كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
واصلت أسعار النفط الخام تحقيق مكاسب ملحوظة وسط تطورات مؤثرة على مستوى الأسواق العالمية لتتداول اليوم الأربعاء عند 69.00 دولار وأقل قليلاً، وهذا برأيي يعكس تصاعد التفاؤل بشأن استقرار السوق على المدى القصير. كما أن ارتفاع النفط الخام وخام برنت بنحو 1% يعكس استجابة فورية لتقارير عن استمرار المحادثات بين أعضاء أوبك+ لتمديد تخفيضات الإنتاج. وهذه الخطوة، إن تحققت، ستسهم بلا شك في دعم الأسعار خلال الفترة القادمة، وهو ما أراه مؤشرًا إيجابيًا لعودة التوازن إلى الأسواق في ظل التقلبات الراهنة.
ومن وجهة نظري يشير التأخير المتوقع لخطط خفض الإنتاج حتى الربع الثاني من عام 2025 إلى أن أوبك+ تدرك جيدًا حساسية الأسواق تجاه أي تغيير في مستويات الإنتاج. ومثل هذه الخطوة تُظهر حرص التحالف على تجنب التكرار السريع لفائض المعروض الذي يؤثر سلبًا على الأسعار. وبرأيي، هذا القرار الاستباقي يعكس استراتيجية ذكية تستهدف الاستفادة من الزخم الحالي للأسواق وتحقيق استقرار مستدام.
وفي نفس الوقت يعاني مؤشر الدولار الأميركي من تراجع في أدائه مع اقتراب عطلة عيد الشكر، ما يضيف مزيدًا من الدعم لأسعار النفط. وضعف الدولار يجعل النفط الخام أقل تكلفة بالنسبة للمشترين الذين يتعاملون بعملات أخرى، مما يزيد الطلب على الخام. وأرى أن هذا العامل يمكن أن يمنح النفط دفعة إضافية في الأيام المقبلة، خاصة مع استمرار التوقعات بتباطؤ مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وجني الأرباح من مكاسب الدولار يُعَدّ مؤشرًا على أن الأسواق قد تستعد لتحركات جديدة تستهدف تحقيق توازن بين الأسعار والعملات.
أما على صعيد البيانات الاقتصادية، فإن تركيز الأسواق اليوم الأربعاء على إصدار أرقام الناتج المحلي الإجمالي ومؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي وطلبيات السلع المعمرة يعكس أهمية العوامل الكلية في تحديد مسار أسعار النفط. وأي مفاجآت إيجابية في هذه الأرقام قد تعزز التفاؤل بشأن الطلب المستقبلي على الطاقة. ومن وجهة نظري، فإن الترابط بين الأداء الاقتصادي العام وأسعار النفط يتطلب متابعة دقيقة لضمان الاستفادة من التحركات الإيجابية المحتملة.
أما عن الأحداث الجيوسياسية تلعب كذلك دورًا محوريًا في تشكيل ديناميكيات السوق. ويعتبر توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سيخفف من حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، ما يُعد عاملًا مهدئًا للأسواق. ومع ذلك، أعتقد أن تأثير هذا الحدث سيكون محدودًا على المدى الطويل، حيث ستظل الأسواق حساسة تجاه أي تصعيد جديد.
كما أن التزام أعضاء أوبك+ بحصص الإنتاج وتوقعات تمديد التخفيضات يُشير إلى إدراك التحالف لأهمية ضبط الإمدادات العالمية في ظل التحديات الاقتصادية. وتقارير معهد البترول الأميركي عن انخفاض المخزونات بمقدار 5.935 مليون برميل تُظهر بالفعل تأثير هذه السياسات على تحقيق توازن بين العرض والطلب. وهذا الانخفاض يعكس استجابة إيجابية للقرارات الأخيرة ويشير إلى احتمالية استمرار هذا الاتجاه في حال تمت المحافظة على التخفيضات الإنتاجية.
ومع اقتراب صدور تقرير إدارة معلومات الطاقة، تتزايد التوقعات بانخفاض المخزونات، ما قد يمنح أسعار النفط دفعة إضافية في حال جاءت البيانات متوافقة مع التوقعات أو أفضل منها. ومن وجهة نظري، فإن استمرار انخفاض المخزونات يعكس قوة الطلب الحالي على النفط ويؤكد فاعلية سياسات أوبك+ في مواجهة التحديات.
لكن على الرغم من هذه المؤشرات الإيجابية، تظل هناك مخاوف بشأن تأثير تباطؤ الاقتصاد العالمي على الطلب على النفط. خاصة تباطؤ الاقتصادات الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة، قد يضعف الزخم الإيجابي الحالي للأسعار. لذا أرى أن التحدي الأساسي يكمن في قدرة أوبك+ على الموازنة بين دعم الأسعار ومراعاة الاحتياجات الاقتصادية للدول المستهلكة، حيث إن أي مبالغة في تخفيض الإنتاج قد تؤدي إلى تراجع الطلب على المدى الطويل.
وبالمجمل، أعتقد أن النفط الخام أمام فرصة لتحقيق ارتفاعات قصيرة الأجل مدفوعةً بعوامل متعددة، أبرزها تمديد تخفيضات الإنتاج وضعف الدولار وانخفاض المخزونات. ومع ذلك، فإن الاستدامة تتطلب إدارة حذرة من قبل أوبك+ واستجابة مرنة للتطورات الاقتصادية والجيوسياسية. وقد نشهد استمرار الاتجاه الصاعد خلال الأسابيع المقبلة، لكن الأسواق ستبقى بحاجة إلى إشارات واضحة من التحالف حول خططه المستقبلية لضمان استقرار طويل الأجل.