّةِ خصوصاً نتيجةَ تآكل البُنية التحتيّة التي باتت التحدّي الأكبر لعدم نموِّ وتطوّرِ القطاعات بدلًا من أن تكونَ المسهلَ للأعمال التجاريّة والاقتصاديّة كما في المجتمعاتِ المتقدّمة. من هنا نرى ضرورةَ وضعِ الإستراتيجية المُناسبة لإشراكِ القطاعِ الخاص في التنميةِ وذلك عبر إقرارِ قانونِ الشراكةِ بين القطاعين العام والخاص انطلاقًا من أهميّةِ الدور الذي يلعبُه هذا الأخير، فهو قادر على تقديمِ الخدماتِ العامة بطريقة أكثر فاعلية وخصوصاً على صعيدِ تطويرِ البُنية التحتية في لبنان، لا سيّما منها قطاع الكهرباء الذي أضحى عبئاً ثقيلاَ على خزينةِ الدولة.
وشدّد أولا على ضرورة رفع حجم الصادرات اللبنانيّة لِلحد من العَجز في الميزان التجاري وذلك من خلال البحثِ في سُبلِ وُلوجِ المُنتجات إلى أسواقٍ جديدة ومُحتملة وتحقيق التنوعِ الاقتصادي في السلعِ والخدمات، ثانياَ السعي إلى توفيرِ بيئةِ أعمالٍ مُواتيةٍ تُشجّعُ النموَّ وتُحفّزُ الاستثمارَ وتُعزّزُ ديناميكيّةَ الاقتصاد وقدرَتَه التنافسيّة وذلك عبر إقرار القوانين ذات الصلة، ثالثاً تعزيز قيام مؤسساتٍ صغيرةٍ ومتوسطةٍ فاعلةٍ وحيويّةٍ نظرًا لمدى قدرتِها على توفيرِ فرصِ عملٍ وعلى تحفيزِ المبادرةِ والابتكارِ وبالتالي جعل اقتصاد لبنان اقتصادًا ذا قيمةٍ مُضافةٍ عاليةٍ. وتأتي هذه الإجراءات إلى جانبِ تحقيق إصلاحات في سوقِ العملِ وفي نظام التعليم بهدف زيادةِ إنتاجيّة العاملين وبالتالي زيادةِ الإنتاج.
رياض سلامة
ثم تحدث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مشيراً إلى أنّ مصرف لبنان يواكب منتدى الاقتصاد العربي منذ انطلاقته حيث بات يشكل حدثاً سنوياً مهماً ومساحة واسعة للحوار. وأضاف: واكب هذا المنتدى كل الأزمات التي مرّ بها لبنان منذ أكثر من عقدين، كما واكب الأزمات الإقليمية والعالمية واستمر صامداً ومبيّناً مناعة تتماشى مع المناعة التي بيّنها لبنان ونظامه النقدي وليرته وستبقى هذه الليرة ركيزة للثقة وللنمو الاقتصادي وللاستقرار الاجتماعي.
وقال: “تعرّفت منذ 24 سنة على الأستاذ رؤوف أبو زكي وبنينا علاقة متينة بين مصرف لبنان ومجموعة الاقتصاد والأعمال بهدف التأسيس لمؤتمر محلي وإقليمي، وحتى دولي يخدم لبنان واقتصاده. كان التحدي كبيراً، إذ كان لبنان في حينه أي في العام 1993 يتعافى من حرب دمرّت وطننا وشرّدت شعبنا، وكانت الدولة اللبنانية تحاول إعادة بناء الدولة والاقتصاد. وكان رئيس الحكومة في حينه، الرئيس رفيق الحريري، يجاهد في إعادة وضع لبنان على الخارطة الإقليمية والدولية وإعادة استقطاب المستثمرين. كان لهذا المنتدى دور في هذه العملية. فقد ساهمنا معا بجعل لبنان مركزا للمؤتمرات. كان الناتج المحلي في العام 1993 لا يفوق العشرة مليارات دولار وأصبح اليوم بحدود الـ55 مليار دولار أميركي. كانت الاحتياطات لدى المصرف المركزي لا تفوق المليار دولار أميركي، وأصبحت تقارب الآن الـ 40 مليار دولار أميركي. كان حجم القطاع المصرفي أقل من عشر ما هو الآن. وكانت الليرة اللبنانية ما قبل 1993 تفقد من قدرتها الشرائية بشكل سريع مؤثرة على مستوى الفقر في لبنان. بعد العام 1993 وبتوجه وطني وحكومي مستمر لغاية اليوم وبهندسات مصرف لبنان، أصبحت الليرة اللبنانية مستقرة. وأدى هذا الاستقرار إلى تعزيز الثقة وانخفاض الفوائد التي كانت تتراوح في حينه بين 14 و16 في المئة وأصبحت اليوم بين 6 و7 في المئة. كما تعززت الثقة الدولية، فشهدنا اهتماما دوليا للتداول بالأوراق المصدرة من الجمهورية اللبنانية. كان هذا المنتدى مرجعا يشهد ويضيء على الإيجابيات ومنبرا للتعبير عن الآراء الاقتصادية وملتقى للأفكار، ونتمنى أن يبقى ويستمر”.
