بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com
بلغ الذهب المزيد من المستويات القياسية المرتفعة اليوم ولامس بالكاد مستوى 2790 دولاراً للأونصة في حين تجاوزت العقود الآجلة في COMEX لشهر ديسمبر مستوى 2800 دولاراً لأول مرة اليوم.
تأتي مكاسب الذهب على ضوء تسارع الطلب على الذهب كأصل استثماري وذلك وسط عدم اليقين السياسي والاقتصادي والمنسوب الذي لا يزال مرتفعاً للتوتر الجيوسياسي.
شهدنا اليوم تقرير اتجاهات الذهب الربع الثالث من مجلس الذهب العالمي وقد تحدث عن نمو الطلب العالمي بأكثر من 5% على أساس سنوي ليصل إلى أكثر من 1300 طن كما تجاوزت قيمة الطلب 100 مليار دولار لأول مرة. حيث جاء هذا النمو في الطلب للربع الثاني على التوالي على ضوء زيادة الطلب الاستثماري وانتعاش الطلب للمجوهرات وكذلك عودة صناديق الذهب المتداولة لمراكمة السبائك لأول مرة منذ تسعة أرباع متتالية من البيع.
أما على جانب العرض، فمع الزيادة المتتالية للأسعار فقد سجل انتاج المناجم نمواً للربع الثاني على التوالي ليصل إلى 989 طن.
في حين قد انعدم تحوط المنتجين ضد الذهب تقريباً وهذا ما قد يعكس تفاؤلهم حول مستقبل الأسعار التي قد تواصل مكاسبها وهذا ما قد يقلل من رغبتهم في التحوط الذي قد يكون مكلفاً. كما كانت قد نقلت وول ستريت جورنال في مارس السابق عن تراجع الرغبة للتحوط وذلك في مسعى للمنتجين للاستفادة من الاتجاه الصاعد للذهب بشكل كامل، ومن بين هؤلاء هو المنتج الأكبر في العالم Newmont الذي قال للصحيفة أنه لا يتحوط إطلاقاً.
تتعدد العوامل الإيجابية الداعمة للارتفاع الطلب على الذهب وذلك في حين لا يبدو في الأفق القريب اتجاه لإضعاف هذه العوامل.
في الشرق الأوسط، فمع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة نشهد زخماً متزايداً حول محادثات وقف إطلاق النار سواء في لبنان أم غزة. هذه ليست المرة الأولى، حيث سبقتها الكثير من المحاولات السابقة بشأن غزة والتي قالت الإدارة الأمريكية في حينها أن الاتفاق قريب المنال إلا أنه لم يتلوا تلك المفاوضات إلا تفاقم الصراع ليصبح حرباً إقليمية.
حول غزة، والتي يعول على أي اتفاق لوقف الحرب هناك الدفع لتهدئة في عموم الإقليم، فلا تزال المفاوضات جارية هذا الأسبوع بمشاركة من الولايات المتحدة. إلا أنها من غير المحتمل أن تصل حماس وإسرائيل إلى توافق على الشروط على الأقل قبل نهاية الانتخابات في الولايات المتحدة، وفق ما نقلته نيويورك تايمز عن مسؤولين في وقت سابق هذا الأسبوع. حيث قال مسؤول في حماس الأمس أنهم لن يوافقوا على أي اتفاق لا ينطوي على وقف كامل للحرب وانسحاب إسرائيل من القطاع وهذا ما ترفضه الأخيرة بشكل قاطع.
كما نقلت التايمز عن مسؤولين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سينتظر معرفة هوية من سيرأس البيت الأبيض قبل الدخول في مسار دبلوماسي – في إشارة إلى المراهنة على فوز دونالد ترامب لإطلاق يد إسرائيل في الإقليم.
عليه، فإن التفاؤل حول التهدئة لن يكون مبرراً مالم يتم التوقيع بالفعل على اتفاق، بغض النظر عما قد تقوله الإدارة الأمريكية لاحقاً.
