“إعلان بكين” يضع الفلسطينيين على مسار الوحدة
ويرسّخ دور الصين كقطب عالمي داعم للأمن والسلام
قال رئيس تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني علي العبد الله أن بكين تمكنت مرة أخرى من ترسيخ دورها كراعية للسلام والأمن الدوليين مع خوض 14 فصيلا فلسطينيا أبرزهم منظمة التحرير وحماس جلسات حوار ناجحة جديدة برعاية صينية مباشرة وتوقيع “إعلان بكين”. ويهدف “الإعلان” إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية الشاملة، وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير لتولّي حكم قطاع غزة بعد الحرب، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، واحترام حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وضمان حق العودة وفقا لقرار الأمم المتحدة 194.
وأضاف: “يأتي هذا الإعلان ليُنهي 14 عاما من الانقسام الفلسطيني، ويقطع الطريق على الخطط الإسرائيلية الهادفة إلى التسبب بمزيد من الشرذمة الفلسطينية وإدخال قوى عسكرية إلى غزة بشكل يخالف رغبة الشارع الفلسطيني. كما يؤسس “إعلان بكين” لمرحلة جديدة من التقارب الفلسطيني في لحظة تاريخية حافلة بالتحوّلات الدولية الخطيرة، وحرب الإبادة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي بحق أهل غزة والضفة الغربية. والأهم أنه يمهّد لعملية توحيد المؤسسات الفلسطينية وإعادة إعمار غزة وإجراء انتخابات عامة. لكن كيف يمكن أن نقرأ معاني “إعلان بكين” على مستويين، الأول فلسطيني، والثاني صيني – دولي مع تزايد مؤشرات ولادة عالم متعدد الأقطاب يُنهي 34 عاما من قيادة الولايات المتحدة لعالمنا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي”.
وحدة الصف الفلسطيني
وتابع قائلا: “لا شك إن “إعلان بكين”، يمثل خطوة باتجاه تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في الوقت الذي يواصل فيه العدو الإسرائيلي ارتكابه المجازر بحق الفلسطينيين. وهذا تطور بالغ الأهمية، باتجاه التغلّب على الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية، وتكوين جبهة أكثر قوة وتضامنا على المستويين السياسي والاجتماعي. وإذا ما نظرنا بشكل أعمق إلى هذه الاتفاقية نرى أنها تؤكد على أهمية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وهذا ما يُكسب الفلسطينيين موقفا دوليا أكثر قوة. من جهة أخرى، بات واضحا أن الفلسطينيين الذي يركزون على وحدة الصف، يريدون التوصل إلى السلام، لكن ليس بأي ثمن، إذ أنهم جميعا يريدون سلاما يحترم الحقوق الفلسطينية وأهمها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ومن هنا نفهم أكثر أهمية رعاية الصين لهذه المصالحة وتحقيق الوحدة وتوفير الأمل المتجدد للتوصل إلى حلول تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقرة ومستقلة”.
وأضاف: “ليس من المبالغة أن أقول إن “إعلان بكين” يقرّبنا أكثر من أي يوم مضى من تشكيل حكومة مصالحة وطنية فلسطينية، وهو ما سيؤدي حكما إلى تحسين نوعية حياة الناس ورفع مناعة الشارع الفلسطيني بوجه الإجرام الإسرائيلي المتواصل. وتاليا، نستطيع القول إن الدور النشط الذي لعبته الصين في التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي، سيوفر مزيدا من الدعم والتضامن مع القضية الفلسطينية التي حاولت إسرائيل طمسها وإخراجها من التداول بالشراكة مع القوى الدولية التي لطالما عرقلت قيام الدولة الفلسطينية. وهذا الأمر سيساعد حتما على زيادة المساعدات الدبلوماسية والاقتصادية إلى الشعب الفلسطيني. كما إن تعزيز الوحدة الفلسطينية وتحسين الحكم، قد يساهما في تأمين ظروف اقتصادية أفضل في الأراضي الفلسطينية، خصوصا من خلال رفع مستوى الاستثمارات والمساعدات الدولية، وخاصة في إعادة إعمار غزة. كما إن تأكيد “إعلان بكين” على حل الدولتين، يتماشى مع القرارات الدولية ويوفر مسارا أكثر وضوحا للمضي قدما في إقامة الدولة الفلسطينية، على الرغم من محاولات التخريب المتواصلة من جانب العدو الإسرائيلي لكل فرص التوصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية. وما وجود 14 فصيلا فلسطينيا ممثلا في “إعلان بكين” سوى ضربة قوية لكل القوى الدولية التي تراهن على الانقسام الفلسطيني، خصوصا وأنها تضفي الشرعية الساطعة والكاملة على القيادة الفلسطينية وتدعم مطالباتها على الساحة الدولية. ويأتي هذا التطور بظل ملاحقة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية للعدو الإسرائيلي وإدانة مجموعة كبيرة من المنظمات الأممية والدولية للإجرام الإسرائيلي”.
