الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول ، محلل أسواق أول في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
شهدت أسعار الذهب مؤخرًا زخمًا إيجابيًا قويًا وتتداول اليوم الثلاثاء عند 2728 دولار، مدفوعة بالتحولات الاقتصادية والجيوسياسية، حيث لجأ المستثمرون إلى المعدن الأصفر كملاذ آمن وسط تصاعد المخاوف العالمية. خاصة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول فرض رسوم جمركية جديدة على كندا والمكسيك، وتهديده بفرض رسوم على الصين إذا لم توافق على صفقة تيك توك، وبرأيي أثارت هذه التصريحات قلق الأسواق بشأن احتمال نشوب موجة جديدة من حرب تجارية عالمية. وهذه التطورات عززت الطلب على الذهب، خاصة أن مثل هذه الأزمات تزيد من رغبة المستثمرين في حماية أصولهم من التقلبات الاقتصادية.
وبالتوازي مع ذلك، تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة في الولايات المتحدة إلى احتمالية تباطؤ التضخم، مما يدعم رهانات السوق على خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. كما أن انخفاض عائدات السندات الأمريكية إلى أدنى مستوياتها خلال ثلاثة أسابيع يعتبر عاملًا إيجابيًا يدعم الذهب، حيث يقلل العائد المنخفض من جاذبية الأصول ذات العائد المرتفع مقارنة بالذهب الذي لا يولد عوائد. فوي ظل هذه الظروف، يبدو لي أن الاحتياطي الفيدرالي قد يجد نفسه مضطرًا إلى تبني نهج أقل تشددًا، مما يدفع الذهب إلى الحفاظ على مساره الصعودي.
ومن وجهة نظري، لم يكن الطريق نحو مكاسب الذهب خاليًا من العقبات. فالانتعاش المتواضع في قيمة الدولار الأمريكي، إلى جانب النبرة الإيجابية العامة التي سادت أسواق الأسهم، شكلت عوامل معاكسة جزئيًا لمكاسب الذهب. الدولار استفاد من توقعات بأن سياسات ترامب الحمائية قد تؤدي إلى زيادة التضخم، مما يعزز فرص الاحتياطي الفيدرالي في الحفاظ على أسعار الفائدة المرتفعة. وهذا التوازن بين المخاوف الجيوسياسية والسياسات النقدية يعكس مدى تعقيد المشهد الاقتصادي الحالي وتأثيره على أداء الذهب.
لكنني أعتقد، بأن يبقى الذهب في وضع قوي بسبب الدعم الأساسي الذي يقدمه انخفاض العوائد على السندات ومخاوف المستثمرين من التداعيات الاقتصادية والسياسية المحتملة. فتصريحات ترامب المتعلقة بالتعريفات الجمركية لم تؤثر فقط على توقعات النمو العالمي، بل أثارت أيضًا تساؤلات حول قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل تبعات هذه السياسات. هذه الديناميكية جعلت الذهب يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن، خاصة في ظل غياب أي بيانات اقتصادية أمريكية مؤثرة على المدى القريب.
كما تأثرت المخاطر الجيوسياسية بفعل التوترات المستمرة في الشرق الأوسط واتفاق وقف إطلاق النار الأخير. وتبقى الآمال بأن يخفف ترامب القيود المفروضة على روسيا مقابل اتفاق سلام في أوكرانيا مساهم جزئيًا في تهدئة الأسواق، لكنها لم تكن كافية لتحييد المخاطر التي تدفع الذهب إلى الأعلى. ومع اقتراب اجتماع بنك اليابان وتصاعد الترقب بشأن سياساته النقدية، قد يشهد الذهب مزيدًا من التقلبات على المدى القريب.
لأنني أرى أن البيانات الاقتصادية العالمية تشير إلى استمرار حالة عدم اليقين بشأن تعافي الاقتصاد العالمي. وإصدار بيانات مؤشر مديري المشتريات الأولية المتوقع في الأيام المقبلة قد يقدم رؤى إضافية حول قوة الاقتصاد العالمي، مما قد يؤثر على شهية المستثمرين تجاه الأصول الآمنة مثل الذهب. لذا يبدو أن الذهب سيبقى متذبذباً، حيث تستمر الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية في تشكيل حركته.
وهنا يتضح لي أن مسار الذهب يواجه مزيجًا من التحديات والدعائم. فبينما توفر المخاطر الجيوسياسية والرهانات على خفض الفائدة دعمًا قويًا للمعدن الأصفر، فإن استقرار الدولار والنبرة الإيجابية للأسواق المالية قد يحدان من المكاسب. وعلى المدى البعيد، يبقى الذهب خيارًا جذابًا للمستثمرين الباحثين عن الأمان في ظل التقلبات العالمية. أما على المدى القريب، فإن التركيز سيبقى على السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية التي قد تشكل مفترق طرق لأداء الذهب في الفترة المقبلة.
لذا أرى أن الذهب سيبقى محط أنظار الأسواق العالمية، حيث تتقاطع العوامل الاقتصادية والسياسية لتحديد اتجاهه. ومع ذلك، يجب على المستثمرين أن يضعوا في اعتبارهم أن الذهب ليس محصنًا ضد تقلبات السوق، وأن قرارات الاستثمار يجب أن تستند إلى تحليل دقيق للمستجدات الاقتصادية والجيوسياسية. حيث إن التعافي المتواضع للدولار والنبرة الإيجابية في الأسواق قد يضغطان على الذهب في المدى القصير، لكن أساسيات السوق لا تزال تشير إلى اتجاه صعودي محتمل، خاصة إذا استمرت السياسات الحمائية وازدادت المخاوف من تدهور الاقتصاد العالمي.