نائل الكباريتي
ثمّ تحدّث رئيس الاتحاد العام للغرف العربية نائل الكباريتي فقال: “إنه لشرف كبير لنا أن نكون دائماً في طليعة المشاركين في هذا المنتدى، وأن نحتفل معكم بمناسبة مرور 25 سنة على انعقاده. تهانينا الحارة وتحياتنا المخلصة إلى مجموعة الاقتصاد والأعمال، التي أثبتت دورها على الساحة الاقتصادية العربية لخدمة الاقتصاد العربي وتنمية الاستثمار. وكان لها بصمات في الأردن وسنتعاون معها في ملتقى عربي – أفريقي، سينعقد في الأردن منتصف أيلول المقبل في عمان”.
أضاف: “يكتسب المنتدى أهمية خاصة لانعقاده في ظل التحديات الكبرى التي تواجه بلدان المنطقة واقتصاداتها. والواقعية تقتضي منا أن نعترف أن النظرة المستقبلية للأوضاع الاقتصادية في العالم العربي مرهونة بالتطورات الأمنية، كما أنها مرتبطة بتطورات سعر النفط في الأسواق العالمية. ورغم المخاطر المحيطة بالعالم العربي والاضطرابات المشتعلة، فإن الآمال قوية بقرب الاستقرار للعبور إلى بر الأمان والانطلاق قدماً بمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن دقة المرحلة تستوجب منا جهدا أكبر لتعزيز مسار العمل العربي المشترك، على الأقل في الجوانب الأساسية المتصلة ببيئة الاستثمار التي يحتاجها القطاع الخاص، وإزالة المعوقات التي تواجهه ليتمكن من الاضطلاع بدوره التنموي المنشود”.
وتابع: “ندرك ونقدر ما يتم تنفيذه من إصلاحات في عدد من الدول العربية، لكننا نأمل ألا تقتصر هذه الإصلاحات على المستوى الوطني، وأن تأخذ بالاعتبار أهمية الترابط بالبعد العربي المشترك لكي تأخذ التنمية مداها ارتكازا على الأسواق العربية المفتوحة. نحتاج لأن تقوم الحكومات العربية بمبادرات جدية لمزيد من التقارب الاقتصادي العربي، ولو على المستوى الثنائي، لإزالة القيود على التجارة عبر الحدود وتسهيل حركة الاستثمارات العربية البينية”.
أما عن حركة الاستثمارات البينية العربية فقال: “نراها مثقلة بعبء الأوضاع وتقطع الأوصال في ظل تصاعد القيود في الدول التي تعاني من الأزمات، بحيث انخفضت التدفقات الخارجية المباشرة إلى المنطقة بنسبة 43 في المئة بين عامي 2010 و2015، كما تراجعت حصة العالم العربي من الإجمالي العالمي للاستثمار من نسبة 5.1 في المئة عام 2010 إلى 2.3 في المئة عام 2015. ولذلك، يبقى التحدي الأساس هو تحسين بيئة الأعمال وتعزيز مرونتها لتواكب الاحتياجات العصرية لاستقطاب الاستثمار، وللقطاع الخاص العربي لتعزيز ديناميكيته وقدراته لقيادة عملية النمو وزيادة خلق الوظائف وفرص العمل الجديدة. وما نحتاجه بالفعل هو تأهيل المنظومة التشريعية العربية لعالم الاقتصاد المعرفي الذي يفتح أمامنا الفرص واسعة لتحقيق النمو النوعي المنشود”.