وقال: “لا ننسى دور “إعلان بكين” أيضا في الحد من الخلافات الفلسطينية والصراعات الداخلية المضرة بوحدة الصف الفلسطيني، فالإعلان يهدف صراحة وبوضوح إلى الحد من الاقتتال الداخلي وتوفير أسباب الصمود للشعب الفلسطيني. أخيرا وليس آخرا، الشعب الفلسطيني كله سيستفيد حكما من وقوف الفصائل الفلسطينية خلف “إعلان بكين”، لأنه يساهم بتعزيز جهود دعم القضية الفلسطينية على المستوى العالمي، وسيسهّل حشد الدعم والضغط الدولي من أجل القضية الفلسطينية”.
تعزيز الدور العالمي للصين
وتابع فقال: “لقد تمكنت الصين في السنوات الأخيرة من تحقيق تطور كبير على مستوى دورها في الساحة الدولية، ويشكل “إعلان بكين” بين الفصائل الفلسطينية دليلا دامغا على قدرة الصين في مجال الوساطات وحل النزاعات الدولية المعقدة. ويمكننا استعراض تأثيرات هذا الإعلان على الصين من خلال عدة جوانب رئيسية واضحة وضوح الشمس. أولاً، يعكس إعلان بكين زيادة ملحوظة في النفوذ الدبلوماسي الصيني في الشرق الأوسط، خصوصا بعد القمة الصينية – العربية. كما إن “الإعلان” يُظهر قدرة الصين على تحقيق توافق في منطقة تشهد تاريخا طويلا من الصراعات الدموية المعقدة. وهذا النجاح الدبلوماسي يعزز مكانة الصين كقوة فاعلة ومؤثرة في السياسة الدولية، ما يتيح لها دورا أكبر في حل النزاعات الإقليمية والدولية. كذلك، يُسهم هذا الإعلان بتعزيز الصورة الدولية للصين كقوة عالمية مسؤولة وقادرة على إدارة النزاعات الدولية المعقدة. ويعزز هذا النجاح من سمعة الصين أيضا على الساحة العالمية ويظهر قدرتها على تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة، ما يجعلها لاعبا رئيسيا في تحقيق السلام العالمي. ويعزز “إعلان بكين” العلاقات الصينية مع كل الفصائل الفلسطينية وكافة دول الشرق الأوسط الساعية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وهو ما يساهم في تقوية الروابط الإقليمية ويعزز من الشراكات الاستراتيجية العربية الصينية. وهذه الشراكات تفتح الباب أمام فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري في الأراضي الفلسطينية، بما يتماشى مع مبادرة الحزام والطريق الصينية. من جهة أخرى، يعزز “الإعلان” التزام الصين بدعم السلام والاستقرار الدوليين، وهو ما يرسخ مكانتها كلاعب رئيسي في صنع السياسات العالمية باعتبارها قطبا عالميا يتمتع بالمسؤولية. وهو دور لطالما انتظرناه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط العالم المتعدد الأقطاب.
ومن الواضح أن “إعلان بكين” يعكس قدرة الصين على موازنة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهذا يُظهر قدرتها على التفاوض وتحقيق اتفاقيات هامة بشكل مستقل. هذه الخطوة تعزز من دور الصين كقوة مؤثرة في السياسة العالمية وتتيح لها دورا أكبر في تشكيل النظام الدولي الذي يولد اليوم”.
وختم العبد الله قائلا: “لا شك إن الإنجاز الصيني الجديد سيساهم في تقوية موقف فلسطين الساعي إلى تحقيق عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما يمكن أن يزيد من نفوذ الصين الإيجابي داخل المنظمة الدولية. هذا الدعم يعزز من قدرة الصين على التأثير في القرارات الدولية ويساهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الصينية. وأخيرا، يجب علينا التأكيد مرة أخرى، أن “إعلان بكين” يوفر نموذجا ناجحا للوساطة، يمكن تطبيقه في نزاعات وحروب دولية أخرى، مثل الحرب الأوكرانية، ما يشكل تاليا تعزيزا لدور الصين كوسيط عالمي نزيه لا ينحاز إلى طرف دون آخر، ولا يوافق على الهيمنة والضغوط التي تمارسها بعض القوى العالمية على الشعوب الضعيفة من أجل تحقيق مصالح حلفائها”.