كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
مع بداية أسبوع العطلات في الولايات المتحدة، حافظ الدولار الأمريكي على استقراره في نطاق محدود بالقرب من 106.65 نقطة اليوم الاثنين، وهو ما يعكس حالة ترقب وحذر بين المستثمرين. وبرأيي جاء هذا الاستقرار في أعقاب إعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب ترشيحه لسكوت بيسنت لتولي منصب وزير الخزانة في حكومته المقبلة. وهذا الترشيح حمل معه إشارات مختلطة للأسواق، حيث يعتبر بيسنت من المدافعين عن الانضباط المالي، مستهدفًا عجزًا في الميزانية بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، مع دعمه لسياسات التعريفات الجمركية وخفض الضرائب. فهذه التوجهات المتشددة تحمل معها طمأنة نسبية للمستثمرين بشأن الانضباط المالي المستقبلي، لكنها قد تثير تساؤلات حول تأثيرها على النمو الاقتصادي في ظل ظروف السوق الحالية.
وفي ظل ترشيح بيسنت، تبدو لي الأسواق وكأنها وجدت بعض الاستقرار بعد فترة من التوترات المتعلقة بسياسات ترامب الاقتصادية. لأن التزام بيسنت بعجز مالي منخفض يبعث برسائل إيجابية للأسواق المالية، خصوصًا في ظل مخاوف مستمرة بشأن التضخم وارتفاع الدين العام. ومع ذلك، فإن دعمه لسياسات التعريفات الجمركية قد يضيف المزيد من الضغوط على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالفعل من تحديات متعددة، مثل تباطؤ النمو وتوترات سلاسل التوريد. وهذا التوازن الدقيق بين التفاؤل الحذر والقلق يجعل الدولار الأمريكي في موقف حساس، حيث ينتظر المستثمرون المزيد من الإشارات من البيانات الاقتصادية المقبلة.
ومن وجهة نظري، الأسبوع الحالي يمثل تحديًا فريدًا بسبب عطلة عيد الشكر، مما يضغط على الجدول الزمني لنشر البيانات الاقتصادية. حيث يتم ترحيل معظم البيانات الهامة، مثل نفقات الاستهلاك الشخصي لشهر أكتوبر، والتقدير الثاني للناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث، وطلبات البطالة الأسبوعية، إلى يوم الأربعاء، مما يجعل الأسواق أكثر حساسية لأي مفاجآت في تلك البيانات. والمؤشرات الأولية، مثل مؤشر النشاط الوطني لبنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو ومؤشر أعمال التصنيع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، قد تقدم إشارات محدودة لكنها تبقى أقل أهمية مقارنة بالبيانات الرئيسية المنتظرة في منتصف الأسبوع.
ومن جهة أخرى، يبدو أن الأسهم العالمية تتحرك في اتجاه إيجابي، مدفوعة بالزخم الإيجابي في الأسواق اليابانية والأوروبية، مما ينعكس على العقود الآجلة للأسهم الأمريكية. وهذا الأداء يعكس مزاجًا عامًا من التفاؤل الحذر، مدعومًا بتوقعات السوق بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة مجددًا في اجتماعه المقبل. وتشير التوقعات إلى احتمال بنسبة 56.1% لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو ما يعتبر إشارة إيجابية للأسواق المالية التي تسعى لدعم النمو الاقتصادي.
ورغم هذه الإيجابية، يبقى مؤشر الدولار الأمريكي برأيي يكافح للعودة إلى مستواه فوق 107.00، وهو ما يعكس التحديات التي تواجه العملة الأمريكية. ومستويات الفائدة المرتفعة نسبيًا تدعم الدولار على المدى القريب، لكنها قد تواجه ضغوطًا مع استمرار الحديث عن تخفيضات محتملة في الفائدة. علاوة على ذلك، فإن العوامل الجيوسياسية، مثل التوترات التجارية والتغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية، تلعب دورًا كبيرًا في تحديد اتجاه الدولار.
وعليه يظهر لي أن الأسواق تتعامل مع مزيج من العوامل المتناقضة. فمن ناحية، يقدم ترشيح سكوت بيسنت إشارة إلى إمكانية تحقيق استقرار مالي أكبر، وهو ما يدعم الثقة بالدولار الأمريكي على المدى الطويل. ومن ناحية أخرى، فإن المخاطر المرتبطة بسياسات التعريفات الجمركية وتأثيرها على التجارة العالمية قد تحد من هذا التفاؤل. كما أن التغيرات المحتملة في السياسة النقدية الأمريكية تضيف ضغوطات أخرى من التعقيد.
وبالنظر إلى المستقبل، يبدو لي أن الأسواق ستبقى حساسة لأي بيانات جديدة أو تصريحات رسمية، خاصة مع قرب نهاية العام المالي وحالة الترقب بشأن خطوات بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقد تشهد الأسواق تقلبات ملحوظة إذا ما جاءت البيانات الاقتصادية بمفاجآت، سواء كانت إيجابية أو سلبية. فعلى سبيل المثال، إذا أظهرت بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي أو الناتج المحلي الإجمالي أداءً قويًا، فقد يدعم ذلك الدولار، بينما قد تؤدي أية إشارات ضعف إلى مزيد من الضغط على العملة الأمريكية.
وفي الختام، يمكنني القول إن استقرار الدولار في بداية هذا الأسبوع يعكس توازنًا دقيقًا بين التفاؤل الحذر والمخاوف المستمرة. وترشيح سكوت بيسنت، رغم كونه إيجابيًا بشكل عام، لا يخلو من التحديات التي قد تؤثر على الأسواق في المستقبل القريب. ومن وجهة نظري، فإن المرحلة المقبلة تتطلب مراقبة دقيقة للبيانات الاقتصادية وسلوك الأسواق، حيث ستبقى هذه العوامل هي المحرك الرئيسي لتوجهات الدولار والأسواق المالية بشكل عام.