نبيل عيتاني
ثم تحدّث رئيس مؤسسة (إيدال) المهندس نبيل عيتاني فنوّه بمضي مجموعة الاقتصاد والأعمال في تنظيم هذا المنتدى كل عام رغم كل ما أحاط لبنان من ظروف ومتغيرات منذ اغتيال الرجل الذي أطلق هذه المنصة الاقتصادية، وأراد منها ملتقى سنويا للهيئات الاقتصادية العربية ومنبرا للحوار والتواصل بين مكونات الاقتصاد العربي وقياداته.
وأضاف: “تواجه حكومات الدول العربية وبالأخص دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات عديدة تعيق قدرتها على المحافظة على الاستقرار وعلى نسب مقبولة من النمو الاقتصادي. ولبنان الذي يواجه التحديات نفسها، استطاع، وبفعل تنوع اقتصاده ودينامية قطاعه الخاص وسياساته الانفتاحية المتبعة فيه إضافة إلى تواصله مع مغتربيه في دول الانتشار، استطاع تحييد نفسه عن تداعيات الكثير من الأحداث والتطورات في المنطقة، وإن لم يسلم من جميع تأثيراتها، وهذا ما ساهم في استمرار تحقيق نتائج مقبولة في استقطابه للاستثمار الأجنبي المباشر”.
وتابع: “يكثر الحديث عن تراجع مؤشراتنا الاقتصادية وعن أثرها على الحياة الاجتماعية، ولكن هل هناك من يستطيع ان ينفي حقيقة أن لبنان بقي محافظا على استقراره النقدي والمالي والسياسي والاجتماعي، ما منحه فرصا لتحقيق مستويات جيدة من النمو الاقتصادي ومن استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر؟ يكفي أن ننظر إلى السنوات الماضية، لنرى أننا انطلقنا من استثمار أجنبي مباشر في لبنان يقارب 250 مليون دولار في العام 2001، ليصل إلى 3,2 مليار في العام 2015. واليوم بات هذا الاستثمار يشكل 4,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، ما يؤكد مناعة اقتصادنا والأسس البنيوية القوية التي يتمتع بها”.
وأكّد “أنّ المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان اليوم ومع الانطلاقة الجديدة للبنان، وفي ضوء البيان الوزاري لحكومة اتخذت على عاتقها “تسهيل بيئة العمل الاقتصادي في لبنان وتعزيز دور القطاعات الإنتاجية” وتبذل كل جهد في توفير عناصر النجاح لنمو العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة في لبنان والتي تتمتع بالقابلية للنمو والجهوزية لاستقطاب لاستثمار فيها ومنها الصناعات الغذائية والسياحة الاستشفائية والصناعة التقنية والأدوية والإعلام وأهمها قطاع التكنولوجيا والمعلومات والذي بات يعتبر محركا أساسيا لنمو جميع القطاعات. وهذا القطاع في لبنان بدأ يسجل نسب نمو كبيرة إن من حيث الإنتاج أو من حيث التصدير، وبدأ باحتلال مركز مرموق في الأسواق العالمية”.
محمد شقير
ومن ثمّ تحدّث رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير وقال: “مرة جديدة نلتقي في رحاب هذا المنتدى الجامع والعزيز على قلوبنا، لنحتفل بمرور 25 عاماً على انطلاق منتدى الاقتصاد العربي. هذا المنتدى الذي ترك بصمة كبيرة في قلوبنا وعقولنا لأكثر من سبب وسبب، ولعل أهمها انه كان أول مؤتمر يعقد في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية، حيث كان الجميع يتطلعون إلى استعادة لبنان عافيته ووضعه الطبيعي ودوره خصوصا الاقتصادي في قلب العالم العربي”.
