تحليل الأسواق لليوم عن سامر حسن، محلل أسواق وعضو قسم أبحاث السوق في الشرق الأوسط في XS.com
١٧ يوليو ٢٠٢٤
بلغ الذهب اليوم المزيد من أعلى المستويات التاريخية في الجلسة الأسيوية بعد تجاوزه 2482 دولاراً للأونصة في حين أن العقود الأجلة في بورصة COMEX قد تجاوزت 2487 دولاراً.
مكاسب الذهب تأتي مع شبه اليقين لدى الأسواق حول إمكانية خفض الفيدرالي لسعر الفائدة في سبتمبر إضافة إلى حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي مع العودة المحتملة لدونالد ترامب للبيت الأبيض.
حيث أن تصريحات الفيدرالي، التالية للتباطؤ الأسرع من المتوقع للتضخم، قد دفعت إلى أعلى المعنويات حول إمكانية خفض سعر الفائدة في سبتمبر وذلك منذ توجه الأنظار إلى هذا الشهر كنقطة بداية المسار الأقل تشدداً للسياسة النقدية.
هذا التفاؤل الشديد قد دفع عوائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام إلى أدنى المستويات منذ منتصف مارس وهو ما يبدو من أهم الدوافع التي تغذي مكاسب الذهب.
فبحسب CME FedWatch Tool تبلغ احتمالية الخفض بمقدار 25 نقطة أساس أكثر من 90% في سبتمبر وكذلك تتوقع الأسواق باحتمالية بأكثر من 50% أن نشهد خفضاً آخر في نوفمبر أو ديسمبر المقبلين.
تحظى مكاسب الذهب بالمزيد من الدعم مع حالة عدم اليقين المرتفعة عالمياً والتي يبدو أن العودة المحتملة لدونالد ترامب تؤججها.
فعلى الرغم من أن عودته إلى البيت الأبيض قد تساهم في تغذية التضخم مع عودة التعرفات الجمركية الثقيلة على البضائع الأجنبية والخفض الضريبي وهذا ما بدوره قد يسبب ضرراً للذهب مع ارتفاع عوائد السندات وبقاء معدلات الفائدة مرفتعة مطولاً، إلا أن التحولات الجوهرية السياسية والاقتصادية لدى عودته قد ترفع من عدم اليقين محلياً وعالمياً، وفق صندوق النقد الدولي (IMF).
فمع التحولات الاقتصادية المرتقبة التي قد تأتي مع ترامب، قد نشهد عودة التضخم للارتفاع في 2025 بحسب الصندوق وهذا قد يبدد توقعات صناع السياسة النقدية بإمكانية إعادة التضخم إلى مستهدفه في 2026. بمعنى آخر، فترة أطول من التشدد النقدي.
هذا الارتفاع في التضخم وخفض الإيرادات الضريبية قد يؤدي إلى اتساع العجز المتفاقم والذي عبر الصندوق عن مخاوفه من ارتفاعه المستدام. هذا التفاقم في العجز قد يدفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع مما سيبطؤ النمو والاستثمار بحسب الصندوق.
أما إذا أخذنا وعود ترامب بشأن الضغط لإزاحة جيروم باول وخفض سعر الفائدة بدافع سياسي أو شخصي بحت فإن هذا سيكون ذو تداعيات كارثية على مختلف الجوانب. من بين أهم هذه العواقب في رأيي هو تدهور الثقة في نظام الاحتياطي الفيدرالي والذي قد يمتد على أسواق النقد بما قد يحي تدفقات أموال المستثمرين نحو الذهب والتي تتجه الأن إلى السندات والأسهم. أضف إلى هذه العواقب إمكانية اشعال التضخم على نحو غير مسبوق بالتزامن مع الخفض الضريبي والتعرفة الجمركية.
فإذا كان الفيدرالي، الذي يستند على البيانات والنماذج الكمية وتقدير المخاطر في اتخاذ قرار تحريك سعر الفائدة، قد أخطأ في تقديره لمسار التضخم سابقاً فكيف لترامب أن يكون أكثر صواباً منه ويعد ببساطة بخفض سعر الفائدة؟ هذا ليس أكثر من خطاب شعبوي نابع من مصالح سياسة ذو عواقب وخيمة. لا ننسى السيناريو التركي في هذا الصدد تحديداً. فحتى رفع سعر الفائدة إلى 50% هناك لم يكن كافياً لكبح التضخم إلى الأن.
