ثبات الذهب دون 2700 دولار: قراءة في حالة التردد قبل بيانات التضخم

كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com

شهدت أسعار الذهب تقلبات ملحوظة خلال الأيام الأخيرة، حيث تراوح سعر المعدن النفيس اليوم الأربعاء حول مستوى 2690 دولارًا للأونصة، بعيدًا عن أعلى مستوياته خلال أسبوعين، وسط مزيج من العوامل المتباينة التي تساهم في رسم صورة ضبابية لمستقبله على المدى القريب. وبينما تبقى المخاوف الجيوسياسية والتوترات التجارية عوامل داعمة للذهب كملاذ آمن، فإن الدولار الأمريكي القوي المدعوم بارتفاع عائدات السندات الأمريكية يضغط على أسعار الذهب.

ومن وجهة نظري تعد التحركات الأخيرة في سعر الذهب انعكاسًا واضحًا لعمليات إعادة التوازن التي يقوم بها المتداولون قبل صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي(CPI)، وهو التقرير الذي يحمل أهمية كبيرة في توجيه توقعات السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي. حيث تشير المعطيات الحالية إلى أن الأسواق تترقب هذا التقرير بحذر، حيث يمكن أن يؤثر بشكل جوهري على تحركات الدولار الأمريكي وبالتالي على حركة الذهب.

فالدولار الأمريكي، الذي استعاد قوته في الأيام الأخيرة، يلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مسار الذهب. كما إن ارتفاع عائدات السندات الأمريكية يعزز من جاذبية الأصول المرتبطة بالدولار مقارنة بالذهب غير المدر للعائد. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع في العائدات لا يخلو من مخاطره، إذ يمكن أن يزيد من حدة التوترات في الأسواق المالية، ما يجعل الذهب خيارًا أكثر أمانًا في أوقات عدم اليقين.

ومن جهة أخرى، أعتقد أن المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة تساهم في دعم الذهب جزئيًا. فقد شهدنا مؤخرًا تصعيدًا في التوترات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى زيادة التوترات في شرق أوروبا مع تصريحات الرئيس الأوكراني زيلينسكي حول تعزيز التمويل العسكري ومناقشة نشر قوات أجنبية. إلى جانب ذلك، يعيد انتخاب دونالد ترامب وتصريحاته العدائية بشأن السياسات التجارية مع كبرى الدول الاقتصادية العالمية إشعال مخاوف الحرب التجارية. وهذه التطورات تُظهر أن الذهب يبقى أداة استثمارية جذابة لتحوط المستثمرين من الأزمات الجيوسياسية.

أما من ناحية السياسة النقدية، تبقى توقعات المستثمرين بشأن بنك الاحتياطي الفيدرالي عاملاً محوريًا في توجيه أسعار الذهب. حيث إن الأسواق ترجح احتمالًا كبيرًا بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر. لكن التصريحات الأخيرة من بعض أعضاء الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك رئيس البنك جيروم باول، تشير إلى احتمال تبني موقف أكثر حذرًا بشأن تخفيض أسعار الفائدة. وهذا التردد من قبل الفيدرالي يترك الأسواق في حالة من عدم اليقين، حيث يمكن أن تؤدي بيانات التضخم المرتقبة إلى تغيير المعادلة بشكل كبير.

ومن المتوقع أن يقدم تقرير مؤشر أسعار المستهلك القادم نظرة أكثر وضوحًا بشأن اتجاه السياسة النقدية. فإذا جاءت البيانات أعلى من المتوقع، فقد يزيد ذلك من احتمالات الإبقاء على سياسة نقدية متشددة، مما سيدعم الدولار ويضغط على الذهب. في المقابل، إذا أظهرت البيانات تباطؤًا في التضخم، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز توقعات خفض الفائدة، مما يدفع الذهب إلى مستويات أعلى.

وعلى الرغم من العوامل السلبية التي تضغط على الذهب، إنني أرى أن هناك العديد من الأسباب التي تجعله يبقى جذابًا في المستقبل القريب. فإلى جانب المخاطر الجيوسياسية، يمكن أن تؤدي السياسات التجارية المتشددة التي يتبناها ترامب إلى تقويض استقرار الأسواق العالمية، مما يعزز من الطلب على الذهب كملاذ آمن. علاوة على ذلك، فإن ضعف الأداء المتوقع لاقتصادات كبرى مثل كندا ومنطقة اليورو وسويسرا، التي يُتوقع أن تخفض بنوكها المركزية أسعار الفائدة قريبًا، قد يدعم الذهب باعتباره أحد الخيارات المفضلة للمستثمرين في مواجهة بيئة اقتصادية ضعيفة.

وفي الختام، يمكنني القول أن السوق في حالة ترقب حذرة قبل صدور تقرير التضخم الأمريكي. ورغم الضغوط الناجمة عن قوة الدولار وارتفاع عائدات السندات، يبقى الذهب محصنًا جزئيًا بفضل المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية المتزايدة. وأعتقد أن الاتجاه المستقبلي للذهب يعتمد بشكل كبير على البيانات الاقتصادية القادمة ورد فعل الفيدرالي عليها. وفي ظل هذه المعطيات، قد يبقى الذهب دون مستوى 2700 دولار على المدى القريب، ولكن أي تصعيد في الأزمات العالمية أو تراجع في توقعات الفائدة قد يدفعه إلى مستويات أعلى.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اليورو يتماسك بعد سلسلة الخسائر مع ترقب لقرار البنك المركزي الأوروبي

بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com يرتفع اليورو أمام الدولار اليوم براقبة 0.25% ...

باب التسجيل مفتوح للنسخة الرابعة من برنامج ديلويت الشرق الأوسطFast 50 لشركات التكنولوجيا الأسرع نمواً

الشركات المؤهلة تشمل شركات التكنولوجية العامة والخاصة المسجلة في الشرق الأوسط وقبرص معايير التقييم تعتمد ...

كركي : 30 مليار ل.ل. سلفات مالية للمستشفيات على حساب المعاملات الجراحية المقطوعة

منذ بدء العمل به، أثبت نظام العمل الجراحي المقطوع نجاحه في تأمين حقوق الأطراف الثلاثة ...