أضاف: “إنه المنتدى الوحيد في المنطقة العربية المستمر لـ25 عاماً بانتظام ومن دون انقطاع، رغم كل التقلبات السياسية والأمنية التي شهدتها بلادنا ومنطقتنا. وهو استقطب خلالها الكثير من القيادات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص، وناقش مختلف القضايا الاقتصادية العربية الأساسية والطارئة. والأهم، أنّ انطلاقة المنتدى في العام 1993 كانت برعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي استمر رئيساً فخريا له حتى استشهاده”.
وتابع شقير: “نحن كهيئات اقتصادية وكقطاع خاص لبناني نفتخر بأن يكون لدينا مؤسسة خاصة مثل مجموعة الاقتصاد والأعمال، تلعب هذا الدور المهم في الشأن العام العربي، لذلك وأمام هذا الجمع المميز نتقدم من مجموعة الاقتصاد والأعمال بالتهنئة على أعمالها المميزة التي يفتخر بها كل عربي. بعد هذا النجاح الذي حققه منتدى الاقتصاد العربي اتفقنا مع مجموعة الاقتصاد والأعمال على خلق شراكة إستراتيجية في ما بيننا لتوفير أفضل السبل لاستدامته وإكمال مسيرته الناجحة وبلوغ أهدافه”.
وأكّد “أنه بعد 25 عاماً، لا يزال المنتدى يشكل حاجة ومطلباً، لأنه من ضمن الأمور القليلة في هذا الزمن التي تعطي الأمل والتفاؤل بالمستقبل، وتعمل على انتاج أفكار جامعة وايجابية ومفيدة تسهم في البناء والتنمية والاستثمار والازدهار وخلق فرص العمل، في وجه كل ما نراه من خراب ودمار وتراجع وتشريد وفقر وبطالة. أما نحن، فعلى الرغم من مرور كل هذه السنوات، ما زلنا نحلم بتكامل اقتصادي عربي، وبسوق حرة مفتوحة، وبإلغاء الحواجز الجمركية، وتسهيل الانتقال والتنقل، وبالربط بين الدول العربية على اختلافه، نعم ما زلنا نحلم بجمع قدرات العرب وطاقاتهم وإمكاناتهم ليشكلوا قوة اقتصادية يحسب لها حساب، يكون مردودها الأول ازدهارا لدولنا ورفاهية لشعوبنا. نعم ما زلنا نحلم بقيادات عربية تعي مصلحة دولها وشعوبها وتعمل بأمانة وإخلاص لتحقيقها، وليس تدمير الأخضر واليابس لمآرب وغايات ومصالح خاصة. في كل الأحوال، سيبقى منتدى الاقتصاد العربي شعلة مضاءة في عالم العرب، مع كل تمنياتنا لمجموعة الاقتصاد والأعمال بمزيد من التألق والنجاح”.
د. جوزف طربيه
ونوّه رئيس جمعية مصارف لبنان د. جوزف طربيه بالمنتدى معتبراً أنّه النجاح الحقيقي المتولد من المبادرة والاجتهاد والمثابرة والصبر. وقال: “العالم يتغير وبسرعة غير متوقعة. هي مرحلة مختلفة تماماً، تنقلب فيها التوجهات الدولية من العنوان العريض للعولمة إلى العنوان الضيق للوطنية، ومن الجغرافيا المفتوحة، الى الانغلاق والجدران المرفوعة. المشهد السياسي الدولي يؤكد هذه الحقيقة، لنراقب بتمعن التطورات في البنى السياسية والتحولات الكبرى في الأمزجة والتوجهات الانتخابية والشعبية من أميركا إلى بريطانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي. هذه نماذج حيّة منفصلة جغرافياً، لكنها تتواصل فيما بينها موضوعاً وتتصل كأحجار الدومينو شكلاً”.
