كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهد زوج اليورو/الدولار الأميركي اليوم الجمعة بعض التراجع بعد الارتفاعات الملحوظة أمس ليتداول عند 1.05740، بعد أن حقق مكاسب بحوالي سبعة أعشار في المائة ليصل إلى مستوى 1.0600، وهو ما يعكس تحسنًا نسبيًا للعملة الأوروبية مقابل الدولار الأميركي. وبرأيي هذا الارتفاع يأتي في وقت حساس، حيث يتفاعل السوق مع مجموعة من العوامل الاقتصادية المتشابكة التي تؤثر على القرارات النقدية للبنك المركزي الأوروبي وكذلك توقعات السوق بشأن الاقتصاد الأميركي.
ومن بين هذه العوامل، تراجعت مبيعات التجزئة الأوروبية في أكتوبر عن التوقعات رغم تجاوزها لمتوسط التوقعات، حيث سجلت مبيعات التجزئة نمواً بنسبة 1.9% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يعد تقدمًا مقارنة بالتوقعات التي كانت تشير إلى 1.7%. لكن بالمقابل، هذا النمو يبدو أقل بكثير مقارنة بارتفاع 3% الذي تم تسجيله في الشهر السابق، ما يعكس تراجع النشاط الاقتصادي في المنطقة.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماعه المقبل الأسبوع المقبل، مما يضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذها البنك في وقت سابق لخفض تكلفة الاقتراض وتعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة. ومن وجهة نظري، بالرغم من ارتفاع التضخم في بعض القطاعات الأوروبية، فإن تراجع نمو مبيعات التجزئة قد ساهم في الضغط على مسؤولي المركزي الاوروبي لتسريع وتيرة التحفيز النقدي.
وتعكس تصريحات رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاجارد، هذا التوجه، حيث أكدت التزام البنك بتخفيض أسعار الفائدة في المدى القصير لدعم النمو، رغم التأكيد على أن التضخم سيتراجع في عام 2025. وأعتقد أن هذا التوجه نحو تخفيض أسعار الفائدة يعزز من التوقعات السلبية بالنسبة لليورو في المدى القصير، لكنه في نفس الوقت يوفر مساحة للمخاطرة في الأسواق المالية، حيث يظن المستثمرون أن سياسة التيسير النقدي قد تعزز من جاذبية الأسواق الأوروبية.
وعلى الجانب الأميركي، لا تزال البيانات الاقتصادية تشير إلى تأثيرات مختلطة على صورة الاقتصاد. ففي نوفمبر، ارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولية إلى أعلى مستوى لها في ستة أسابيع، حيث بلغ العدد 224 ألف طلب، وهو ما يتجاوز التوقعات البالغة 215 ألف طلب. كما شهدت معدلات خفض الوظائف زيادة ملحوظة في نفس الشهر، ما يعكس استمرار الضغوط على سوق العمل في الولايات المتحدة. وبرأيي رغم أن هذه البيانات تشير إلى بعض الضعف في سوق العمل الأميركي، إلا أن تقرير الوظائف غير الزراعية المرتقب اليوم الجمعة يجذب اهتمام المستثمرين بشكل كبير خاصة بعد خطاب باول.
ويتوقع السوق أن يظهر التقرير إضافة صافية للوظائف في حدود 200 ألف وظيفة في نوفمبر بعد التراجع الكبير في أكتوبر، والذي كان ناتجًا جزئيًا عن تسريح العمال بسبب الأعاصير والإضرابات. ومن وجهة نظري هذا التقرير سيكون بالغ الأهمية في تحديد المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأميركية والتوقعات بشأن رفع أو خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
لذلك، يبقى اليورو عرضة للتقلبات الكبيرة نتيجة للسياسات النقدية المطبقة في أوروبا والتوقعات الاقتصادية المتباينة. فمن جهة، لا تزال منطقة اليورو تواجه تحديات اقتصادية تتمثل في تباطؤ النمو في بعض القطاعات الأساسية، بينما يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى تحفيز النشاط الاقتصادي عبر تخفيض أسعار الفائدة.
ومن جهة أخرى، تبقى الولايات المتحدة في صلب النقاشات الاقتصادية العالمية، حيث تترقب الأسواق تقرير الوظائف غير الزراعية لتحديد التوجهات المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي. وهنا أرى أن اليورو/الدولار في مرحلة حساسة، حيث ينتظر المستثمرون إشارات واضحة من البنك المركزي الأوروبي والفيدرالي الأميركي حول مدى استدامة سياسات التيسير النقدي في كل من البلديين.
وفي النهاية، تتداخل العوامل الاقتصادية في كل من أوروبا والولايات المتحدة بشكل معقد، مما يجعل التنبؤ بحركة اليورو/الدولار أمرًا صعبًا في المدى القريب. فقد يكون لخفض أسعار الفائدة في أوروبا تأثير سلبي على اليورو في البداية، لكن في الوقت نفسه، سيبقى الدولار عرضة لضغوط في حال ظهور مؤشرات ضعف في سوق العمل الأميركي، مما قد يخلق توازنًا نسبيًا في حركة الزوج. لذا، يمكن القول إن حركة اليورو/الدولار خلال الفترة المقبلة ستعتمد بشكل كبير على تفاعل البيانات الاقتصادية القادمة من كلا الجانبين، خصوصًا تقرير الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة اليوم.