كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهدت أسعار النفط الخام انتعاشاً ملحوظاً خلال الأيام الماضية لتتداول اليوم الثلاثاء عند 68.65 دولار، مسجلة أكبر مكاسبها في خمسة أسابيع وسط تراجع في قيمة الدولار وتزايد شهية المخاطرة في الأسواق. ومع ذلك، فإن هذا التعافي السريع يثير تساؤلات حول مدى استدامته في ظل مجموعة من العوامل المتناقضة التي تؤثر على التوقعات المستقبلية للنفط. ويعكس هذا المشهد سوقاً معقدة تتأرجح بين تأثيرات اقتصادية وجيوسياسية متباينة، مما يجعل من الصعب توقع الاتجاه القادم للأسعار بثقة مطلقة برأيي.
وعند النظر إلى أساسيات السوق، نجد أن تراجع مؤشر الدولار الأميركي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة قدم دعماً للأسعار. فالضعف في العملة الأميركية يجعل السلع المقومة بالدولار، مثل النفط الخام، أكثر جاذبية للمشترين الدوليين. كما أن المكاسب في أسواق الأسهم، بدءاً من وول ستريت وحتى الأسواق الآسيوية، عكست نبرة إيجابية تجاه المخاطرة، مما وفر دعماً إضافياً لأسواق الطاقة. إلا أن هذه المكاسب تبقى قصيرة الأجل وقد لا تصمد أمام التحديات الأكبر التي يواجهها سوق النفط.
ومن بين هذه التحديات، أعتقد أن المخاوف بشأن الطلب الصيني تأتي في الصدارة. حيث تعد الصين من أكبر مستهلكي النفط في العالم، وأي تراجع في نشاطها الاقتصادي يؤثر بشكل مباشر على توقعات الطلب العالمي. والبيانات الأخيرة أظهرت ضعفاً في الواردات الصينية من النفط وانخفاضاً في معدلات استخدام المصافي، مما يعكس تراجعاً في الطلب المحلي على المنتجات النفطية. وبرأيي يعتبر التحول الهيكلي نحو المركبات الكهربائية واعتماد تقنيات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود يضغطان على الطلب الصيني على المدى الطويل. وفي ظل هذه الظروف، تبدو التوقعات الصعودية للأسعار مقيدة بغياب إشارات واضحة على تحسن النشاط الاقتصادي في الصين.
ومن وجهة نظري، فإن العرض العالمي يشهد أيضاً تطورات قد تضيف المزيد من الضغوط على الأسعار. واستئناف الإنتاج في حقل يوهان سفيردروب النفطي في النرويج بعد توقفه المؤقت أدى إلى تخفيف المخاوف المتعلقة بنقص الإمدادات. وفي المقابل، لا تزال التخفيضات المؤقتة في إنتاج حقل تنجيز بكازاخستان توفر بعض الدعم للأسعار، إلا أن هذه الانقطاعات لا تبدو كافية لتعويض تأثير الإمدادات الوفيرة عالمياً. كما أن توقعات وكالة الطاقة الدولية بوجود فائض يتجاوز مليون برميل يومياً في العام المقبل تضيف إلى الضغوط الهبوطية، خاصة إذا ما قررت أوبك+ زيادة الإنتاج.
أما من الناحية الجيوسياسية، فإن التوترات المستمرة بين روسيا وأوكرانيا تسهم في تعزيز حالة عدم اليقين في الأسواق. وقرار الولايات المتحدة بالسماح لأوكرانيا باستهداف الأراضي الروسية زاد من مخاطر التصعيد، مما قد يدعم أسعار النفط مؤقتاً. ومع ذلك، فإن تأثير هذه التوترات يظل محدوداً طالما لم تحدث تعطلات كبيرة في تدفقات النفط الروسي إلى الأسواق العالمية.
وفي ظل هذه العوامل، يبدو لي أن السوق تواجه سيناريوهات متباينة. فمن جهة، توفر المخاطر الجيوسياسية وضعف الدولار دعماً قصير الأجل للأسعار. ومن جهة أخرى، تقف المخاوف بشأن ضعف الطلب العالمي وتزايد الإمدادات كعقبات رئيسية أمام أي ارتفاع مستدام. لذلك، فإن استمرار الانتعاش في أسعار النفط يعتمد بشكل كبير على تطورات الطلب الصيني والإجراءات المستقبلية التي قد تتخذها أوبك+ لإدارة العرض.
ومن وجهة نظري التحليلية، يبدو أن سوق النفط تتجه نحو مرحلة من التقلبات المحدودة مع ميل هبوطي طفيف. إذا استمرت التحديات المرتبطة بالطلب الصيني وتوافرت الإمدادات بكميات وفيرة، فمن المحتمل أن تظل الأسعار تحت ضغط هبوطي خلال الأشهر المقبلة. ومع ذلك، فإن أي تصعيد كبير في التوترات الجيوسياسية أو تغيرات مفاجئة في السياسة النقدية الأميركية قد يعيد تشكيل المشهد ويدفع الأسعار إلى اتجاهات غير متوقعة. في الوقت الراهن، يظل السوق في حالة انتظار وحذر، بانتظار إشارات أوضح من العوامل الأساسية والجيوسياسية التي ستحدد مسار الأسعار مستقبلاً.