وأضاف: “الاقتصاد العالمي ومراكزه وتكتلاته في وسط المشهد المتغير والعوائق تتكاثر، بشكل لافت، لتحدّ من سهولة الانتقال والنقل عبر الحدود، فما هو إستراتيجي وسياسي قائم أصلاً على البعدين الاقتصادي والاجتماعي. في العالم الاقتصاد يقود السياسة ويوجه أشخاصها وأحزابها. هواجس الإنتاج والثروات والمداخيل والضرائب والتقديمات الاجتماعية تشكل صلب البرامج الانتخابية والعوامل الحاسمة في تحديد توجهات الرأي العام. وستحكم التطورات المقبلة مدى صوابية هذه التحولات الكبرى التي اختارت الشعوب المتقدمة اللجوء إليها، معتقدة أن هذا الخيار يقيها فعلاً شرور الإرهاب والأزمات الاقتصادية والمالية”.
وتابع: “في البعد المحلي، أود أن أعرض بإيجاز أبرز المعطيات التي تخصنا كقطاع مصرفي، وأستطيع أن أؤكد من موقعي، كرئيس لجمعية المصارف في لبنان، أن مؤسساتنا المصرفية ووحداتها الخارجية تحوز موقعاً متقدماً في التزام وتنفيذ الأصول والقواعد المهنية للأعمال المصرفية. هذا يشمل المعايير الخاصة بالملاءة والسيولة وأحدث المتطلبات المحاسبية والرقابية والبرمجية والتكنولوجية. أيضا مؤسساتنا تلتزم وتعتمد أفضل الممارسات في إدارة أعمالها وعملياتها داخل البلد وبلدان الانتشار وفي كل الأسواق الدولية. أغلب مؤسساتنا، ان لم نقل كلها، تملك هوية إقليمية صريحة. تتنوع طبيعتها بين مشاركات في ملكية الأسهم، وإدارة وحدات أو فروع ومكاتب تمثيل في 33 بلداً خارجياً، فضلا عن شبكات علاقات تواصلية مع الجاليات اللبنانية العاملة في الخارج والمغتربة، وشبكات موازية مع مجتمعات الأعمال والمستثمرين في المنطقة”.
وأضاف: “في الإمكانات، تدير مصارفنا أصولا محلية تفوق 206 مليارات دولار، أي ما يماثل نحو أربعة أضعاف الناتج المحلي، وتضخ تمويلات تفوق 95 مليار دولار داخل لبنان وخارجه، منها نحو 60 مليار دولار موجهة للقطاع الخاص، ونحو 36 مليار دولار للقطاع الحكومي. ولدينا قاعدة ترسملية تناهز 19 مليار دولار، مرشحة لمزيد من التقدم في ضوء تعزيز الالتزام بأرقى متطلبات كفاية الرساميل والمعايير المحاسبية الجديدة.هذه الوضعية السليمة وهذه الإمكانات الكبيرة، تعني أن القطاع المصرفي مفخرة للبنان واقتصاده، ومؤهل لقيادة عملية حفز النمو مع تقدم المسار السياسي الداخلي، كما هو مؤهل للعب دور وساطة وتمويل واستشارات في المدى الإقليمي الرحب. تماماً كما كان السباق في دخول الأسواق الخارجية، وكان له الدور الحاسم في منع انحدار الناتج المحلي والحد من الانكماش الاقتصادي وحدّته، بتأثير الإرباكات الداخلية والتداعيات الإقليمية. كذلك في تلبية الحاجات التمويلية للدولة”.
وختم قائلاً: “نحن ندرك جيدا حساسية العمليات المصرفية والمالية، وبالأخص منها التي تجري عبر الحدود. نقوم بالمبادرات الوقائية المطلوبة وننسق كجمعية مهنية مع مصرف لبنان المركزي وكل الهيئات المعنية في السلطة النقدية ونتواصل كذلك مع المصارف المراسلة في الخارج ومراكز القرار المالي العالمي، كما نحرص على التواصل المباشر مع وزارة المال، ومع الحكومة والسلطة التشريعية اللبنانية عند الحاجة. الأساس هو مواءمة التزام القوانين الدولية والسيادية في المجال المالي والمصرفي، مع منظومة التشريعات والتدابير المؤسسية الوطنية. اقتصادنا مدولر وقائم على الاستيراد، أصول المصارف والودائع والتسليفات مدولرة بنسب عالية. في ألأصل ما من مصلحة تتحقق في مخالفة التوجهات الدولية فنحن أصحاب تجربة ناضجة في التعامل مع هذا الموضوع، بما يريح مودعينا والمتعاملين معنا”.
