الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول، محلل أول لأسواق المال في XS.com
خلال الأشهر الفليلة الماضية دخلت عملة البيتكوين في منافسة شرسة مع الذهب، ليس فقط من حيث سعرها وأدائها في الأسواق المالية، بل أيضًا من حيث استقطاب اهتمام المؤسسات والمستثمرين. فقد أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين (ETFs) التي أُدرجت في الأسواق الأمريكية تملك أكثر من 1.13 مليون بيتكوين، بقيمة إجمالية تتجاوز 121.83 مليار دولار. وهذا الرقم يتجاوز 88% من الأصول المدارة في صناديق الذهب المتداولة في البورصة الأمريكية، مما يعكس تحولًا كبيرًا في كيفية رؤيتهما كأصول استثمارية. وهو ما يجعل من البيتكوين تحديًا حقيقيًا للذهب باعتباره “الملاذ الآمن” في أوقات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية.
ومن وجهة نظري، إن تزايد هذا التحول ليس محض صدفة؛ فقد ساهمت عدة عوامل في دفع البيتكوين إلى هذه المكانة الكبيرة، بدءًا من الدعم المؤسسي القوي وصولًا إلى زيادة الاهتمام من قبل الحكومات. وفي الحقيقة، تواصل المؤسسات المالية الكبرى مثل Bitfinex وBinance تشجيع وتوجيه استثمارات ضخمة نحو البيتكوين، مما يعكس تحولًا جذريًا نحو العملات المشفرة كأصول رئيسية.
وفي الأسبوع الأول من ديسمبر 2024، تم ضخ أكثر من 2.167 مليار دولار في صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين، وهو ما يعكس الثقة الكبيرة التي وضعها المستثمرون في “الذهب الرقمي”. ومما لا شك فيه أن هذه الاستثمارات تتماشى مع التوقعات التي تشير إلى إمكانية ارتفاع سعر البيتكوين إلى 130 و 150 ألف دولار بحلول منتصف عام 2025.
ولكن، على الرغم من هذا الزخم، فإن حقيقة أن البيتكوين أصبح يشكل 88% من أصول صناديق الذهب المتداولة في السوق الأمريكية، تشير برأيي إلى أن هناك تحولًا غير مسبوق في كيفية رؤية الأصول المشفرة. وقد يساعد هذا الاتجاه على دعم ما يُسمى بـ”الذهب الرقمي”، حيث يرى البعض أن البيتكوين يمكن أن يحل محل الذهب في المستقبل، خاصة مع تزايد الجاذبية التي يتمتع بها في ظل التوترات الجيوسياسية والاقتصادية. وأعتقد أن الأمر لا يقتصر على أن البيتكوين أصبح خيارًا مغريًا للمستثمرين المؤسسيين فحسب، بل أصبح أيضًا أداة لتحوط ضد التضخم والأزمات المالية، وهو الدور الذي لطالما شغله الذهب.
لذا أعتقد أنه لا يمكننا تجاهل الدور الكبير الذي لعبه الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، في تعزيز مكانة البيتكوين. فهو لم يكتفِ فقط بالإعلان عن دعم العملات المشفرة، بل أيضًا طرح فكرة إنشاء احتياطي استراتيجي أمريكي من البيتكوين، وهو ما من شأنه أن يعزز مكانة البيتكوين على الساحة العالمية ويعطيه قبولًا أكبر كأصل استراتيجي في الاحتياطيات الوطنية.
أيضاً هذا الإعلان يعكس تحوّلا مهمًا نحو دمج العملات المشفرة في السياسات المالية الوطنية. ورغم أن التنفيذ الفعلي لهذه الفكرة قد يستغرق وقتًا طويلاً، إلا أن مجرد التفكير فيها يعكس نوعًا من التفاؤل الاستراتيجي بشأن دور البيتكوين في الاقتصاد العالمي.
أما على مستوى الأسواق التقليدية، فقد شهدنا كيف أن إدراج شركة MicroStrategy في مؤشر ناسداك 100 قد ساعد على زيادة تدفقات رأس المال إلى البيتكوين. حيث إن إدراج هذه الشركة العملاقة، التي تعد واحدة من أكبر حاملي البيتكوين في العالم، يعزز من الثقة المؤسسية في البيتكوين ويعكس التطور المستمر للعملات المشفرة نحو الانخراط بشكل أكبر في النظام المالي التقليدي. وهذه التحركات، التي تتضمن إعادة ترتيب المحافظ الاستثمارية لتشمل أسهم MicroStrategy، قد تؤدي برأيي إلى تدفقات إضافية من رأس المال نحو البيتكوين، مما يدعمه في مواجهة أي تقلبات قد تظهر في المستقبل.
إلى جانب ذلك، أعتقد أن البيتكوين يبقى في طريقه لتحقيق مستويات جديدة من الارتفاع، حيث تراقب الاسواق باهتمام مستوى 110 آلاف دولار كمستوى نفسي مهم. وهذا الانتقال، الذي أصبح قريبًا جدًا في الوقت الحالي، يعكس كيف أن البيتكوين يشهد مستوى متزايدًا من القبول والاهتمام، وهو ما قد يؤدي إلى تحول جذري في الأسواق المالية. لكن بالرغم من التفاؤل الكبير، يبقى هناك حذر متزايد بشأن تقلبات السوق، حيث يمكن أن يؤدي جني الأرباح والتداول المضاربي إلى تقلبات حادة في الأسعا في المدى القريب.
وإذا نظرنا إلى المستقبل، سنجد أن البيتكوين سيبقى محورًا رئيسيًا في نقاشات الأسواق المالية والاقتصاد العالمي. فمن خلال التحركات الاستراتيجية للمؤسسات المالية الكبرى والحكومات، يبدو أن البيتكوين قد أصبح بديلاً حقيقياً للذهب في بعض الأبعاد. لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الثقة في “الذهب الرقمي” ستستمر أو ما إذا كانت ستواجه تحديات جديدة مع مرور الوقت. ولكن الشيء المؤكد بالنسبة لي هو أن البيتكوين قد بدأ في رسم ملامح دوره في الاقتصاد العالمي، ولن يكون من السهل تجاهل تأثيره في الأسواق المالية في المستقبل القريب.
