تحليل الأسواق لليوم عن سامر حسن، محلل أسواق وعضو قسم أبحاث السوق في الشرق الأوسط في XS.com
١١ يوليو ٢٠٢٤
يواصل الذهب تقدمه لليوم الثالث على التوالي ويتجاوز مستوى 2400 دولاراً للأونصة في العقود الفورية وكذلك الأمر في العقود الأجلة في بورصة COMEX.
تأتي مكاسب الذهب وسط المزيد من التفاؤل حول إمكانية خفض سعر الفائدة في الولايات المتحدة بعد التباطؤ الأسرع من المتوقع للتضخم ويأتي تصاعد الأعمال العسكرية في الشرق الأوسط وأوكرانيا ليقدم الدعم للمعدن الأصفر للاحتفاظ بمكاسبه.
حيث تباطأ تضخم مؤشر أسعار المستهلك (CPI) من 3.3% إلى 3% في يونيو مقابل التوقعات بانحساره إلى 3.1%. أما على أساس شهري فقد انكمشت الأسعار على نحو غير متوقع بنسبة 0.1% وذلك لأول مرة منذ العام 2022. جاء هذا بضغط من تراجع أسعار الطاقة بنسبة 2%، من بينها أسعار الغازولين التي انخفضت بنسبة 3.8%، على أساس شهري.
هذا الانحسار في التضخم أدى إلى المزيد من الأمل في إمكانية خفض الفيدرالي لسعر الفائدة في سبتمبر المقبل لتصل إلى أعلى المستويات منذ توجه الأنظار إلى هذا الشهر كنقطة البداية نحو مسار أقل تشدداً للسياسة النقدية. حيث تبلغ إحتمالية أن يقوم الفيدرالي بخفض المعدلات بمقدار 25 نقطة أساس أكثر من 76% في سبتمبر، وفق CME FedWatch Tool.
كما أن هذا التباطؤ في التضخم ضغط على عوائد السندات للتراجع عل نحو ملحوظ وقد أوصل العوائد الحقيقة لسندات الخزانة لأجل عشرة أعوام إلى أدنى مستوى منذ بداية يونيو عند 1.197% وهذا ما قد يعزز من مكاسب الذهب أيضاً.
على الجانب الجيوسياسي، فلا تبدو الصراعات الدائرة في أوكرانيا أو الشرق الأوسط على أنها في مسار غير التصعيد أكثر فأكثر، وهذا ما قد يحفظ للذهب بريقه كملاذ أمن.
التفاصيل كثيرة، لكنها فيما أعتقد أنها لا تخدم في النهاية سوا سردية استمرار التصعيد أكثر فأكثر على مختلف الجبهات.
ففي غزة، يبدو أن العمليات العسكرية هناك تتجه إلى جولة جديد خصوصاً في الشمال مع القاء المنشورات التي تنذر بالمزيد من التصعيد. يأتي هذا أيضاً مع الغاء القيود المفروضة على تسليم شحنات القنابل ذات وزن 500 رطل من الولايات المتحدة كانت قد فرضت في مايو الفائت. فيما ان الغاء تلك القيود يأتي بعد سلسلة من العمليات الواسعة في رفح التي أدت إلى إطلاق موجات من التنديد من المجتمع الدولي بما بالضحايا من المدنيين هناك. أما الأن مع رفع القيود – باستثناء تلك على القنابل بوزن 2000 رطل – يوحي أن الولايات المتحدة لا تقدم ما يلزم للضغط باتجاه وقف التصعيد.
اتجاه العمليات العسكرية إلى الاتساع مجدداً في غزة بالتزامن مع عدم التقدم في المسار التفاوضي – على الأقل فيما يبدو علناً – يبقي على فتيل جبهة جنوب لبنان مشتعلاً. يأتي هذا مع تمسك الجانب الإسرائيلي باستمرار العمليات العسكرية حتى تحقيق أهدافها وهو القضاء تماماً على قدرات حماس العسكرية تلبيةً لمطالب اليمين المتطرف وهذا ما لا يبدو واقعياً بالنسبة للقيادة العسكرية هناك ولا حتى لدى الولايات المتحدة.
في المقابل، فقد تحدث David Ignatius في مقال للرأي في The Washington Post نقلاً عن مصادر في الإدارة الأمريكية عن أن أطراف الصراع قد توصلوا إلى “اتفاق حول الإطار العام” ويتقاضون على التفاصيل. في حين نقل Ignatius مخاوف المسؤولين من أن هذا التقدم لا يعني حتمية التوصل لاتفاق نهائي.
في الوقع، فقد تعثرت المفاوضات في السابق على الرغم من بعض التقدم المحرز فيها حينها لنعود بعدها إلى موجات من التصعيد أكبر من السابق. كما لا ننسى الضغط الذي يشكله أقصى اليمين لعرقلة هكذا اتفاق إضافة إلى المماطلة التي قد يقوم بها بنيامين نتنياهو إلى حين العودة المرتقبة لدونالد لترامب للبيت الأبيض وذلك في مراهنة على إطلاق يد إسرائيل في المنطقة بلا أي توبيخ.