رؤوف أبو زكي
ثمّ تحدّث الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال رؤوف أبو زكي مشيراً إلى أنّ الدورة الـ 25 من “منتدى الاقتصاد العربي” تحمل في طياتها نكهة خاصة نابعة من احتفالنا معاً باليوبيل الفضي، وما تعنيه هذه المحطة من الاستمرار والتصميم على متابعة رسالة مجموعة الاقتصاد والأعمال في الترويج للبنان وللاقتصادات العربية ولفرص الاستثمار فيها وتعزيز التبادل بينها. فأهلاً وسهلاً بكم في هذه المناسبة، التي نستحضر معها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي كان الشريك المؤسّس للمنتدى في العام 1993 وواكب دوراته باستمرار وأصبح الرئيس الفخري له وإلى حين استشهاده”.
وتابع: “المنتدى ينعقد في مرحلة صعبة على مستوى المنطقة، لكنه يحمل بعض التفاؤل للبنان، حيث تم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، على أمل إجراء انتخابات نيابية قريباً وفقاً لقانون توافقي. إلى ذلك، فإن العلاقات مع دول الخليج تحسنت نسبياً ونأمل أن تعود إلى سابق عهدها، مع ما يفترض ذلك من تكثيف للجهود. ومع ذلك، نتوقع موسم صيف جيد في لبنان وأن الأشقاء الخليجين، لاسيما من السعودية والكويت، سيكونون في طليعة المصطافين”.
وأضاف: “عندما نستعرض شريط دورات “منتدى الاقتصاد العربي” منذ انطلاقته، نلاحظ أن هذا الحدث الذي ينعقد سنوياً، واكب تطور الاقتصادات العربية، فعكس سنوات البحبوحة والاستقرار وسنوات الشح والاضطراب. وألقى المنتدى أضواء كاشفة على الاستثمار العربي مناخاً وفرصاً وتحديات، فتحول إلى محطة سنوية في “أجندة” المستثمرين وصانعي القرار الاقتصادي والمالي. لقد كان هذا المنتدى الأول في لبنان بعد الحرب، ولعب دوراً بارزاً في حركة الإعمار والاستثمار. وكما قال سعادة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة: “إن معظم الذين استثمروا في لبنان بعد الحرب كانوا من الذين شاركوا في هذا المنتدى”، فكان هذا المؤتمر ولا يزال ظهيراً للحكومة اللبنانية في سعيها لاجتذاب الاستثمار. وهو المنتدى الأول في المنطقة الذي يتبنى قضية الاستثمار في العالم العربي ويرفع لواءها، ويضع إطاراً يجمع حوله الرؤساء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال والمستثمرين والمصرفيين. وباتت المجموعة عبر هذا المنتدى وما تفرع عنه بمثابة “وزارة تشجيع استثمارعربية”. وهذا المنتدى الأم انبثقت منه ملتقيات عربية وإقليمية في 30 بلداً”.
وقال: “إن احتفالنا باليوبيل الفضي هو من دون شك دليل على الاستمرارية والنجاح. لكن مسيرة الـ 25 عاماً ليست إلا حافزاً للمضي قدماً، وبقدر ما هي وقفة ارتياح، هي أيضاً وقفة تأمل ومراجعة من أجل المزيد من التطوير، وما يزيدنا عزماً، هو أن الظروف التي يعيشها عالمنا العربي تتطلب أكثر من أي وقت، حواراً عربياً وجهوداً كبيرة لمواجهة التحديات. وهو يدفع بمجموعة الاقتصاد والأعمال إلى إعادة هيكلة المنتدى بما يعكس هذه المتغيرات ويسهم في تلبية الحاجات، وسيتم تشكيل مجلس استشاري من أصحاب الخبرة والمعرفة تساعد في بلورة خيارات التطوير، والتي ستتمحور حول مواجهة التحديات الإستراتيجية في البلدان العربية كالبطالة والتنمية والعولمة والتكنولوجيا والاستقرار السياسي والأمني”.