تحدث الصندوق أيضاً عن المخاوف من ارتفاع العجز في فرنسا مع التشكيلة الجديدة للبرلمان فيما لا يتوقع أن تؤدي السياسات الجديدة التي سيتم اتخاذها إلى خفض الاقتراض على نحو جوهري.
هذا يأتي بعد عدم اليقين الذي أحدثته نتائج الانتخابات الأخيرة مع حالة الاستقطاب الحزبي الحاد ما بين التيارات المتناقضة للغاية ما بين أقصى اليمين واليسار.
كل هذا يأتي حتى مع المصاعب التي تواجهها كبرى الاقتصادات إلى الأن والتي من شأنها أن تغذي عدم اليقين. ففي الصين، فقد تحدث تقرير في The Washington Post عن الواقع المتدهور لسوق الإسكان في الصين وكيف أنه قد تسبب بمحو قدر هائل من ثروات المدخرين على نحو مستمر إلى الأنحيث الملايين من الشقق الفارغة أو غير المكتملة والتي لا تجد من يشتريها.
حيث تحدث التقرير عن عدم اليقين لدى الأفراد وهو الذي يحجمهم عن الاستهلاك أو الاستثمار. كما سيكون الافراد أكثر ابتعاداً عن شراء المساكن بعد الخسائر المستمرة التي يتعرضون لها مع تراجع أسعار استثماراتهم التي وضعوا بها مدخراتهم.
على الرغم من ذلك، فلا يتوقع أن يحتل دعم سوق الإسكان مكانة بارزة في اجتماع الجلسة الثالثة العامة للحزب الشيوعي الحاكم والذي ينعقد كل خمسة أعوام لبحث القضايا الاقتصادية. في المقابل، في حين أن الهدف الرئيسي لدى الحكومة الأن هو دعم اتجاه الصين لتكون قطباً تكنولوجياً وعلمياً وفق The Post.
حالة عدم اليقين تلك مع خفوت جاذية الاستثمار العقاري قد يجعل الذهب أكثر لمعاناً لدى الأفراد وهو ما قد يدفعهم رفع حيازاتهم من القطع الذهبية وهذا بطبيعة الحال من شانه أن يحفظ للمعدن الأصفر مكاسبه.
هذا الزخم لشراء الذهب لدى الافراد وخصوصاً الشباب ليس جديداً وقد ناقشته عدة تقارير في وقت سابق من هذا العام والذي يأتي مع الحيازات الضخمة لدى بنك الشعب الصيني من السبائك والذي تتقرب الأسواق استئنافها بعد تعليقها تالياً لـ 18 شهراً متتالية من الشراء.
في الشرق الأوسط، فإن استمرار المخاوف من خروج الصراع الدائر هناك عن السيطرة يبقي على مكانة الذهب كملاذ آمن في هذا النوع من الأزمات وذلك مع عدم وجود افق قريب لتسوية الحروب هناك والتي تتزامن مع عدم اليقين الاقتصادي والسياسي عالمياً.
فيما لا يبدو أن الصراع في غزة قد يأخذ أن منعطف نحو تسوية قريبة على الرغم من الاخبار حول تخفيف حماس شروطها بشأن ضمان وقف إطلاق النار المستدام أو مناقشة إسرائيل لانسحابها من المناطق المحاذية للحدود المصرية والتي نقلتها The Wall Street Journal أو التوصل إلى اتفاق حول المبادئ ما بين الطرفين وفق مقال للرأي في The Post الأسبوع السابق.
فبحسب Axios، يتجه بنجامين نتنياهو إلى محاولة اصلاح العلاقة مع دونالد ترامب تمهيداً لعودته إلى البيت الأبيض. هذا يأتي في رهان إلى على تغيير موقف الولايات المتحدة وتوجيه قدر أكبر من الدعم لإسرائيل إضافة إلى وقف الضغوط لتخفيف الأعمال البرية أو حتى الادانات والتوبيخ.
عليه، فإن مسار المفاوضات – الذي لا يحظى بدعم اليمين المتطرف في إسرائيل – قد يشهد المزيد من المماطلة أو التدهور مع رهان نتنياهو على إطلاق يده في الإقليم لدى عودة ترامب. هذا بدوره قد يبقي المخاوف على اشتعال الصراع خارج حدوده الحالية بما قد يصل إلى خارج الاقليم.