تحليل سوق لليوم عن رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
١٠ أكتوبر ٢٠٢٤
شهد مؤشر الداوجونز (US30) ارتفاعًا ملحوظًا ليتداول اليوم الخميس بالقرب من 42490 دولار، وأضاف نسبة مئوية كاملة، بما يعادل أكثر من 450 نقطة، مما يعكس تحولًا صعوديًا في أسواق الأسهم الأمريكية. وهذا التعافي جاء بعد تراجع ملحوظ في بداية الأسبوع، حيث انخفض المؤشر لفترة وجيزة إلى ما دون مستوى 42000. وبرأيي يعكس هذا التحول شهية المستثمرين للشراء، رغم بيانات اقتصادية متضاربة مثل انخفاض مخزونات مبيعات التجزئة لشهر أغسطس، وتلميحات من رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس لوري لوجان بشأن التضخم.
ومن وجهة نظري، يمكن تفسير الارتفاع الذي شهده داوجونز كرد فعل إيجابي لانتعاش الثقة بين المستثمرين، وذلك رغم الظروف الاقتصادية المتقلبة. حيث أن انخفاض مبيعات التجزئة والتي جاءت دون التوقعات، لم يثنِ المستثمرين عن التوجه نحو شراء الأسهم. بل على العكس، يبدو أن السوق قد قرأ هذه البيانات على أنها إشارة إلى استقرار نسبي قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي نحو اتخاذ قرارات سياسية أكثر مرونة. ومع ذلك، هناك تفاوت بين أداء مخزونات السلع غير المعمرة، التي انخفضت بنسبة 0.1%، مقابل ارتفاع مخزونات السلع المعمرة بنسبة 0.3%.
لذا أعتقد أن هذه النتائج المختلطة تعكس اتجاهات استهلاكية متباينة، حيث يفضل الأمريكيون الإنفاق على السلع غير المعمرة مقابل تجنب المشتريات طويلة الأجل. وهذا بدوره يمكن أن يكون مؤشرًا على انعدام الثقة في الآفاق الاقتصادية على المدى الطويل. ومع ذلك، يمكن للمستثمرين اعتبار هذه البيانات بمثابة إشارة على مرونة الاقتصاد، مما يفسر التفاؤل الذي يحيط بالأسواق.
وفي الوقت ذاته، جاءت تصريحات لوري لوجان، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، لتسلط الضوء على التحديات التي لا تزال تواجه الاقتصاد الأمريكي، وعلى رأسها التضخم. لوجان أشارت إلى أن النمو الاقتصادي الذي تجاوز التوقعات يشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار الأسعار، مما يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف حرج بشأن قراراته المتعلقة بأسعار الفائدة.
فرغم التقدم الذي تحقق في خفض معدلات التضخم إلى نحو هدف البنك المركزي البالغ 2%، إلا أن ارتفاع الأسعار في بعض الفئات الرئيسية لا يزال يفوق التوقعات. وهذا يجعلني أعتقد بأن أي خطوات مستقبلية للبنك الفيدرالي ستبقى معتمدة على البيانات الاقتصادية المتاحة، ما يعزز الاتجاه “المعتمد على البيانات” الذي أشار إليه محضر اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية أمس.
كما أن محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لم يقدم جديدًا مفاجئًا، لكنه أكد على ضرورة الاستمرار في الاعتماد على البيانات. وجاءت الدعوات لخفض أسعار الفائدة بنحو 50 نقطة أساس مع وجود آراء متباينة بين أعضاء اللجنة. إذ فضل البعض خفضًا أقل بمقدار ربع نقطة، مثل محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان. وهذا الانقسام الداخلي يعكس حالة من عدم اليقين حول الاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة، ويضع السوق في حالة ترقب لبيانات اقتصادية جديدة قد تؤثر على القرارات في نوفمبر.
في ضوء ذلك، من المتوقع أن يتم خفض الفائدة بنسبة 25 نقطة أساس في نوفمبر، وهو ما يعكس التحسن الذي تشهده الأسواق مؤخرًا. ومع ذلك، فإن هناك نسبة 15% من المتداولين يعتقدون بأن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يقوم بأي تعديل على أسعار الفائدة في هذا الشهر. وهذا الانقسام في التوقعات يعزز من حالة عدم اليقين، حيث يعتمد القرار النهائي بشكل كبير على كيفية تطور البيانات الاقتصادية خلال الأسابيع المقبلة.
وفيما يتعلق بأداء داو جونز، فقد شهدت معظم الأسهم ارتفاعات قوية، حيث صعدت أسهم شركةIBM بنسبة 2%، فيما ارتفعت أسهم نايكي إلى أكثر من 82.50 دولارًا للسهم. هذه الارتفاعات تعكس الثقة المتزايدة بين المستثمرين في قدرة الشركات الكبرى في الاحتفاظ على أدائها الجيد رغم التحديات الاقتصادية. ومع ذلك، لا تزال بعض الشركات مثل بوينج تواجه ضغوطًا بسبب عوامل داخلية مثل الإضرابات المستمرة التي تؤثر على قدرتها على التعافي.
وبصفة عامة، يبدو لي أن الأسواق تتجه نحو استقرار نسبي، لكن هذا الاستقرار مرهون بمدى قدرة الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق توازن بين مواجهة التضخم ودعم النمو الاقتصادي. وفي ظل الاتجاه المعتمد على البيانات الذي أكده محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية، يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت البيانات الاقتصادية القادمة ستدفع البنك المركزي نحو خفض إضافي في أسعار الفائدة، أو ستبقيه في موقف الانتظار والترقب.
من وجهة نظري، يبدو أن سوق الأسهم الأمريكية، وخاصة مؤشر داو جونز، ما زال يمتلك زخمًا إيجابيًا يمكن أن يستمر على المدى القريب. ورغم أن التوقعات الاقتصادية لا تزال ضبابية إلى حد ما، فإن التحولات الأخيرة في السوق تشير إلى وجود ثقة متزايدة بين المستثمرين في قدرة الاقتصاد الأمريكي على تجاوز التحديات الحالية. ومع استمرار الاعتماد على البيانات الاقتصادية، سيبقى داو جونز مرآة تعكس آمال وتوقعات المستثمرين في المستقبل القريب.