أما في لبنان فقد تبدو الصورة متباينة أكثر، فقد تحدث موقع آكسيوس نقلاً عن مسؤولين أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيصل إلى إسرائيل الخميس للمحاولة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في لبنان، وهذا الاتفاق قد يستغرق أسابيع قليلاً – أي بعد الانتهاء من الانتخابات. الجدير بالذكر أيضاً بأن إسرائيل قد تخلت عن مطلب سابق ذو سقف عالي حول السماح في القيام بأعمال عسكرية في لبنان ضد حزب الله حتى بعد وقف الحرب وهذا ما كان ليواجه برفض لبناني قاطع. لكن لا يوجد ما يدل على أي تساهل من تحالف اليمين المتطرف في إسرائيل للدفع نحو اتفاق والقبول بإنهاء الحرب، حيث ينادون باستمرار الأعمال العسكرية ويرفضون أي اتفاق للتهدئة الدائمة.
أما بعد الانتخابات، فسنترقب الجولة المقبلة من الهجمات والهجمات المتبادلة المحتملة ما بين إيران وإسرائيل. حيث أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على منظومات للدفاع الجوي المحيطة بالمنشآت النفطية قد يوحي بنيتها لاستهداف تلك المرافق في الجولة المقبلة وهذا ما قد يدفع إيران لتصعيد هجومها المضاد أكثر بكثير من السابق وتفعيل أكبر لدور حلفائها في الإقليم وعرقلة تدفق الامدادات من مضيق هرمز، وفق ما قاله مسؤولون إيرانيون للتايمز الأسبوع الفائت. هذا من شأنه يبلغ في تأثير الاقتصاد العالمي ككل عبر ارتفاع أسعار النفط وتغذية التضخم.
مع هذا كله، فلا أعتقد أن الإقليم ذاهب في أي اتجاه نحو التهدئة على الأقل في الأفق القريب، مما قد يبقي علاوة المخاطر الجيوسياسية للذهب ويدفعه لمواصلة مكاسبه التاريخية.
أما على الجانب الاقتصادي، فقد بدأت سلسلة أرقام سوق العمل في الولايات المتحدة مع مفاجئة سلبية لأرقام فرص العمل في تقرير JOLTSحيث كانت 7.44 مليوناً في سبتمبر الفائت وهذ ما يمثل أدنى مستوى منذ أكثر من ثلاثة أعوام. فيما كان هذا في مقابل ارتفاع أكبر من المتوقع لثقة المستهلك.
في حين أن هذه الأرقام لم تغير من فرضية قيام الفيدرالي بشكل حتمي بخفض أسعار الفائدة في اجتماعي نوفمبر ديسمبر، إلا أنها قد عززتها بما يخص يناير القادم مع احتمالية بأكثر من 50% أن نشهد خفضاً بربع نقطة مؤية، وفق CME FedWatch Tool.
هذا ما ساهم في عكس الاتجاه الصاعد لعوائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام والتي تستمر في التراجع اليوم بعد أن بلغت أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر مما يفسح المجال أمام الذهب لاستكمال مكاسبه.
أما اليوم ولبقية هذا الأسبوع، نترقب استمراراً لتدفق أرقام سوق العمل والناتج المحلي الإجمالي ومؤشر أسعار الانفاق الشخصي الاستهلاكي الأساسي. في حين أن بروز المزيد من المفاجئات السلبية من شانه أن يعزز الصورة السلبية للاقتصاد الأمريكي ويدفع الذهب نحو المزيد من المكاسب بالاستفادة من حالة عدم اليقين الاقتصادي.
أخيراً، يستفيد الذهب من حالة عدم اليقين السياسي الناتجة عن اقراب الانتخابات في الولايات المتحدة والتي لا تظهر استطلاعات الرأي أرجحية لأي من المرشحين على الأخير. في حين لا تزال كاميلا هاريس متصدرة بفارق بسيط بمقدار 1.4 نقطة مؤية في متوسط الاستطلاعات، وفق FiveThirtyEight. إضافةً إلى أننا نرى الحديث المتكرر حول المخاوف من تفاقم العجز والدين الحكومي سواء فاز ترامب أم هاريس وهذا من شأنه أن يضعف جاذبية الدولار ويشكل عاملاً إيجابياً للذهب.