هذه الاطالة لأمد الحرب كما ذكرت ستبقي على المخاوف من اشتعال جبهة الجنوب اللبناني وهذه المرة قد تكون على نحو أوسع نطاقاً مما شهدناه في العام 2006 سواء على جانب الأطراف التي ستنجر إلى الصراع بشكل مباشر أو على صعيد القدرات العسكرية لدى حزب الله.
ذلك أن اندلاع حرب شاملة هناك يهدد بجر كل من اليمن وسورية والعراق وإيران بشكل أعمق إلى هذا الصراع وهذا ما قد يهدد في النهاية سلاسل التوريد العالمية العابرة من البحر الأحمر أو حتى خليج عمان. إضافة إلى ذلك، تحدث تقرير في The Washington Post عن تطور ترسانة حزب الله من الذخائر الموجهة وغير الموجهة والتي قد تحمل رؤوس متفجرة تتراوح زنتها ما بين 20 إلى أكثر من 1100 رطل وبمدى قد يصل إلى أكثر من 180 ميلاً ودفاعات جوية تستطيع استهداف الطائرات – المسيرات على الأقل – على ارتفاع 90,000 قدماً إضافة إلى منظومات الدفاع الساحلي. هذه الترسانة المتراكمة عبر عقود تستطيع استهداف العمق الإسرائيلي حتى في تل أبيب وقد تهدد حقول الغاز لديها في المتوسط. عليه، فإن الحرب المحتملة لن تكون محدودة إطلاقاً وهذا ما قد يدفع إسرائيل لجر الولايات المتحدة إلى هذا الصراع بشكل مباشر وإن كانت تمتنع عن ذلك حالياً.
ليس ببعيد كثيراً عن الشرق الأوسط، تستعد الحرب في أوكرانيا لأن تتخذ منحى جديد من التصعيد غير المسبوق. حيث تستعد بعض من دول الناتو لتقدم أول دفعات طائرات F-16 لأوكرانيا. فيما أن هذا النوع من الدعم يعد تجاوزاً للخط الأحمر التي رسمته روسيا وهي بذلك قد ترد على هذه الخطوة بالمزيد من التصعيد غير المسبوق. في حين قد تفرض الدول المانحة قيدواً على المهام الأرضية التي قد تقوم بها تلك الطائرات ومنعها من ضرب العمق الروسي وجعل مهامها تقتصر على الدفاع الجوي قصير المدى فقط، وفق The Wall Street Journal.
خلال الأسابيع الفائتة قامت أوكرانيا باستهداف الداخل الروسي بذخائر متقدمة قدمت لها من الولايات المتحدة وهذا كان خطاً أحمراً كذلك. هذا ما دفع روسيا لتصعيد غير مسبوق وتصريح فلاديمير بوتن بأنه على استعداد للتعاون مع أي جهة سواء معترف أم غير معترف بها دولياً لمواجهة أعدائه إضافة إلى سلسلة من الضربات التي أفقدت أوكرانيا نصف قدرتها على توليد الكهرباء.
أما على الجانب السياسي في منطقة اليورو، فتسود حالة من عدم اليقين خصوصاً بعد نتائج الانتخابات البرلمانية الفرنسية والتي أفرزت واقعاً من الاستقطاب الشديد ما بين التيارات المتناقضة.
عدم اليقين السياسي هناك من شأنه أن يبقي عوائد سندات الإقليم – الفرنسية على وجه الخصوص – محتفظة باتجاهها الصاعد وهذا ما قد يحفظ لليورو بعضاً من قوته أمام الدولار الذي قد يستمر في التراجع وهذا ما بدوره سيصب في صالح الذهب أيضاً.
في حين أن مؤشر الدولار يقع عند أدنى المستويات منذ أكثر من شهر عند 104.81 نقطة وذلك على الأمل المستمر بإمكانية تحقيق خفض لسعر الفائدة هذا العام.
في المقابل من هذا كله، فلا تبدو وول ستريت لا تنجذب بما فيه الكفاية لبريق المعدن الأصفر. فقد تمكن مؤشرا NASDAQ 100 وS&P 500 من الإغلاق عند المزيد من أعلى المستويات التاريخية في إشارة إلى المعنويات وشهية المخاطرة المرتفعة.
إضافة إلى ذلك فتستمر صناديق الذهب المادي الكبرى من تسجيل التدفقات الخارجة ما بين الحين والآخر وخسرت أكثر من 4 مليارات دولار من أموال المستثمرين منذ بداية العام على الرغم من كل ما شهدناه والمكاسب التاريخية للذهب. في المقابل، تحظى صناديق السندات بالمزيد من التدفقات السخية هذا العام بالاستفادة من تدني أسعارها مع العوائد الجذابة للسندات.